لا تزال الإيجابية التي تحدث عنها رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون هي المسيطرة على الأجواء الحكومية. وعلى الرغم من أنه لم يتسرّب حتى الآن، من مطبخ التأليف أكثر من مجرد روائح تفوح بالإيجابيات وتفرط بالتفاؤل بولادة وشيكة للحكومة العتيدة، من دون اتضاح الأسس التي سترتكز عليها عملية مطابقة حساب الحقل الاختصاصي مع حسابات البيدر السياسي.
ويبدو أن الساعات الثماني والأربعين الأخيرة بدأت تشهد بلورة قوية لترابط نشأ بين مسألة المداورة في تولي الحقائب الوزارية، ولا سيما منها الحقائب السيادية والخدماتية وتمثيل المسيحيين في الحكومة العتيدة في ظل حصر التفاوض حول هاتين النقطتين الشائكتين بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية، الأمر الذي يوحي بأن الحل أو التعقيد في هذه المفاوضات سيغدو في يد الرئيس عون تحديداً. واذا كان قرار الحريري واضحا لجهة التزام التشاور مع الرئيس عون في كل ما يتصل بالحقائب والوزراء المسيحيين، فإن الأمر سينشئ إرباكات ومحاذير بدأت تثير من الآن انتقادات ومواقف سلبية للقوى المسيحية باعتبار ان أي توافق بين عون والحريري سيؤدي إلى احتكار عون وعبره تياره الحصة الوزارية المسيحية، وفي حال التعقيد والعرقلة ستنشأ مشكلة محتملة بين الرئيسين من شأنها وضع عملية التأليف برمتها على كف الاهتزاز.
الاتصالات مستمرة
ونقلت صحيفة «اللواء» اللبنانية عن مصادر سياسية مطلعة أن «الملف الحكومي» يخضع للمزيد من الاتصالات البعيدة عن الأضواء والضجيج الإعلامي وأشارت إلى أن هناك بعض النقاط التي يعمل على معالجتها وكل خطوة في ذلك تبحث بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف، ولذلك فإن لقاء آخر مرتقبا بينهما قد يكون الأخير قبيل إعلان ولادة الحكومة أو الحاسم في هذا المجال.
ولفتت المصادر إلى أن موضوع توزيع الحقائب غير نهائي بعد ويجري العمل على ترتيبه. وفهم أن القرار المتخذ بتسهيل ولادة الحكومة يساهم في معالجة أي عقدة.
وأفادت أن موضوع تسمية الوزراء المسيحيين في الحكومة لن يشكل مشكلة.
وأوضحت أنه بالنسبة إلى المداورة فهي نقطة تنتظر الحسم وسط بروز مقاربتين إحداهما تقول أن لا مداورة كاملة في الحقائب وأخرى تشير إلى أن الحقائب الأساسية قد تشهد مداورة باستثناء وزارة المال، لكنها في المقابل تحدثت عن إمكانية قلب جميع الأمور من أجل ضمان ولادة الحكومة سريعا، ولكن وزارة المالية تبقى خارج البحث.
وذكرت «اللواء» نقلا عن مصدر نيابي على صلة بحزب الله، ان الحكومة العتيدة، لا يمكن ان تكون الا على صورة الحكومة التي كان يرأسها الرئيس الحريري قبل الاستقالة، مع تغليب الطابع التقني والاختصاصي على الوزارات السيادية والخدماتية.
أما ما يتصل بمسألة التسميات الوزارية، فتشير الأوساط المواكبة إلى أنّ الحريري لا يزال يصرّ على عدم العودة إلى صيغة «تسليم» القوى السياسية أسماء وزرائها لإسقاطها على مراسيم التأليف، معربةً عن اعتقادها بأنّ تسمية الوزراء ستخلص إلى إنتاج ما يشبه «الشراكة» بين الرئيس المكلف ومختلف القوى المشاركة في الحكومة لاختيار شخصيات محسوبة «إسمياً لا تنظيمياً» على الأحزاب والكتل، مع إشارتها إلى أنّ «الاتجاه حتى الساعة هو نحو تغليب عقلية تدوير الزوايا في مسألتي المداورة والتسميات على ما عداها من نزعات تعطيلية وكيدية».
