ماذا يريد بوتين من سوريا وماذا يريد من تدخله العسكري في أوكرانيا والشرق الأوسط؟ وماذا يريد بوتين من ترامب؟ الكل يتساءل عما يسعى إليه «القيصر» الغاضب الذي ركل الطاولة برجله عندما بلغه خبر اغتيال السفير الروسي في تركيا الأسبوع الماضي وطير الصحون والفناجين؟
كلنا يعرف أن لبوتين أطماعا تقوم على ثأر يستوطنه، للانتقام من الغرب وتخريب استقرار أوروبا وأميركا. وحتى ندرك أبعاد الرغبة الملحة التي تجتاح بوتين في مناطحة الغرب، علينا ألا ننسى أن روسيا ظلت حبيسة اليابسة معظم تاريخها. وكانت طوال الوقت تقدر عاليا شبه جزيرة القرم الأوكرانية، بسبب سواحلها، لذلك احتلت كاثرين الثانية القرم وأنشأت فيها ميناء «سيفاستوبول»، فكان مقرا للأسطول البحري الروسي في البحر الأسود وأنشأت ميناء تجاريا في «أوديسا»، لكن انهيار الاتحاد السوفياتي عام «1991» أدى إلى استقلال أوكرانيا، فخسرت موسكو اطلالتها على البحر من خلال اوديسا وسيفاستوبول.
تدخل كبير في الشام
ويعد التدخل العسكري الأخير في سوريا في سبتمبر «2015» أول تدخل كبير في بلاد الشام منذ يونيو 1772 عندما قصفت القوات الروسية واحتلت بيروت التي كانت حصنا على ساحل سوريا العثمانية. ودعم الروسي في تدخلهم الأخير حليفا عديم الرحمة ليجدوا أنفسهم في مرجل يغلي بالصراع المعقد بين الأعراق والمذاهب، فحاولوا إنهاءه بالمدافع والقوة العسكرية.
ولكن ما الذي يدعو الرئيس بوتين إلى التدخل في بلاد تبعد مئات الأميال عن الحدود الروسية على الرغم من الحرب التي مازال يخوضها في أوكرانيا الجزء السابق من الاتحاد السوفياتي؟ لم يبذل حتى الآن جهد لسبر أغوار الأسباب الكافية وراء خطوة الكرملين المفاجئة تلك، فضلا عن اقترانها بثلاثة تدخلات عسكرية أخرى في جورجيا عام 2008 والقرم في 2014 (القرم جزء من أوكرانيا) وجنوب شرق أوكرانيا عامي 2014 و2015.
لا يمكن الإجابة عن سؤال التدخل إلا عبر ربط تلك النقاط، فهل سعت موسكو إلى المواجهة ضمن رؤية تتطلع إلى تفكيك حلف الناتو وإضعاف أوروبا، أم سعت لأهداف أقل كاستعادة مكانة القوة العظمى التي ضاعت خلال حقبة غورباتشوف ويلتسين وحماية أمنها والحفاظ على مصالحها التجارية؟
والسؤال الآخر المهم يتعلق بما إذا كان الغرب ورط روسيا في سوريا عبر شراكة محدودة ضد الإسلام المتطرف، كما فعل في الحرب العالمية الثانية ضد النازيين، أم أن يتعاون مع بوتين الماكر أمر غير وارد؟
ماذا يقول كسينغر وتشرشل؟
والماكر الآخر هنري كيسنغر يقول إن التوسع يتوقف أحيانا عبر الزمن ليعود مرة أخرى، مثل الماء على الشواطئ، مضيفا أن الظروف من عهد بطرس الأكبر إلى عهد بوتين تغيرت، لكن الإيقاع ظل بشكل استثنائي كما هو. أما تشيرشل فله توصيف مختلف، يقول فيه إن الروس سيحاولون فتح أبواب غرف البيت جميعها وسيقتحمون ما يستطيعون منها، وحين يعجزون عن دخول إحدى الغرف ينسحبون بأدب ويدعون أصحابها إلى وليمة في مساء اليوم ذاته!
