«كأس العالم مناسبة نظهر فيها.. من نحن، ليس فقط لناحية قوة اقتصادنا ومؤسساتنا، بل أيضاً على مستوى هويتنا الحضارية، هذا امتحان كبير لدولة بحجم قطر، التي تثير إعجاب العالم أجمع بما حققته وتحققه. لقد قبلنا هذا التحدي إيماناً بقدرتنا، نحن القطريين، على التصدي للمهمة وإنجاحها، وإدراكاً منا لأهمية استضافة حدث كبير مثل كأس العالم في الوطن العربي».

بهذه العبارات التي تحمل الكثير من الرسائل والدلالات، وضع حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، الجميع في دائرة التحدي والاستعداد والتأهب، وحدد سموه خريطة طريق، موضحاً المطلوب في هذه الفرصة التاريخية، ليكتشف العالم قدرات قطر والعرب في التنظيم وعاداتهم وتقاليدهم في الترحيب، ووعيهم وحرصهم على احترام الجميع بمختلف أطيافهم.. وتنوع ثقافاتهم.

لطالما أكد صاحب السمو أن بطولة «كأس العالم 2022» في دولة قطر هي بطولة لكل العرب، وبدا ذلك منذ لحظة الإعلان عن فوزها بشرف تنظيم هذه البطولة قبل 12 عاما وتحديداً مساء الثاني من ديسمبر 2010، إذ ما زال الجميع يذكر وصف صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، لهذا الفوز التاريخي بأنه «يوم من أيام العرب».

ما زلت أذكر تلك اللحظة التاريخية، وأعيش تفاصيلها، عندما خرجت الحشود الجماهيرية إلى عدة أماكن في الدوحة والمدن القطرية الأخرى، للتعبير عن فرحتها بالفوز باستضافة المونديال، من «سوق واقف» إلى «أسباير» مرورا بالكورنيش، مبتهجين ومحتفلين وموثقين لهذه اللقطات التي لا تنسى كما شاركتهم جموع غفيرة خرجت في معظم العواصم والمدن العربية.

وسبب الفرحة العارمة في تلك الليلة، هي أن المواطن العربي يشعر بالظلم والانتقاص من قدراته، لأن صورته أمام العالم، مثقلة بالأحكام المسبقة والأفكار النمطية، فوجد نفسه أمام فرصة نادرة للاعتراف بطموحاته وإمكانياته وثقافته الغنية الحقيقية القائمة في جوهرها على التسامح، واحترام الآخر، وبدا أن الفرصة قد لاحت أمامه أخيرا لتقديم الوجه المشرق الذي لطالما تم تجاهله والتعتيم عليه.

كانت تلك النظرة العنصرية البغيضة إشارة البدء لحملة سوف تستمر من «2010» وحتى اللحظة الراهنة قبل أسبوع واحد فقط من انطلاق نهائيات «كأس العالم FIFA قطر 2022»، وخلال هذه السنوات أخذت أشكالا وصورا مختلفة، ودخلت فيها عوامل لا تخفى على أحد، من أجل حرمان قطر والعرب من شرف استضافة هذه البطولة، ومن الفرصة التي لاحت لتقديم ثقافة مختلفة لم يألفوها، بسبب دعاية طويلة حاولت ترسيخ صورة نمطية مغايرة لكل الحقائق.

كلما ارتسمت معالم النجاح في قطر أكثر فأكثر، ازدادت الحملة شراسة وتطرفا، تحت مزاعم ولافتات وشعارات مختلفة، بدأت بحقوق العمال، كما نعرف جميعا، لكن قطر نجحت في تقديم صورة مختلفة عبر إصلاحات قانونية وتشريعية جعلت حياتهم وعملهم في قطر مثالا يحتذى على الصعيد العالمي باعتراف منظمات حقوق الإنسان والنقابات العمالية الدولية التي أثنت، دون مواربة، على ما تحقق.

العمال متعايشون معنا منذ عقود، وعملوا بأعداد ضخمة في قطاع النفط والغاز وغيرها منذ سنوات طويلة، وعاملتهم الدولة والشعب بأحكام الإسلام وأخلاق العرب التي نعرفها ونتوارثها جيلاً بعد جيل، قبل ظهور قوانين العمل ولجان حقوق الإنسان، ولم تنقل عنّا هذه العمالة إلا كل خير وسمعة طيبة نتيجة الرعاية وحسن التعامل، كما لم تهتم أطراف الحملة المعادية لكأس العالم في قطر لأمورهم وشؤونهم طوال عقود من الزمن.. مما يؤكد ولا يدع مجالا للشك أن المقصود في هذا الهجوم الممنهج هو قطر والعرب، عبر قضايا مقحمة لا علاقة للحقوق الإنسان أو العمال بها، بهدف التشويش والتشويه المتعمد للبطولة والبلد المنظم، وبدعم وتمويل وتخطيط من جهات مريضة نفسياً.. وزادت عقدها وآلامها وصراخها مع اقتراب صافرة البداية، التعامل المناسب معها هو عدم الالتفات لها، ونجاح التنظيم والتفاعل الجماهيري والإعلامي سيمسح كل هذا الهراء ومن يقف خلفه، وسيندم كل من وضع يده فيها بعد أن يرى حماقاته ترتد عليه، فالبطولة بتاريخها وعراقتها وزخمها أكبر من الأصوات النشاز التي تظهر هنا أو هناك من «غريب أو قريب» وستمضي إلى نجاح غير مسبوق بإذن الله.

