الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، يحب الاختلاط بالآخرين ومشاركتهم الحياة. لهذا قامت الحضارات والمجتمعات تجسيداً لهذه الحاجة الأصيلة، فأصبح وجود الناس في حياتنا حقيقة يومية ثابتة، سواء على الصعيد الشخصي أو المهني.

وخلال حياتك كلها لا بد أن تنشئ علاقات حب أو صداقة مع بعض من تصادفهم، لكن ليست كل العلاقات صحية إذا صح التعبير. حيث يشير الواقع إلى أن أغلبنا يخفقون في اختيار أحبتهم أو رفقائهم، ليجدوا أنفسهم محاطين بأناس يضرونهم أكثر مما ينفعونهم.

أن تمتلك حرية اختيار الأحبة والأصدقاء شيء، وأن تحسن الاختيار شيء آخر تماماً. فلا أسهل من الدخول في علاقة تستنزف طاقتك وتضيع وقتك دون طائل، وكم من أمثلة حية على من كان أحبتهم أو أصدقاؤهم نقمة على حياتهم، بدلاً من أن يكونوا سنداً لهم.

بيد أن المشكلة التي تواجه الكثيرين هي أنهم يستيقظون بعد فوات الأوان أحياناً، أي بعد أن يجرهم المقربون إلى القاع سنين طويلة، أو لا يعرفون كيف يقومون بوضع حد لعلاقة تسيء لهم لأنها دامت زمناً مديداً. فليس من السهولة بمكان أن تنأى بنفسك عن صديق قضيت معه طفولتك وصولاً إلى مرحلة الشباب أو تغادر شخصاً أحببته لفترة طويلة.

لكن توقف قليلاً وفكر جيداً، ما الغاية من وجودك مع أشخاص لا تعنيهم آراؤك في الحياة ولا أحلامك وتطلعاتك؟! ما الفائدة التي ترجى من صديق لا يمت للصداقة بصلة، حيث يقضي وقته معك في بث السلبيات وتحطيم معنوياتك وحتى السخرية من أفكارك وأمانيك بحجة أنها غير قابلة للتحقق؟! ما الغرض الذي تحققه برفقة من يمتصون طاقتك النفسية والجسدية لتعود إلى بيتك بعد اجتماعك بهم وأنت تعب فاقد للأمل؟!

إن حياتك ملكك، وأنت مسؤول عنها لا أحد سواك. فإذا كنت في علاقة حب أو صداقة مع شخص لا يكترث لحضورك، ولا يضيف إلى وجودك معنى، ولا يساندك ويدعم طريقك نحو تحقيق ما عقدت العزم عليه، فلا تتردد في الرحيل عنه.

أن تخسر شخصاً يسيء إليك بسلبيته وعدم اهتمامه بك وبمشاعرك، خير ألف مرة من أن تخسر ذاتك باسم الصداقة أو الحب المفرّغين من المعنى. لا وجود لحب حقيقي ولا لصداقة عميقة من دون أن يكون الطرفان داعمين ومكمّلين لبعضهما البعض.

الإنسان الذي يحفزك ويهتم لسماع آرائك، ويحب أن يشاركك لحظات الحياة بحلوها ومرها، ويدعمك إذا احتجت إلى مساعدة، ولا يبخل عليك بنصيحة إن احتجته، هو من يستحق منك البقاء معه.

أما من يزرع فيك الشك والقلق، ويحيل الحياة في نظرك إلى جحيم، ويحبط عزيمتك، ويكسر إرادتك الحرة، وفي النهاية لا يكترث لأمرك، فهو ليس جديراً بك، ولست مضطراً للبقاء معه، بل يتوجب عليك أن تغادره مسرعاً.

ولتعلم أنك ولدت حرّاً، وبالتالي فلك الحق كله في اختيار من تحب ومن تصادق، في البقاء أو الرحيل، وفي اختيار من تجعله جزءاً من حياتك. فلا تترد يوماً عن النأي بنفسك عمن يبعدك عن ذاتك الحقيقية، ويحاول إطفاء شعلة الأمل بداخلك، ويزعزع عن قصد أو دون قصد ثقتك بنفسك، ويزيد مشكلاتك عمقاً، ويصور لك العالم وكأن نهايته قد حانت.

غادر السلبيين دائمي الشكوى، وقل وداعاً للنرجسيين الذي لا يرون أحداً في الكون غير أنفسهم، وابتعد عن ذوي الطباع الصعبة الذين يصعب التعامل معهم، ولا تجعل من ذكريات الماضي هاجساً يؤرق حاضرك، بل أكمل طريقك دون التفات إلى الماضي، وأحط نفسك بالأشخاص الإيجابيين الناجحين الداعمين، الذين يثيرون حماستك، ويدفعونك لتقديم الأفضل، ويخرجون أحسن ما فيك من طاقات وإمكانيات، ويقفون إلى جانبك كلما احتجتهم.