عقدة المداورة
وبإزاء طرح موضوع المداورة في اللقاء الأخير بين عون والحريري الأحد الماضي في قصر بعبدا، وبعد استثناء حقيبة المال التي ستبقى من حصة الشيعة، بدت هذه المسألة مرشحة لتعكير الإيجابيات التي حكي عنها في اليومين الماضيين، ولو ان الأوساط المتصلة بالرؤساء والمعنيين لا تزال تشير إلى ان مناخات الإيجابيات لم تتراجع. وتقول هذه الأوساط ان المشاورات تجري حاليا حول مجمل هيكلية الحكومة العتيدة بما يعني الخوض تفصيليا في شكل الحكومة وعدد وزرائها وتوزيع الحقائب فيها ونوعية الوزراء ومعايير تعيينهم. وفهم في هذا السياق ان عدد الوزراء لم يحسم نهائيا بعد وان كان الاتجاه الغالب هو إلى حكومة ما بين 20 و24 وزيرا وان الحريري حريص للغاية على عدم حصول أي تعقيد يتصل بالتمثيل المسيحي والحقائب التي ستسند إلى المسيحيين، وان هذا الأمر سيعالج بروية مع الرئيس عون. كما ان الأوساط تؤكد ان الحكومة لن تضم وزراء سياسيين بل اختصاصيين من ذوي الخبرات الذين توافق عليهم القوى السياسية.
وتحدثت معلومات مساء أمس الأول عن إشكالية جديدة نشأت حول حقيبة الصحة التي يطالب بها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في حين يتشدد «حزب الله» برفضه التخلي عنها ويريدها من حصته. ناهيك عن ان الفريق الجنبلاطي قد لا يحصل الا على حقيبة واحدة لان النائب طلال أرسلان يطالب بحقيبة أخرى لكتلته مع انه قاطع استشارات التكليف ورفض عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة.
وفيما يكثف الحريري مشاوراته بعيدا من الأضواء ولا سيما مع الرئيسين عون ونبيه بري، يبدو في حكم المستبعد ان ينتهي مخاض تأليف الحكومة هذا الأسبوع خصوصا وان نقاطا أساسية لم تحسم بعد ولا يبدو حسمها وشيكا ومنها موضوع المداورة وتوزيع الحقائب بين القوى الأساسية.
العقدة المسيحية
وإذا كان الثنائي الشيعي قد حُلّت عقدته «المالية» وفق الصيغة التي اعتمدت أيام تكليف مصطفى أديب ولا تزال مفاعيلها سارية حتى اليوم، فإنّ الأوساط المواكبة للملف الحكومي تؤكد، كما قالت صحيفة «نداء الوطن» أنّ «إبصار الحكومة النور في وقت قريب مرهون بعبورها بنجاح «معمودية» الحصة المسيحية التي باتت عملياً العقبة الجدية الأخيرة أمام استيلاد التشكيلة المرتقبة»، موضحةً أنّ «الرهان راهناً هو على أن تستمر أجواء التوافق مخيمة على المشاورات الجارية بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف، خصوصاً وأنّ الأسبوع الحالي سيشكّل منعطفاً مفصلياً في مسار الأمور مع تبلور طرح الحريري لخارطة التوزيع الطائفي للحقائب الوزارية، بما سيؤدي تلقائياً إلى اتضاح التصوّر العوني للحصة المسيحية في الحكومة، وتبيان هل سيشكل هذا التصوّر عنصراً مسهّلاً أو مفرملاً لاندفاعة الحريري، باعتبار أنّ حسم حصة رئيس الجمهورية كمًّا ونوعاً في التشكيلة الحكومية سيكون بمثابة مفتاح حل وربط في حصص القوى المسيحية الأخرى المشاركة فيها».
وفي هذا السياق، تداولت مصادر سياسية خلال الساعات الأخيرة معطيات تتحدث عن إمكانية أن يصطدم الحريري بطلب عون حصة وزارية من 7 اختصاصيين بالأصالة عن رئاسة الجمهورية وبالنيابة عن «التيار الوطني الحر»، الأمر الذي قد ينتج عنه استحواذ عون ومن ورائه رئيس التيار جبران باسيل على «الثلث + واحد» ضمن حكومة عشرينية، ما قد يضع الرئيس المكلف أمام خيار من اثنين إما رفض طلب رئيس الجمهورية أو إعادة توسعة الحكومة لتكون مؤلفة من 22 وزيراً على سبيل المثال».
في المقابل، لاحظت أوساط سياسية معنية بالملف الحكومي، كما نقلت صحيفة «النهار» تركيز البعض على ما وصف بالعقدة المسيحية في حين انه لا وجود فعليا لهذه العقدة من الناحية الطائفية ولن يكون واردا ان يسمح الرئيس الحريري باي مزايدات عليه في هذا السياق. وأكدت ان المواقف السياسية المبدئية من الحكومة شيء والمزايدات التي يراد لها ان تلصق بالرئيس الحريري اتهامات غير موضوعية شيء أخر، ولذا لن يطول الوقت ليدرك الجميع ان الرئيس المكلف يتخذ نهجا وطنيا شموليا حيال جميع الطوائف والفئات والأحزاب في مسار تشكيل الحكومة بما لا يبقي مجالا لاي مزايدات.
ووفقاً لمعلومات «اللواء» فإن «خلافات صامتة» ما تزال قيد المعالجة لا سيما في ما خص وزارات الخدمات.. كالصحة والاشغال، بعدما باتت الوزارات التي تسمى «سيادية» في عهدة رؤساء الكتل والطوائف الكبرى، المتحكمة بمسارات التكليف والتأليف.
