+ A
A -
محمد حربي صحفي وكاتب مصري

استدعى حق النقض «الفيتو»؛ الذي تتخذه الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي، إعادة النظر في استخدام هذا الحق، وجعله أكثر اتساقا، وتماشياً، مع منطق الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. وقد استنكر مجلس جامعة الدول العربية، على مستوى المندوبين الدائمين، في دورته غير العادية، بتاريخ 24 أبريل الجاري، موقف الولايات المتحدة الأميركية - التي تتبنى حل الدولتين -، في نقض مشروع قرار طرحته الجزائر، على مجلس الأمن بنيويورك، يوم 18 أبريل الجاري؛ والذي يطالب بمنح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة. وكذلك دعا مجلس الجامعة العربية، جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة؛ التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين، إلى سرعة الاعتراف بها، من أجل إنفاذ فرص السلام، وتحقيق الأمن، والاستقرار في المنطقة، والعالم. وكأن الإشكالية الفلسطينية تكمن في عدم كفاية 140 دولة مؤيدة، من أصل 193 دولة عضو بالأمم المتحدة، لتحقيق النصاب لفلسطين لشغل المقعد 194 بالمنظمة الأممية؛ بينما الحقيقة الوحيدة، هي حالة الفشل، التي أصابت مجلس الأمن الدولي؛ حتى أصبح مثل التلميذ الخائب؛ والذي استنفذ مرات الرسوب !

ويخطئ، من يظن أن الفلسطينيين؛ تفاجؤوا بخيبة الأمل، وتحطم أحلامهم على صخرة «الفيتو» الأميركي، في الحصول على دولة كاملة العضوية بالأمم المتحدة؛ على الرغم من تأييد 13 دولة، بينهم ثلاث دول دائمة العضوية، بعد امتناع بريطانيا عن التصويت. فالفلسطينيون، الذين أخفقوا في تمرير عضويتهم الأممية، عبر مجلس الأمن الدولي (عام 2011م)، أعادوا الكَرة بعد 13 عاما؛ وهم يعلمون أنهم سوف يعودون من نيويورك بِخُفَّيْ حُنَيْنٍ! وكل ما حصلت عليه فلسطين، وبموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 67/‏19، في 17 ديسمبر(عام 2012م)، هي صفة «مراقب» -المسموح به من القوى العظمى-؛ لتتساوى في هذه الصفة مع دولة مدينة «الفاتيكان» – مساحتها 49 كلم2، وعدد سكانها 850 نسمة تقريباً، وتقع بقلب مدينة روما الايطالية.

ولأكثر من نصف قرن، دَأَبَ الفلسطينيون، على طرق أبواب الأمم المتحدة؛ التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية، ومَنحتها مركز «المراقب»، في 22 نوفمبر (عام 1974م)، وسمحت لها بالمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكافة منابرها. وعلى الرغم من شبه الإجماع الدولي، المساند للحق الفلسطيني، في الحصول على المقعد رقم 194 بالأمم المتحدة، واللحاق بدولة الجبل الأسود -آخر من انضم وحصلت على المقعد 193 في (2006م)-؛ إلا أن طائر أحلام الفلسطينيين، لن يكن قادراً على عبور أسوار «الفيتو» الأميركي؛ طالما ظلت الفقرة 2 من المادة الرابعة، بميثاق الأمم المتحدة، تنص على:«قبول أية دولة... في عضوية الأمم المتحدة يتم... بناء على توصية مجلس الأمن».

ومما يعجب له المرء! أن منظمة الأمم المتحدة؛ ومنذ تأسست (عام 1945م)، كان هدفها منع الحروب، والمحافظة على السلم والأمن الدوليين، وإزالة الأخطار التي تهدد السلام، ومنح حق تقرير المصير للشعوب. وهذه كلها مبادئ سامية، ولا خلاف عليها؛ إلا أنه يبقى إجماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، غير كاف بمفرده، وخاصة في شأن عضوية الدول بالمنظمة الأممية، المرهون بقرار مجلس الأمن الدولي؛ والذي تُسيره الدول الخمس، دائمة العضوية -وفقاً لحساباتها-.

وعلى ما يبدو، أنه لا توجد قوى دولية قادرة على تحمل تبعات تفكيك بنية الأمم المتحدة، وإحلال منظومة جديدة على أنقاضها. ولهذا جرت محاولات لعملية ترقيع مجلس الأمن الدولي، وأولها (عام 1965م)، بزيادة عدد الأعضاء (من 11 إلى 15). ولم يكن هذا بطيب خاطر من الدول دائمة العضوية؛ ولكن فرضته ظروف ولادة دول مستقلة مع نهاية الحقبة الاستعمارية. وبجانب هذا، الحراك المؤثر لدول عدم الانحياز، والتي شكلت قوة ضغط آنذاك، دفعت في اتجاه عملية توسيع العضوية بمجلس الأمن، دون المسّ بعدد الأعضاء الخمسة، أصحاب حق «النقض». ومع سقوط الاتحاد السوفياتي، وانتهاء الحرب الباردة، شرعت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نهاية (عام 1992م)، بإنشاء مجموعة عمل، لبحث إصلاح مجلس الأمن. وكذلك تقدمت فرنسا (عام 2013م)، بمبادرة للتوصل لاتفاق جماعي، وطوعي بين الدول دائمة العضوية، للامتناع عن استعمال «الفيتو» في جرائم الإبادة الجماعية.

ولم يَسلم مجلس الأمن الدولي، والدول دائمة العضوية «الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين وبريطانيا»، من هجوم الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ بعد تأثير المصالح المتضاربة، في الحد من فعالية مجلس الأمن. ومن أشد المنتقدين للدول المتمتعة بحق «الفيتو»، هو الدبلوماسي التركي فولكان بوزكير؛ الذي قال خلال ترأسه الدورة 75 للجمعية العامة للأمم المتحدة، في (عام 2020م): «إن المجلس فشل في مناسبات عدة في تحمل مسؤوليته في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين»، وحتى «في بعض الأزمات الإنسانية الأكثر إلحاحا». وكذلك، لقد شهد شاهد من أهلها، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومع أن بلاده واحدة من الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي؛ إلا أنه انضم لصفوف المنتقدين، وقال في إحدى مقابلاته الصحفية مع مجلة «لو غران كونتينان»: «إن المجلس لم يعد ينتج حلولا مفيدة».

ولقد كشفت القضية الفلسطينية، عن الحاجة الملحة والضرورية لإصلاح مجلس الأمن الدولي، بعد الاستخدام المفرط، والاستغلال السيئ من الدول دائمة العضوية، لحق النقض «الفيتو»، في غير ما أراد له واضعو ميثاق الأمم المتحدة (عام 1945م)[email protected]

copy short url   نسخ
29/04/2024
20