ولابد من التوضيح أنه باستثناء ساحل البلطيق الذي احتله بطرس الأكبر في القرن الثامن عشر، لظلت روسيا حبيسة اليابسة، لا تطل على بحار في معظم تاريخها. فالمياه في محيطها الشمالي ليست سوى المحيط المتجمد، وكذلك مياهها في حدودها الشرقية حيث يظل ذلك الجزء من المحيط الهادئ متجمدا معظم أيام السنة. وفي الجنوب هناك بحر قزوين المغلق، أما السواحل المطلة على البحر الأسود، فأشبه ما تكون بعنق زجاجة حيث إنها رهينة أوضاع مضيق البوسفور والدردنيل التركيين اللذين ظلا محروسين بشدة وغيرة أيام العثمانيين. لذلك لا نستغرب محاولات موسكو الدؤوبة للاستيلاء عليهما وعلى شبه جزيرة القرم، لكن المحاولات توقفت لصعوبتها، باستثناء ضم القرم مؤخرا.
ولا تعتمد روسيا حاليا من الناحية العسكرية، على المضائق التركية، كما في السابق ولكن رغم الثورة التكنولوجية وسلاح الطيران الروسي الهائل لم تزل تلك المضائق طيلة القرن العشرين حتى يومنا هذا عاملا مهما للساحل البحري الروسي.
النكسة الكبرى
وكان انهيار الاتحاد السوفياتي 1991 نكسة أكبر للروس من حرب القرم وركز المحللون على خسارة الامبراطورية السوفياتية مساحة واسعة من الأراضي إلى جانب الحريات التي حصلت عليها جمهوريات البلطيق السوفياتية وكذلك جمهوريات القوقاز، وبطبيعة الحال أوكرانيا ثاني أكبر جمهورية سوفياتية لكنهم لم يولوا الاهتمام اللازم لما خسرته روسيا أيضا من ممرات مائية وسواحل وموانئ وهو ما يؤثر بشكل سلبي جدا على البحرية الروسية.
غير أن حافظ الأسد والد بشار وقع اتفاقية تسمح لموسكو باستخدام ميناء طرطوس مقابل الحصول على أسلحة متطورة وهكذا تحول الميناء إلى مرفق لصيانة السفن الصغيرة في أسطول البحر الأسود الروسي.
وفي عام 2005 نجح بشار في جعل روسيا تشطب ثلاثة أرباع ديون سوريا العسكرية وتطوير ميناء طرطوس لاستيعاب سفن أكبر. وخسرت روسيا موانئ المياه الباردة في استونيا ولاتفيا وليتوانيا والتي احتلها بطرس الأكبر في القرن الثامن عشر لخدمة الأسطول الروسي في البلطيق.
ولم تخسر روسيا فقط ملكيتها للسواحل فقط، بل خسرت أيضا ميناء اوديسا التجاري، وكذلك ميناء سيفاستوفول البحري الثمين في المياه الدافئة، والذي ظل موطن الأسطول الروسي في البحر الأسود لأكثر من قرنين، لذا تضطر موسكو اليوم إلى استئجاره من أوكرانيا وأدى الانهيار الاقتصادي الذي أعقب ذلك إلى تفاقم الوضع، فقلة الموارد والحربان الدمويتان في الشيشان أجبرت الحكومة على تخفيض مخصصات أسطول البحر الأسود. ولكن لم يعد هناك وجود للسفن الروسية في البحر الأبيض المتوسط إلا نادرا. وبعد ذلك في 2004 اندلعت الثورتان الملونتان في أوكرانيا وجورجيا ليصل إلى زعامتهما رجلان مواليان للغرب وهما يوششنكو الاوكراني وساكاشفيلي الجيورجي اللذان أملا كدولتين وليدتين في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وربما إلى حلف الناتو والأسوأ للروس أن أوكرانيا الجديدة طلبت من روسيا مغادرة أسطولها لميناء سيفاستفوبول مع انتهاء عقد الإيجار عام 2017.
