+ A
A -
كتبت- ليلى الكرد






كريحانةٍ ذابلةٍ هجرتها قطرات الندى؛ ألقت بجسدِها على سرير المشفى الفوضويّ، تنظر للفراغ الفاصل بين عينيها وسقف الغرفةِ، ودمعتان على طرفيّ جفنيها تسقطان، بينما الطبيب بقبضة جبينِه، التي لا تنفرج، يزرع في وريدِها حقنةً مهدّئة ليخفف عنها شيئاً من عذاب المرض.
لقد مرّغها الألمُ فأتى بها أهلُها كالريّح في سيارةٍ تَصَارَع فيها الموت والحياة على التهامها، وبعد إجراء التحاليل كانت النتيجة فشلاً في كليتِها يضطرها لإجراء عدة عمليات صعبة قبل الخضوع للغسيل الذي يتطلب منها المكوث لساعاتٍ قد تزيد على الأربع، لثلاث مرات في الأسبوع الواحد وإلى الأبد.
سقطت النتيجة على قلبها أفجع من قذيفة دبّابةٍ إسرائيلية على حيّ الشجاعيّة شرق غزة، حيث مولدها وموطنها، فهي التي لم تلتقط بعد كامل أنفاس الفرح من زراعة كلية أمّها في جسدِها، إذ كانت من قبل تعاني من فشل في كليتها الأخرى.
لكن ذلك المرض لم ينزع حبّاً تسلّل لقلب أحد الشبان العاملين في المشفى، فكانت الدموع من عينيها لؤلؤاً بعينيه، والآهات نغمات ناي بمسمعيه، أمّا الصبر فحليّ زيّنت كامل جسدِها، فيما ابتساماتها الواهنة على شفتيها الذابلتين كانت كالسّواقي تُحيي بساتين الأمل في حياتِه، فكان قرارُه حاسماً متجاهلاً أي عقبةٍ قد يتعرّض لها.
وكما تنتزع براعم الفلّ لنفسها جذوراً وسط جذور الحنظل، ينبت الأمل بين ثنايا الوجع والألم، فيتقدّم الشاب لتلك الصبيّة خاطباً، ويقدّم كليته قرباناً لحبّها وشبكةً لخطبتها، فتزهر وجنتاها اشتياقاً، وتكتحل عيناها حبًا وامتناناً، ففارس الأحلام الذي لم يكن ليتقدّم يوماً لفتاةٍ كبّلتها أنابيب غسيل الدّم بحكم أفكار المجتمع التي تحول دون زواج الشاب من فتاةٍ مريضة، ها هو اليوم يعِدها بكليتِه وقلبِه وكل ما فيه من جهدٍ لرسم البسمة على شفتيها، وليضرب أروع مثلٍ غزّيٍّ في الحبّ والتضحية.
copy short url   نسخ
13/09/2017
823