ترجمة - أمنية الصناديلي
في الوقت الذي تجرى فيه الترتيبات حاليا لإقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص وهو التشريع المرتقب صدوره قريبا في قطر أعدت شركة «أوليفر وايمان» للاستشارات الإستراتيجية تقريرا رصدت فيه دور الشراكة بين القطاعين العام والخاص في دعم التنمية الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي، مشيرة إلى أن تلك النوعية من المشروعات نموذجية في قطر، وقد ظهر ذلك واضحا خلال السنوات الأخيرة، مما ساعد في دعم مسيرة التنمية الشاملة.
وبنهاية الشهر الماضي طرحت الدولة مشاريع لبناء 45 مدرسة على مدى 3 أعوام، بنظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتصل الكلفة إلى 5 مليارات ريال ويشمل النظام المعتمد للمشاريع توفير التصميم والبناء والتمويل والتشغيل وصيانة المباني ونقل ملكية المدارس. فيما ستباشر اللجنة الفنية التابعة للمجموعة الوزارية لتحفيز ومشاركة القطاع الخاص في مشروعات التنمية الاقتصادية طرح حزمة من المشاريع خلال الفترة المقبلة بنظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص خصوصا ان القطاع الخاص مؤهل لتنفيذ المشاريع التنموية الكبرى.
ويؤكد التقرير أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص ضرورية لتحقيق التنمية الشاملة ولتطوير البنية التحتية، ومن ثم تسعى دول المنطقة إلى تعزيز مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد، وجذب الاستثمارات الأجنبية.
وأشار التقرير إلى أن دول الخليج تطمح، من خلال برامج التنمية الوطنية، للوصول لبنية تحتية عالمية في غضون 15 إلى 20 سنة لدعم نمو اقتصادها وشعوبها، مع التركيز على التنويع بعيدا عن النفط والغاز والتأكيد على تلقي القطاعات الرئيسية، مثل الطاقة والنقل والتعليم والرعاية الصحية، استثمارات ضخمة لضمان المستوى العالمي لها في الخطط طويلة الأجل مثل رؤية قطر الوطنية 2030.
ولفت تقرير «أوليفر وايمان» إلى أن مستوى البنية التحتية يعد محركا رئيسيا للناتج المحلي الإجمالي الوطني، بسبب وجود علاقة وطيدة بين جودة البنية التحتية وزيادة الاستثمار، وبلغت قيمة مشاريع تنمية البنية التحتية في منطقة الخليج في عام 2017 وحده حوالي 108 مليار دولار أميركي، معظمها في مجالات الإنشاء والنقل.
وقبل أربع سنوات من انخفاض أسعار النفط، ارتفع الإنفاق العام على البنية التحتية للفرد الواحد بنسبة 8 % ثم تراجع مع انخفاض سعر النفط ليصبح 7 % سنويا. ويقدر متوسط الفجوة التمويلية التي خلقها انخفاض سعر النفط مع تزايد مشاريع البنية التحتية بحوالي 40 % وهو ما جعل الحكومات تهتم أكثر بمشاركة القطاع الخاص لسد هذه الفجوة.
ومنذ عام 1994، كان هناك اتجاه للشراكة بين القطاعين العام والخاص في دول الخليج لجذب المستثمرين الدوليين، ولتنشيط القطاع الخاص وتطوير المواهب المحلية، وقد أنجزت بعض المشاريع بنجاح في قطاعات الرعاية الصحية والتعليم والرياضة والعقارات.
وفي الوقت الحالي هناك حوالي 70 مشروعا مشتركا بين القطاعين العام والخاص في المنطقة أهمها مشروعات في قطاعات النقل والبناء والطاقة، مثل مشروع محطة الخيران لتوليد الطاقة الكهربائية في الكويت والذي قدرت قيمته بنحو 4 مليارات دولار، ومشروع محطة توليد الطاقة وتحلية المياه في أم الحول بقطر والذي قدرت قيمته بنحو 2.5 مليار دولار
وتحمل الشراكة بين القطاعين العام والخاص إشارة إيجابية للتطوير في المنطقة، إلا أنه من الضروري توسيع نطاقها، إذ مثلت الصفقات المشتركة بين القطاعين نحو 5 % فقط من عقود المشاريع المبرمة في الفترة ما بين عامي 2011 و2017.
حزمة تحديات
وأكد تقرير «أوليفر وايمان» على وجود عدد من التحديات التي تواجه المشاريع المشتركة بين القطاعين العام والخاص، خلال مراحل التخطيط والتصميم والتنفيذ أدت إلى فشل بعضها، كما حدث مع مشروع الجسر البري في السعودية، ومشروع الطريق السريع المفرق- الغويفات في أبوظبي بالإمارات.
