+ A
A -
ترجمة - حاتم غانم
على الرغم من الإجماع العالمي، زعماء وشخصيات ومسؤولين وساسة والأمم المتحدة إضافة إلى كتاب ومحللين في وسائل الإعلام الغربية البارزة مثل نيويورك تايمز، واشنطن بوست، اندبندنت وغارديان وغيرها كثير، على شجب واستنكار التطهير العرقي بل الإبادة البشرية والبطش والتنكيل وعمليات الاغتصاب بحق الحرائر المسلمات من الروهينغا، وإحراق قراهم وبيوتهم على رؤوس أصحابها وجز رؤوس الأطفال والعجائز وبقر بطونهم وإلقاء الأطفال في النهر وإغراقهم، فإن أصواتا شاذة للأسف بوسائل إعلام سعودية وإماراتية، تصر على أن تطلق وتسمي الشبان المسلمين من الروهينغا الذين يدافعون عن شرف ذويهم وأعراضهم وحقهم في الحياة ضد المذابح والمجازر التي يرتكبها الجيش البورمي والميليشيات البوذية بأنهم «متمردون ومسلحون» وا عيباه.

طوال الأسابيع الأخيرة تشن ميانمار ذات الأغلبية البوذية وبصورة ممنهجة حملة إبادة ومجزرة ضد المدنيين من أقلية الروهينغا المسلمة، ما اضطر عشرات الألوف من المدنيين للهرب إلى بنغلاديش المجاورة والجنود الميانماريون يطاردونهم ويطلقون النار عليهم حتى وهم يجتازون الحدود.
هذا ما يقوله الكاتب المعروف نيكولاس كريستوف في نيويورك تايمز والذي يضيف نقلا عن نور سليمان لمراسل الصحيفة «إن البوذيين يذبحوننا بالرصاص، لقد أحرقوا بيوتنا ويلاحقوننا، لقد قتلوا زوجي».
اونغ سان سو التي أمضت خمسة عشر عاما قيد الاعتقال المنزلي «الإقامة الجبرية» وقادت حملة من أجل الديمقراطية، كانت بطلة العصور الحديثة. لكن اليوم فأنها بصفتها الزعيمة الفعلية لميانمار هي النصير والمدافع الرئيسي لهذا التطهير العرقي حيث تضطهد وتقمع الروهينغا وتصفهم بأنهم إرهابيون ومهاجرون غير شرعيين.
وحتى تسمية «التطهير العرقي» ربما تكون تقليلا وتهوينا. وحتى قبل الموجة الأخيرة من الإرهاب، فإن دراسة لجامعة ييل أوضحت أن الوحشية التي تمارس ضد الروهينغا تماثل الإبادة البشرية.
يا للعار
ويا للعار والخزي يا سو.. لقد وقرناك وهللنا لك وقاتلنا من أجل حريتك، والآن فإنك تستغلين تلك الحرية في التغاضي وتجاهل وغض البصر عن ذبح شعبك.
إنهم يقتلون ويذبحون الأطفال. هذا ما قاله لي ماثيو سميث المدير التنفيذي لهيومان رايتس.. وأضاف بعد تفقد اللاجئين على الحدود مع بنغلاديش «على الأقل فإننا نتحدث عن جرائم ضد البشرية».
وقالت ناجية من الروهينغا لسميث «اثنان من أبناء أخي تم قطع وجز رأسيهما على يد الميليشيات البوذية أحدهما في السادسة والثاني في التاسعة من العمر».
وتحدثت روايات ومآس أخرى عن أن الجنود يلقون بالأطفال والرضع من الروهينغا في النهر حتى يغرقوا ويموتوا وحتى قطع رؤوس عجائز. وقالت لي زميلتي هانا بيش في نيويورك تايمز التي غطت مأساة وكارثة الروهينغا من على الحدود «لقد غطيت أزمات لاجئين من قبل لكن هذه هي الأسوأ التي أراها حتى اليوم».
ورغم قتل المئات فإن اونغ سان لم تحرك ساكنا ولم توجه أي انتقاد للمجازر والمذابح ولا لمن يرتكبونها من الجزارين. لكنها بدلا من ذلك، أنحت باللائمة على الهيئات والمنظمات العالمية التي تقدم المساعدات، واشتكت من الكم الهائل من المنظمات والهيئات التي تريد مساعدة «الإرهابيين» وتعني بذلك الروهينغا.