ويكفينا شهادات الجهات الرسمية مثل الفيفا وحقوق الإنسان والعمال، فهم يتحدثون من أرض الواقع ومن زيارات ميدانية، أما من ينعقون في الظلام، فكلامهم لا نعده سوى خزعبلات نطأ عليها بأقدامنا لترتفع هاماتنا.

لقد بلغ عدد المتصلين بالإنترنت هذا العام أكثر من «4.88» مليار إنسان، في حين وصل عدد مستخدمي تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي إلى أكثر من «3.19» مليار، ما يعكس الأهمية الكبيرة التي باتت تحظى بها في حياتنا اليومية، ومع ذلك فإن الكثير مما يتم نشره غير صحيح، إما بحسن نية، أو بصورة مقصودة، تنم عن سوء نية، سواء عبر اجتزاء المعلومات على طريقة «لا تقربوا الصلاة»، أو عبر فبركتها بالكامل.

خلال جائحة «كوفيد - 19» أزالت منصة «فيسبوك»، ملايين المنشورات التي تحتوي على معلومات خاطئة عن اللقاحات، كما أزالت منصة «تويتر» عشرات آلاف التغريدات المتعلقة بالفيروس بسبب عدم صحتها، والأمر ينطبق على بقية منصات التواصل الاجتماعي، الشهيرة والأقل شهرة، والتي يتجاوز عددها الـ«20» موقعا، وللأسف فإن كثيرين يتعاملون مع ما ينشر على أنه حقائق نهائية، وهذا أمر مضلل للغاية.

تبدو قطر اليوم بأبهى حلة، وهذا التغير الرائع هو نتيجة إنفاق المليارات على البنية التحتية التي ستغير نمط حياة الجميع إلى الأفضل، ويبقى أن تتغير طريقة التعاطي مع مواقع التواصل، بحيث يتم تحري الدقة باعتبارها من أهم شروط النشر، وكسب احترام وتقدير المتابعين.

في بداية هذا العام أصدرت اللجنة العليا للمشاريع والإرث والاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، تقريرا يستعرض الإنجازات على صعيد مراعاة جوانب الاستدامة خلال الاستعدادات المتواصلة لاستضافة بطولة «كأس العالم FIFA قطر 2022»، في سياق الأهمية التي تحتلها الاستدامة في التحضير لتنظيم المونديال منذ البداية، وانطلاقًا من إمكانية أن يترك الإعداد للأحداث الرياضية الكبرى إرثا مستداما يتمثل في بيئة أفضل، وعالما أكثر إنصافا للأجيال المقبلة، عبر تنفيذ «79» مبادرة، في أول استراتيجية للاستدامة في تاريخ كأس العالم يجري التخطيط لها وإعدادها بشكل مشترك بين «فيفا» والبلد المضيف، وتحدد أهداف الاستدامة المشتركة والمبادرات المرتبطة بها في سبيل معالجة قضايا الاستدامة الرئيسية المحددة للبطولة، والتي تقوم على خمس ركائز هي: البشرية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية والحوكمة، على أن يؤدي تنفيذ هذه الاستراتيجية إلى بناء إرث مستدام، سيبقى أثره لسنوات طويلة بعد إسدال الستار على منافسات المونديال.

أسبوع واحد، وتنطلق نهائيات «كأس العالم FIFA قطر 2022»، ليشهد العالم بأسره بطولة ستبقى في ذاكرة الرياضة عامة، وكرة القدم خاصة، باعتبارها قصة نجاح سوف تلهم الكثيرين طويلا.

قبل نحو «12» سنة، بدأ الحلم، واليوم تحولت قطر بأسرها إلى جوهرة حقيقية تشع بألوان الإنجاز المبهر الذي وعدت العالم بتحقيقه عندما قبلت التحدي، وتجاوزت شروطه بأشواط.

اليوم نحتفل جميعا بإنجاز سوف يشكل إرثا لأجيال، في قطر، وفي العالمين العربي والإسلامي، ونحن على يقين بأن هذه البطولة لن تكون الأنجح فحسب، لكنها أيضا سترد على كل الحملات المضللة والعنصرية التي استخدمت كل أسلحة الشر والبهتان للنيل من قطر والعرب جميعا، و«الوطن » وهي تحتفي باقتراب اللحظة الحاسمة، تضع بين أيدي قرائها إصدارها الخاص بهذه المناسبة، الذي سيواكب المونديال لحظة بلحظة، عبر الأخبار والتقارير والتحليلات لأهم حدث رياضي على الإطلاق، وفي جعبتها الكثير، الذي سيلقي الضوء على كافة جوانب بطولة «كأس العالم FIFA قطر 2022»، التي ستصبح من الآن فصاعدا مقياسا للنجاح في العالم بأسره.