ورصد التقرير تلك التحديات والتي تتمثل في: عدم وضوح الأهداف، لأنه يجب أن ترتكز المشاريع المشتركة بين القطاعين العام والخاص على رؤية واضحة وأهداف محددة حتى لا يحدث تضارب في المصالح بين الأطراف القائمة على المشروع مما يؤدي إلى تعطيله وربما إيقافه، فعلى سبيل المثال قد يكون الهدف الرئيسي الذي تسعى له وزارة المالية هو خفض الإنفاق الرأسمالي العام من خلال تلك الشراكة مع القطاع الخاص، بينما يكون هدف السلطات الحكومية الأخرى هو تقديم خدمة أفضل فتصبح الأجندات متضاربة داخل الحكومة نفسها وهو ما يخلق مشاكل إدارية تؤثر على سير المشروع برمته. وقال التقرير إن هناك تحديا آخر يتمثل في عدم الالتزام السياسي حيث إن مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص هي اتفاقات طويلة الأجل وتحتاج إلى وجود التزام سياسي لضمان عدم توقفها، وقد أدى عدم استقرار الحكومة في السعودية إلى التركيز على المشروعات قصيرة الأجل، وعدم تشجيع مشروعات الشراكة والأجندات الإصلاحية. مثال على ذلك مشروع الجسر البري السعودي، أحد أكبر مشاريع البنية التحتية في المنطقة باستثمار بلغت قيمته 7 مليارات دولار، وهو عبارة عن سكك حديد تربط بين ساحلي السعودية وبطول 1300 كيلو متر مربع بهدف استخدامه للشحن لتعزيز كفاءة نقل البضائع. وكان من المفترض أن يستغرق السفر برا من جدة إلى الدمام 18 ساعة فقط بدلا من 9 أيام بحرا.
وفي عام 2008 طرح المشروع في مناقصة في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص، وتم اختيار 7 مناقصين للدخول في تحالف «كونسورتيوم» لإنشاء وتشغيل المشروع لمدة 50 سنة لكن الخلافات حول الشروط والأحكام المالية أدت إلى إلغاء المشروع. وبعد 3 سنوات شرعت الحكومة في تنفيذه بحيث يكون حكوميا بالكامل لكن في عام 2017، أعلنت الحكومة عن إعادة تقديم المشروع للشراكة أو الخصخصة، بسبب الضغوطات المالية، وبالتالي أدى عدم وجود التزام سياسي إلى خروج المشروع عن مساره وأضر بثقة المستثمرين.
آلية قانونية وأفاد التقرير أن هناك تحديا ثالثا يتمثل في نقص التنظيم وذلك يعني عدم وجود آليات قانونية واضحة، وعدم وجود معايير ثابتة لنموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص وهو ما يخلق مشكلات إدارية ضخمة. وتحتل الكويت موقع الصدارة من حيث الاهتمام بالقوانين التنظيمية وكانت أول دولة في الخليج تستصدر قوانين خاصة بمشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وذلك في عام 2008، وتم تحديث تلك القوانين في 2014، كما تم تخصيص هيئة معنية بها. وتتضمن القوانين أحكاما مفصلة تغطي الجوانب المختلفة لعملية الشراكة بداية من فكرة المشروع وصولا إلى النتيجة النهائية، ومواد تجديد العقود وغيرها.
وأوضح تقرير «أوليفر وايمان» أنه رغم ذلك ظل سجل التنفيذ محدودا في الكويت إذ بلغ عدد المشروعات في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص 16 مشروعا فقط.
وبين التقرير أن تعقيدات البيروقراطية تمثل تحديا اضافيا إذ تعاني دول الخليج من البيروقراطية بدرجة عالية خصوصا فيما يتعلق بالمناقصات، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تعطيل وربما توقف، مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص بشكل متكرر.
وأوصى تقرير «أوليفر وايمان» بضرورة وضع نماذج وآليات واضحة لمشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المنطقة لخصها في؛ الشفافية من خلال وضع تعريف ملائم للشراكة وتحديد خطة التمويل لضمان شراكة مستدامة. وبمجرد تحديد أهداف ونموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص بوضوح، يلزم صياغة خطة شفافة للميزانية تشمل جميع الأطراف.
كما أشار إلى ضرورة وضع قوانين وأطر تنظيمية موحدة، تختص بالعقود واتفاقات التمويل وطرق حل المنازعات تحت أطر قانونية عادلة تضمن التوازن بين مصلحة المستثمر والجمهور، ويجب على الحكومات تحديد خطة الإيرادات لمشاريع الشراكة لتحفيز القطاع الخاص للاستثمار مع عدم وضع قيود على دخل المستثمرين، كما يجب أن تتضمن تلك الأطر تقييمات المخاطر، والتي تنقسم لقانونية وتجارية وسياسية مع تحميل كل طرف نصيب متساوي من المخاطرة.
ولفت تقرير «أوليفر وايمان» إلى أهمية وضع استراتيجية اتصال واضحة لحماية مصالح المستثمر والجمهور بخطة تتضمن رؤية طويلة المدى وخريطة طريق تضمن توافق جميع الأطراف. وقال إنه من الواجب أيضا أن يتم وضع آليات إدارة ومراقبة فعالة، وتخصيص هيئة محايدة لا يوجد لديها روابط مع أصحاب المصلحة سواء من الحكومة أو القطاع الخاص لمراقبة الأداء والجودة في مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وأخيرا خلص التقرير إلى أن مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص سوف تساهم بقوة في دفع عجلة التنمية الشاملة وجذب الاستثمارات للمنطقة، كما أضاف موضحا أن جميع الأطراف ستخرج فائزة إذ سوف تستفيد الحكومة من ميزات القطاع الخاص مثل اكتساب الخبرة وتحسين كفاءة، كما سترشد النفقات، بينما سوف يستفيد القطاع الخاص من شراكته مع الحكومة بالوصول الأكبر للأسواق، وتسهيل الإجراءات التنظيمية، وأيضا سيستفيد المواطنون من جودة الخدمات، كما سيحدث نوع من تبادل الخبرات بين القطاعات، وهو ما سيؤدي لزيادة نسب نجاح تلك المشروعات، واستكمال الخطط الحكومية الطموحة بتنمية البنية التحتية دون تمويل حكومي.