+ A
A -
فلسطين- الوطن- أمين بركة




يوما بعد يوم يتكشف الدور الخطير الذي يقوم به المدعو محمد دحلان في المنطقة العربية، لا سيما في ظل الدعم اللامحدود الذي تقدمه دولة الإمارات العربية المتحدة له.
وطالما أثارت شخصية دحلان الجدل في الأوساط العربية والدولية، فالشاب الفقير القاطن في مخيم خان يونس للاجئين الفلسطينيين تدرج سريعا في المناصب القيادية بحركة فتح والسلطة الفلسطينية، لينتهي به المطاف كرأس حربة للمشاريع القذرة التي تنفذها دولة الإمارات العربية المتحدة بالمنطقة.
وظل حضور دحلان الكبير محيرا للكثيرين الذين رأوا فيه سياسيا يباع ويشترى، فالرجل أصبح يتمتع في أبوظبي بسلطات تفوق سلطات الكثير من المسؤولين هناك.
أطلقت إسرائيل على دحلان لقب «رجل المهمات القذرة»، حيث إنه فتح أبواب السجون واعتقل المئات من الإسلاميين المعارضين لاتفاقية أوسلو ولتأسيس السلطة الفلسطينية، وكان يشغل مدير ملف التنسيق الأمني وتبادل المعلومات مع الجانب الإسرائيلي وتربطه علاقة قوية بقادة إسرائيل.
الرجل الذي وصفه قادة إسرائيل بـ«الشريك الملائم ليحل محل عباس الضعيف»، لم ينس الفلسطينيون في قطاع غزة والضفة الغربية جرائمه البشعة التي ارتكبتها فرقه الأمنية، كما أن كرشه مليء بمئات الملايين من الدولارات التي اختلسها من خزينة السلطة الفلسطينية.
من هو دحلان؟
ولد محمد شاكر دحلان في 29 سبتمبر من العام 1961 في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة، ودرس في مدارسها ثم انتقل للدراسة الجامعية في الجامعة الإسلامية بغزة بقسم الأعمال بكلية التجارة.
اعتقل دحلان في السجون الإسرائيلية مرات عدة بين عامي 1981 و1986، ومن ثم تم الإفراج عنه إلى أن تم طرده إلى الأردن في العام 1988. وانضم إلى منظمة التحرير الفلسطينية في تونس.
بعد توقيع اتفاقيات أوسلو في العام 1993 وقيام السلطة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، عاد دحلان إلى غزة وتسلم جهاز الأمن الوقائي الذي كانت إحدى مهماته منع الناشطين الفلسطينيين لا سيما عناصر حماس والجهاد الإسلامي من القيام بعمليات فدائية ضد الإسرائيليين.
مارست الفرق الأمنية التي كان يترأسها دحلان أبشع أنواع التعذيب بحق أبناء قطاع غزة لاسيما القيادات المحسوبة على حركة المقاومة الإسلامية حماس، وتقول المصادر إن دحلان متورط في تصفية بعض عناصر الحركة بغزة.
عين دحلان عضوا في فريق التفاوض الفلسطيني في مرحلة ما بعد توقيع اتفاق أوسلو، وخلال هذه المرحلة أعجبت الإدارة الأميركية به فهمس الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في أذنه قائلا: «أرى فيك زعيما مستقبليا لشعبك».
عام 1997 تم الكشف أن 40 % من الضرائب المحصلة من الاحتلال عن رسوم معبر كارني بقطاع غزة والمقدرة بمليون شيكل شهريا كانت تحول لحساب شخصي لدحلان، ما أدى إلى خروج عدة مطالبات بإقالته من منصبه والتحقيق معه، إلا إن ذلك لم يتم.
في العام 2003 تم تعيين دحلان وزير الأمن الداخلي في الحكومة الفلسطينية الأولى التي شكلها محمود عباس، ومن ثم تم انتخابه عضوا في المجلس التشريعي الفلسطيني العام 2006.
اتهم دحلان بالفساد المالي والإداري، فقد قام بعقد صفقة عبارة عن إلغاء توكيل الشركة الموردة للبترول ومشتقاته للضفة وغزة وإعطائه لشركة أخرى تتبع له، إضافة إلى قيامه بشراء العشرات من العقارات في قطاع غزة والضفة المحتلة ومنطقة البحر الميت بالأردن، كما كانت له نسب كبرى في شركات الأسمنت والغاز والحصمة والاتصالات.