وعندما روت سيدة من الروهينغا بشجاعة الكيفية التي قتل بها زوجها وكيف تم اغتصابها وبناتها المراهقات الثلاث على أيدي الجنود، ردت في صفحتها على «الفيس بوك» بالقول إنه «اغتصاب زائف».
غرباء ودخلاء
وبناء على حديث مع اونغ سو ذات مرة حول الروهينغا فأنني أعتقد فعليا أنها تعتبرهم غرباء ودخلاء ومثيرين للشغب في بلد يعتبر شديد العداء نحو الأقلية المسلمة.
قال كين روث المدير التنفيذي لمنظمة رايتس ووتش «إننا هللنا ورحبنا وصفقنا لأونغ سو كي لدى تسلمها جائزة نوبل لأنها كانت ترمز للشجاعة في وجه القهر والظلم والآن وبعد أن وصلت إلى السلطة فإنها تمثل التواطؤ وترمز إلى التواطؤ الجبان في الطغيان القاتل الذي يتعرض له الروهينغا».
وكتب حائز آخر على جائزة نوبل هو المطران ديزموند توتو رسالة مؤلمة إلى صديقته جاء فيها «أختي العزيزة: إذا كان الثمن السياسي لصعودك إلى أعلى وظيفة في ميانمار هو سكوتك فإن الثمن بالتأكيد باهظ جدا».
تحاول ميانمار بكل السبل منع الأجانب من الوصول إلى مناطق الروهينغا، لكنني تمكنت من الدخول إلى هناك مرتين خلال السنوات القليلة الماضية. وحتى في ذلك الوقت كان الروهينغا محشورين ومقيدين في معسكرات الاعتقال أو قرى نائية معزولة. الكثيرون منهم ممنوعون من الرعاية الطبية والأطفال محظور عليهم دخول المدارس الحكومية. إنها التفرقة والتمييز العنصري للقرن الحادي والعشرين.
شاهدت سيدة في الثالثة والعشرين من العمر تدعى منيرة بيجوم وهي تفقد طفلها لأنها تحتاج إلى طبيب. التقيت فتاة في الخامسة عشرة ذكية ورائعة وقد انهار حلمها في أن تصبح طبيبة لأنها في معسكر اعتقال، ورأيت طفلا في الثانية من العمر يدعى هيرمل، وهو يصارع الموت جوعا بعد وفاة أمه لأنها لم تستطع الحصول على رعاية طبية.
وثيقة عام «1799»
اونغ سو وغيرها من مسؤولي ميانمار يرفضون استخدام كلمة روهينغا، لأنهم يعتبرونهم مهاجرين غير شرعيين من بنغلاديش، لكن هذا كلام سخيف ومنافٍ للعقل. وتوضح وثيقة تعود إلى عام 1799، أنه حتى في ذلك الوقت، كان الروهينغا راسخين هناك منذ زمن بعيد.
وفي واشنطن قدم كل من السيناتور جون ماكين وديك ديربين قرارا عن الحزبين يدين العنف ويدعو اونغ سو للعمل على إيقافه وآمل أن يرفع الرئيس ترامب صوته وينطق.
إننا نعلم أن ميانمار تستجيب للضغط لأن ذلك كان السبب وراء نيل اونغ سو لحريتها.
هناك عرائض ودعوات عبر الإنترنت تدعو إلى تجريد سو من جائزتها ولكنني أتمنى أن يتم إذا أمكن استعادة مال الجائزة وإنفاقه لإطعام الأرامل واليتامى الذين نجموا عن صمتها.
ويختم الكاتب مقالته بالقول «إن أملنا النهائي يجب أن يتمثل في بناء عالم خالٍ من المشردين والذين يفتقرون إلى الأمل، عالم تشكل كل زواياه وأركانه ملاذا يتمتع فيه ساكنوه بالحرية والقدرة على العيش في سلام».
استقيلي الآن
أما بيتر بوبهام كاتب سيرة حياة اونغ سان سو، فقد كتب مقالة نشرتها صحيفة اندبندنت البريطانية ينصح فيها اونغ سو بالاستقالة موضحا أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن تفعله الآن هو الاستقالة من منصبها.
ويقول إن لجنة جائزة نوبل للسلام ارتكبت في الماضي قرارات غريبة. وعندما منح باراك أوباما الجائزة في 2009، فإنه لم يكن فعل أي شيء يستحق عليها ذلك باستثناء بعض الخطب الجيدة.