ويزور الرئيس المكلف قصر بعبدا، ومعه تُصوّر لتوزيع الحقائب على الطوائف، ضمن توجه بمداورة ممكنة، ولو على صعيد الوزارات الخدماتية.
موعد الحكومة قريب
في أي حال تفاوتت التقديرات حيال الموعد المحتمل للولادة الحكومية هذا الأسبوع أو اكثر والتي تبقى رهن نتائج المساعي التي يبذلها الرئيس الحريري في الأيام المقبلة التي تكتسب طابعا مفصليا لا يفترض معه ان تطول فترة التأليف اكثر من أيام بعدما حصرت النقاط الأساسية التي ستنطلق منها عملية استكمال التشكيل.
وقال مصدر مطلع لـ«اللواء»: «أن الأجواء جيدة، لكن من غير الممكن التكهن بموعد صدور المراسيم، وإن بدا ان ثمة حرصاً رئاسياً، على ولادة الحكومة قبل نهاية الشهر الجاري أي يوم السبت المقبل، أو بداية الأسبوع الأوّل من نوفمبر»
وكتبت صحيفة «الأنباء» من جانبها: «لم تعد جرعات الأمل وحدها تكفي اللبنانيين بعد كلّ السمّ الذي تجرّعوه على مدى سنوات، فقد باتوا يخشون التفاؤل كي لا ينصدموا لاحقاً بواقع سيّئ. وإذا كانت بورصة التأليف توحي بأن ولادة عاجلة للحكومة العتيدة، إلا أن الخيبات الكثيرة التي تكررت طوال مسيرة تشكيل الحكومات في لبنان لا تسمح بتصديق تسريبات الغرف المغلقة إلى أن تصبح واقعاً».
وقد أشارت مصادر متابعة عبر «الأنباء» إلى أن الخلاف الحالي على توزيع الحقائب فرمل اندفاعة الرئيس المكلّف سعد الحريري، وهو ما جعله أكثر تكتّماً عما يواجهه من عقبات حتى يتمكن من حلّها.
المصادر أبلغت «الأنباء» أن «الحريري الذي سلّم باعطاء وزارة المال للثنائي لمرة واحدة على أن تسري المداورة على كل الحقائب بما فيها الداخلية والخارجية والطاقة والصحة، تفاجأ بإصرار حزب الله أن تبقى وزارة الصحة من حصته، أي أن الثنائي متمسك بالمالية والصحة ما جعل رئيس الجمهورية ميشال عون يتمسك بالخارجية والطاقة، مقابل ابقاء الداخلية لتيار المستقبل، ما يعني استحالة تطبيق المداورة في الحقائب».
لكن المصادر شددت على أن «الحريري لن يستسلم»؛ معتبرة أن «إحراز أي تقدم في مسار التأليف بات يستند إلى صدقية النوايا الحسنة التي سادت في اليومين الماضيين»، لافتة إلى ان جلّ ما اتفق عليه هو ان تكون «الحكومة عشرينية».
وعلى الرغم من ذلك، فإن أجواء بعبدا ما زالت مرتاحة لمقاربة الملف الحكومي، كما علمت «الأنباء»، وللطريقة التي يعتمدها الرئيس الحريري، معتبرة أن عملية المداورة في الحقائب ممكن تخطيها ولن تقف عائقًا في مسار التأليف.
مصادر بيت الوسط أشارت عبر «الأنباء» إلى ان العمل جار على إنجاز الحكومة بأقصى سرعة، وأن الحريري يعمل على تحقيق المداورة الشاملة في الحقائب من دون استثناء، وأن اعطاء المالية للثنائي لمرة واحدة سيكون من ضمن هذه المداورة.
المصادر أكدت ان الحكومة قد تُشكّل هذا الأسبوع وأن عدد الوزراء اتفق على أن يكون 20 وزيراً.
من جهتها، مصادر الثنائي الشيعي أكدت لجريدة «الأنباء» ان حقيبة المال اصبحت خارج التداول، وأن الحكومة قد تشكل هذا الأسبوع أو الأسبوع المقبل، لكنها خالفت مصادر «المستقبل» لافتة إلى ان عدد الوزراء قد يصل إلى 24.
مصادر التيار الوطني الحر وصفت الأجواء بالايجابية، ونفت وجود خلافات تتعلق بالمداورة، كما انها لا تمانع اعطاء المالية للثنائي، مشددة على تشكيل حكومة تكنوسياسية.
من جهة ثانية، اكدت مصادر بكركي لـ «الأنباء» ان البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي «يخاف على الرئيس الحريري أكثر مما يخاف منه، وهو على قناعة تامة انه لن يدير ظهره إلى المسيحيين لا بل على العكس، لكن الراعي يخشى من الثنائيات والثلاثيات والرباعيات».