عظام كاترين تهتز
اهتزت عظام كاترين الثانية في قبرها وهي التي تحظى بالإعجاب الأكبر بين الحكام الروس بالنسبة لبوتين من بين آل رومانوف الحاكمين. ولا يحتاج المرء إلى التكهن بالنسبة لبوتين المستاء فمن يمكنه أن يتأكد ما ظن أن سفن الناتو لن تنتشر في الميناء الروسي السابق الرئيسي؟ قال بوتين لنفسه: أين ستذهب روسيا بعد فقدانها سيفاستوبول؟ خطر على باله ميناء نوفوروسيسك على البحر الأسود وان كان معدا كميناء تجاري.
وللرد على السؤال الكبير: لماذا السوريون تحالفوا مع الروس، نعود للعام 1970 عندما وقع حافظ الأسد والد دكتاتور سوريا الحالي اتفاقية تسمح لموسكو استخدام ميناء طرطوس مقابل بيعها أسلحة متطورة فتم تحويل ميناء الصيد الهادئ إلى منشأة لوجستية للصيانة لسفن أسطول البحر الأسود الصغيرة. وبعد عامين من ذلك التاريخ اشترك حافظ الطيار المتدرب في روسيا مع مصر في إعداد هجوم كبير على إسرائيل حليفة الولايات المتحدة من خلال استخدام أسلحة روسية والاستعانة بمستشارين روس.
الخديعة
ولا بد من الإشارة هنا إلى نقطة مهمة وهي أن طرد أنور السادات رئيس مصر المستشارين السوفيات في منتصف عام 1972 بسبب رفض «مدبر» من قبل موسكو لعدم تزويد السادات بالأسلحة اللازمة لمواجهة إسرائيل فهذه القصة ليست خيالية بل خدعة لتهدئة الإسرائيليين تمهيدا لحرب أكتوبر التي تسميها إسرائيل حرب الغفران والتي مازالت تعتبر في كتب التاريخ الانتصار العربي الوحيد ولو الجزئي على إسرائيل رغم أنه انتهى بصفقة لا غالب ولا مغلوب حفاظا على سمعة إسرائيل كدولة «لا تقهر». شجار السادات مع الروس كان مفتعلا ليشكل غطاء استراتيجيا لشن الحرب وهو ما نجح إلى حد كبير وعلى خلفية لجوء روسيا قبل انهيار الاتحاد السوفياتي وبعده لتغير أنظمة الجمهوريات السابقة كلما سعى قادتها إلى الميل إلى الغرب، سعى بشار الأسد في العام 2005 إلى استغلال الفرصة فزار موسكو ونجح في شطب ثلاثة أرباع الديون السورية من مبيعات الأسلحة، ما شكل قوة دافعة لتجديد التعاون العسكري الروسي السوري في تطوير ميناء طرطوس لاستقبال السفن الكبيرة.
قصة طرطوس
وفي سبتمبر 2008 وبعد عمليات عسكرية روسية ناجحة ضد الجورجيين والأوكرانيين وغيرهم ممن اتجهت عيونهم نحو واشنطن، احتل الروس ابخازيا ودمروا الأسطول الجورجي بالكامل، أما التطور الأهم وقتها بالنسبة لنا نحن فهو إعلان الكرملين في 12 من الشهر المذكور عن تسريع عمليات وتوسيع وإحياء ميناء طرطوس. ومما قد لا يذكره الكثيرون أن مجمل العقود التي تم توقيعها بين البلدين بلغت 19.4 بليون دولار ويتضمن التطوير إصلاح الأرصفة العائمة ومرافق البنى التحتية الساحلية. وعلى إثر ذلك نشرت البحرية الروسية أنظمة صواريخ ساحلية حيوية وصواريخ مضادة للسفن وقوارب بحرية، كما أقامت موسكو ثكنات عسكرية هناك. ووقتها قال جنرال روسي إن كل شيء تغير منذ الحرب على جورجيا، فما بدا مستحيلا صار ممكنا.. فأصدقاؤنا صاروا أعداءنا، وأعداؤنا صاروا أصدقاءنا.
