سامر خير أحمدكاتب أردني
الربط التعسفي بين الإسلام والإرهاب، حين يصدر عن سياسيين كبار أو مثقفين مرموقين في الغرب؛ أقصد في الدول الغربية التي كانت تحتل بلاد العرب والمسلمين قبل عقود قليلة، لا يختلف موضوعياً عن الربط التعسفي بين الإسلام والإرهاب الذي تمارسه تنظيمات مسلحة وتبرّره بنسبته إلى الدين أو بادعائها الدفاع عن الدين، ففي الحالتين يصدر هذا الربط جوهرياً من خانة الصراع الحضاري، لا من خانة الدين: عقيدة أو شعائر أو حتى انتساباً بالهوية.
هذا بالضبط ما تشي به كلمات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وهو يعلن مواجهة «الإرهاب الإسلامي» من دون هوادة. إنه يقول بصراحة إنه لا يستهدف الإرهاب أياً كان، لأنه سلوكٌ مدان، بل يستهدف تحديداً ذلك الإرهاب الذي يقوم به مسلمون، والكلمة هنا ذات مدلولات ثقافية لا عقائدية، كأنما يطرح الإسلام على أنه ضدٌ لقيم فرنسا المفترضة في الحرية والعدالة والمساواة. ألم يقل ماكرون، وهو يؤبّن المدرس صامويل باتي الذي قُتل في أحد شوارع باريس على خلفية إعادة عرضه «الرسوم المسيئة» للنبي محمد عليه الصلاة والسلام، «باتي قُتل لأن الإسلاميين يريدون الاستحواذ على مستقبلنا.. لن نتخلى عن الرسومات والكاريكاتيرات، وإن تقهقر بعضهم، سنقدم كل الفرص التي على الجمهورية أن تقدمها لشبابها».
التنظيمات الإرهابية هي الأخرى تقدّم طروحات حضارية، تغازل طموح العرب والمسلمين بالنهوض الحضاري واللحاق بركب الأمم المتقدّمة، وتستثير غضبهم من الدول الاستعمارية التي كانت تحتل بلادهم عسكرياً. وإذا كانت أوروبا ترغب بتجاوزه فعلاً، والتصدّي للإرهاب الإسلامي، حسب التسمية التي تبناها الرئيس الفرنسي، فإن عليها ابتداءً أن تنهي النتائج المستمرة للإمبريالية الغربية على حياة العرب والمسلمين وأجيالهم الجديدة، وذلك بأن تتخلص، هي أولاً، من تلك الأيديولوجية الإمبريالية التي ما تزال تحكم سياساتها ومنطقها في العالم منذ أزيد من قرن ونصف.
الحال إذن أن هذا الغرب الذي ينطق ماكرون بقيمه، ويجعله ضدّاً للإرهاب «الإسلامي»، على حد تعبيره، ليس بريئاً من خلق هذا الإرهاب، لا بل الأصحّ أنه المسبب الأول له. والغريب أنه بينما تشاركنا دول الغرب في دفع ثمنه، وتلقي ضرباته، فإنها تصر على عدم الاعتراف بمساهمتها التاريخية في صنعه، وتقدّم نفسها مجرّد ضحية له، ما يعني عدم جدّيتها في محاربته وتجفيف منابعه .
{ العربي الجديد