وفي حالة اونغ سو فإنني نشرت كتابين عن حياتها وعملها ولم أكن اشك أبدا أن اختيارها في 1991، كان مستحقا وحكيما في ذات الوقت، حيث كانت تمثل شعلة الإلهام والأمل.
لكن ما حدث يوم الخامس والعشرين من أغسطس من دفع الجيش البورمي لنزوح ربع سكان الروهينغا إلى بنغلاديش أمر مروع وصادم. وبما أن سوكي هي حاكم الأمر الواقع لبورما، فإنها تتحمل مسؤولية مطلقة عن هذا الأمر الغريب الذي حدث، وهي مدينة للعالم بتقديم توضيح عما حدث. غير أن ردها كان مؤسفا، تلحفت بالصمت وادعاءات سخيفة من مكتبها بأن الروهينغا هم الذين يحرقون قراهم، ولم يصدر عنها ما يؤشر بأنها تفهم أن العالم يغلي وساخط.
هل تكره الإسلام؟
أما لماذا اتسم رد فعلها بالضعف فإن هناك تفسيرات وإيضاحات متضاربة. أحدها أن كونها بوذية بورمية فإنها تتشارك مع أبناء دينها في النفور والكراهية المتأصلة والعميقة الجذور للإسلام. والدعاة والواعظون البوذيون الذين تباع خطبهم على أشرطة فيديو في أسواق شارع يانغون لا يحجمون عن وصف الإسلام بأنه العدو التاريخي للبوذية، ويعتبرونه بأنه مذنب ومسؤول عن إبادة البوذية في الهند وعن تدمير البوذا في باميا والجوار أيضا.
ومن المحتمل أن تكون قد أصبحت بوذية متعصبة، لكن ليس هناك ما يؤشر ويوضح صحة ذلك. عاشت سوكي لما يزيد على عشرين عاما في انجلترا المتعددة الثقافات. وأول صديق حقيقي لها في جامعة اوكسفورد كان طالبا وزميلا باكستانيا. وكان هندوس ومسلمون من دول جنوب آسيا هم أقرب اصدقائها في الجامعة. وكان أحد الأشخاص المهمين بإقناعها بالمشاركة في الحركة الديمقراطية يدعى مونغ ثواكا. وهو مسلم وكاتب حققت كتبه أفضل المبيعات والذي مات في السجن.
لماذا تصم آذانها؟
إذن لماذا تصم اونغ سان التي تتصف بحساسية بالغة إزاء نشطاء الديمقراطية، آذانها عن معاناة الروهينغا؟ إنهم بشر أيضا، أليس كذلك؟
بالنسبة لي الإيضاح بسيط. عندما قررت في ديسمبر 2011 دخول معترك السياسة والترشح للبرلمان، فإنها قد وافقت على الالتزام بدستور بورما. وقد فرضت هذه الوثيقة على البلاد قبل ثلاث سنوات من خلال استفتاء مزور. وضمنت الوثيقة التي يصعب تعديلها، التمثيل الأضخم والأكبر للعسكر في البرلمان والسيطرة والهيمنة الحصرية على الوزارات المهمة - الداخلية، الدفاع وشؤون الحدود، وكذلك الحق في التراجع عن الديمقراطية وإغلاق بابها، والعودة إلى الاستبداد العسكري.
حسب هوى الجنرالات ومتى أرادوا ذلك.
وكانت سوكي تكره على الدوام هذه الوثيقة، في يونيو 2011 قالت لمستمعي راديو- 4 إن حزبها رفض منازعة الانتخابات العامة السابقة لأن الدستور «يمنح الجيش الحق في الاستيلاء وتولي كافة سلطات الحكومة في أي وقت يستشعر بضرورة هذا الأمر. ومع ذلك وبعد خمسة شهور وتحت ضغط من هيلاري كلينتون وزيرة خارجية الرئيس باراك أوباما. قبلت الخضوع والاستسلام.
كان ذلك خطأها الفادح.. وبدلا من تحدي العسكر، فإنها اليوم كلبه الذليل وضحيته، وهي تواجه ورطة مستعصية ويائسة. وليس لديها من ملاذ سوى سبيل واحد، الإقرار بأنها ارتكبت خطأ قاتلا في ديسمبر من عام 2011، والاستقالة، وسوف يتفهم العالم ذلك».
بيتر بوبهام هو مؤلف كتاب «السيدة والطاووس» وأيضا «السيدة والجنرالات».
copy short url   نسخ
13/09/2017
1089