دور القرم
وبعد إرساء الوضع في ميناء طرطوس جاء دور شبه جزيرة القرم فقد ظهر في أعقاب أحداث جورجيا أن بوتين سيضم القرم حالما تنضج الأوضاع خاصة أنه كان على قناعة أثبتت صحتها وهي أن واشنطن لن تتدخل، قياسا على تهاونها تجاه انتهاك موسكو لسيادة جورجيا، ثم تهاونها لاحقا تجاه التدخل العسكري الروسي في سوريا. وعلى خلفية مناطحات مهمة بين روسيا وكل من أوكرانيا وجورجيا مدت الروس بالكثير من المكاسب والقليل من الغضب الأميركي المحير، ظهرت مشكلة في طرطوس عام 2011 وهو العام الذي دخلت فيه سوريا دوامة من صراع دام لم يقتصر تهديده على الأصول الحربية الروسية، ذلك أن سوريا محور رئيسي في مجال الطاقة في الشرق الأوسط. وقد عبر المحرر الروسي اليكسي ساربييف عن خطورة الأمر بقوله إن أهم الأنابيب الآتية من الشمال والشرق من ميناء طرطوس الأمر الذي يضفي على الميناء خصوصية فريدة إلى جانب وقوعه إلى جانب بني ياس التي تحوي أهم مرافق تخزين النفط.
بشار يحتكر القرار
منذ ذلك الحين عبر بوتين عن دعمه لبشار الأسد خصوصا عندما قال إنه هو (بشار) الذي يقرر أي أنابيب تعبر سوريا، ثم أن سوريا ليست مجرد محطة عبور للغاز بل تحوي خزانات ضخمة للغاز، علما بأن عائدات روسيا من النفط والغاز تشكل 70 % من مجمل دخلها الخارجي. لكن شبكة الأنابيب الروسية التي كانت تعبر جورجيا وأذربيجان وأوكرانيا لم تعد متعاونة مع بوتين الذي فقدت بلاده منذ انهيار السوفيات كل تلك المعابر، لكن الوضع في سوريا: يختلف أو كان يختلف. ففي سوريا يحتكر بشار القرار ويحدد بشخصه دون حاجة إلى برلمان أو مشورة أحد أي أنابيب تعبر وأي أنابيب تحرم من العبور وهذا سبب إضافي يجعل بوتين داعما له ومعجبا به.
بوتين يعمل لصالح بشار
كان من شأن العلاقة القوية التي تجذرت بين بوتين وبشار أن تمكنت القيادة الروسية عام 2013 من إقناع أوباما بعدم شن عملية عسكرية كبير ضد بشار، كما أسهمت دروس وعبر النموذج الليبي من الثورات المتشابكة في دفع بوتين إلى التدخل العسكري المتفرد في سوريا. ويقول الخبراء الروس إن قصف الناتو لليبيا، أقنع موسكو بشكل متواصل برفض أي حل عسكري ضد الأسد، خاصة بعد أن علم الروس أنهم ضللوا عن عمد حين وافقت دول الأطلسي على قصف مكثف لليبيا بدعم أميركي. والكل يذكر أنه ثبت في أغسطس 2013 استخدام النظام السوري الأسلحة الكيماوية ضد جيب للثوار ما أدى إلى مقتل 1300 مدني. وكان واضحا أن بشار تجاوز الخط الأحمر الذي حدده أوباما بخصوص السلاح الكيماوي وفي أعقاب ذلك نشرت واشنطن 4 مدمرات مزودة بالصواريخ قرب الساحل السوري مهددة النظام في دمشق، غير أن الرئيس بوتين ظهر على الساحة بقوة وعرض نزع فتيل الأزمة بإخراج أسلحة الأسد الكيماوية وهو ما وافق عليه الرئيس الأميركي الذي وصفه العالم بالتخاذل وترك المعارضة السورية تحت رحمة بوتين وبشار. وقد ذهب بوتين وقتها إلى حد اتهام جهات معادية للأسد باستخدام الأسلحة الكيماوية وهو ادعاء أراد به أن يؤكد تحالفه مع بشار على الخير والشر، رغم أن الشر كان الغالب طوال الوقت.
استئجار طرطوس 50 عاماً
حتى ذلك الوقت كان الرئيس الروسي قد استثمر إلى أقصى الحد في استكمال جديد ميناء طرطوس حيث حصلت موسكو على عقد استئجار مدته خمسون سنه، وقد كانت تخطط أيضا لبناء خط بالأنابيب في سوريا ومع وجود قوات الولايات المتحدة قريبة منه، رأى عدم السماح بتغيير النظام في دمشق، على غرار إسقاط نظام طرابلس الغرب، لكن كان عليه أن يفهم بأن المواجهة المباشرة بين قواته البحرية والقوات الأميركية المتفوقة ليست خيارا ذكيا، وأكد هذا الأدميرال كومو ييديف رئيس اللجنة التشريعية الروسية لشؤون الدفاع، محذرا من أن القوات البحرية الروسية لن تتمكن من مواجهة القوات الأميركية في المتوسط.
غير أن بوتين راهن على تخوف أوباما من دخول حرب مباشرة مع الروس، ذلك إن السفن الروسية رغم قدمها مزودة بنظام صاروخي حديث وبطوربيدات نووية. فحشدت روسيا قواتها المسلحة وكذلك الحرس الثوري الإيراني فيما كانت الخارجية الروسية قلقة من أن يؤدي التدخل الأميركي في سوريا إلى نتائج كارثية.
ومرة أخرى تراجع أوباما عندما طير بوتين عبر جنرالاته معلومات تفيد بأنه إذا هاجمت قوات أميركية سوريا فسيغزو الروس البلطيق مدعيا أن نصف السكان في لاتفيا واستونيا سيستقبلون القوات الروسية بالزهور.
أوباما: إصرار على التخاذل
ثم عبر الاستفتاءات استرد بوتين شبه جزيرة القرم حيث يتحدث 60 % من السكان هناك وفي ابخازيا واوسيتيا الجنوبية اللغة الروسية. ولم يكن مهماً بالنسبة لبوتين أن يظهر في السابق كشيوعي ملحد ويبدو الآن خادما الدين المسيحي (الأورثوذكسية) ويعلق الصليب على صدره، فهذه سمة الساسة على كل حال.ولكن عندما قرر بوتين أن يغزو سوريا بطائرات السوخوي ثم بآلاف مؤلفة من الجنود، فعل ذلك أيضا في إجراء مفاجئ نفذ من خلاله تحديا أيضا لأوباما، بعد أن تبين للرئيس الروسي أنه لن يتدخل لوقفه عسكريا، وإنما سيصدر بعض البيانات المناهضة للسياسة الروسية. وكان لسان حال بوتين يقول: ليصدروا ما شاؤوا من بيانات، كالعرب، فطن من الورق لا يعيد الأسد للسلطة لدواعٍ أخلاقية أو إنسانية وإنما لعوامل مصلحية فقط. فالدولة التي أنفقت حوالي 20 مليار دولار على تطوير قاعدة طرطوس، ومليارات أخرى على قاعدة «حميميم» الجوية التي يجري توسيع مدارجها لاستيعاب القاذفات الروسية العملاقة وإجراء «أوفرهول» لبناها التحتية، لا تخطط للرحيل من سوريا كما أوحت موسكو في البداية.
منذ حافظ
عين الروس على طرطوس منذ عهد حافظ الأسد، وإن الحاجة إلى موانئ على حافة المياه الدافئة كالمتوسط، كانت تبرز بالتدريج بعد فقدان الروس معابرهم المائية الاستراتيجية بسبب تفكك الاتحاد السوفياتي وتحول جمهورياته الخمس عشرة إلى دول مستقلة.
ويبدو أن بوتين الذي أحس في السنوات الأخيرة بالحاجة الملحة لموانئ جديدة في إطار رؤيته الاستراتيجية للمستقبل وخاصة هاجسه المتمثل بحلف الناتو الجاثم على الحدود الروسية، وجد نفسه أمام قرار تاريخي ينبع من رغبته في تغيير مبادئ المنظومة الدولية التي رسمتها الولايات المتحدة، وتعيش بمقتضاها بقية العالم. المنظومة التي يسعى إليها بوتين هي تلك التي تشمل رؤوسا متعددة لا رأساً واحداً يتحكم بالجميع وهو الرأس الأميركي. ولكن لنكن واضحين. لقد أدى تهور بوتين المرعب خلال سنوات الموت والدمار السوري الذي أشعل بشار الدكتاتور المستبد الخالي من المشاعر الإنسانية شرارته في صدور أبناء درعا المناضلة في عام 2011.