على إثر فوز حماس الكاسح بالانتخابات التشريعية التي جرت عام 2006، تزعم دحلان حملة كبيرة من أجل إفشال حماس الأمر الذي أدى إلى وقوع اشتباكات عنيفة بين الجانبين أسفرت عن وقوع عشرات القتلى ومئات الإصابات، لينتهي المطاف بسيطرة حماس على غزة وهروب دحلان والعشرات من رجاله إلى الخارج.
عينه عباس مستشارا للأمن القومي، قبل سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في العام 2007 وقدم استقالته مباشرة بعد سيطرة حماس على القطاع، على خلفية توجيه اتهامات له بالمسؤولية عن الأحداث الأمنية التي وقعت بغزة.
تقول تقارير مختلفة إن دحلان كلف من أجهزة المخابرات الأميركية والإسرائيلية بتنفيذ مهمات محددة، حتى أن جهاز المخابرات الإ سرائيلي أطلق عليه لقب «رجل المهمات القذرة».
جرى التحقيق مع محمد دحلان عن قيامه بإرسال أحد الأشخاص لتصفية واغتيال عدة شخصيات فلسطينية؛ إلا إنه نفى ذلك واتهم القيادي الفتحاوي عبدالعزيز شاهين بذلك.
وجه أمين سر اللجنة المركزية العليا لحركة فتح فاروق القدومي، اتهامات لدحلان بخيانة الرئيس الراحل ياسر عرفات، حيث قال القدومي: «إن عرفات أودع لديه قبل وفاته محضرا لاجتماع سري جمع دحلان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون وضباط من الاستخبارات الأميركية، تم التخطيط فيه لاغتيال عرفات وقيادات أخرى من فصائل المقاومة الفلسطينية».
في يناير 2010 تحدثت تقارير صادرة عن إعلام السلطة الفلسطينية عن أن دحلان عمل إلى جانب عدد من مسؤولي فتح مع الأميركيين بهدف الإطاحة بالرئيس محمود عباس، الأمر الذي جعل فتح تفصله من الحركة وتحيله للقضاء بتهم فساد مالي وأخلاقي، لينفي دحلان هذه التهم ويقول إن محمود عباس لديه مخالفات مالية وسياسية.
غادر دحلان الضفة الغربية، هاربا إلى القاهرة ومن ثم إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ليستقر هناك، ويصبح أحد الرجال المقربين جدا من الحكم في أبوظبي، التي أوكلت إليه عدة مهمات وعملت على تعزيز موقعه كرجل سياسي.
اتهامات خطيرة
في مارس 2014 نشر القيادي في حركة «فتح» وعضو اللجنة المركزية فيها، نبيل شعث، وثائق رسمية بين فيها بعض التهم التي تم التحقيق فيها مع القيادي المفصول من الحركة، محمد دحلان بشأنها، وظهر من الوثائق أنها صدرت من مكتب رئاسة السلطة الفلسطينية في رام الله.
وقال شعث إن تلك الوثائق، هي محاضر تحقيق مع «القيادي المطرود محمد دحلان» حول عدة قضايا أبرزها المشاركة في اغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات.
وحسب الوثائق، فإن التحقيق مع دحلان تم على عدة قضايا حول الفساد المالي والاقتصادي والتطبيع اقتصاديا مع الاحتلال الإسرائيلي، «لا سيما قضية تمور المستوطنات»، وقضايا أخرى كالتجارة بالسلاح مع بعض تجار السلاح الفلسطينيين والعرب.
وجاء في الوثائق: «اتهام دحلان بإرسال فرقة اغتيالات وتصفية الإعلامي الفلسطيني خليل الزبن، واغتيال منسق هيئة الإذاعة والتليفزيون الفلسطينية في غزة، هشام مكي، اغتيال المواطن حسين أبوعجوة من غزة».
وبخصوص ملف اغتيال عرفات، كشفت الوثائق التي نشرها شعث أن القيادي المفصول من «فتح» محمد دحلان قام بإدخال علب دواء مسمومة للراحل ياسر عرفات عن طريق بعض من حرس عرفات ومرة أخرى عن طريق وفد أجنبي جاء للتضامن مع عرفات.
وتشير الوثائق إلى أن دحلان طلب من مسؤول حرس الرئيس الراحل ياسر عرفات في رام الله، أثناء تواجد عرفات في مستشفى بيرسي للعلاج، تجميع كل علب الدواء التي كان يستخدمها عرفات وحرقها، وقد اعترف مرافقو الرئيس الراحل بذلك أثناء التحقيق معهم. واتهمت الوثائق دحلان، باغتيال اللواء كمال مدحت في بيروت.
وحول القضايا الاقتصادية، بينت الوثائق أنه تم التحقيق مع دحلان حول فضائح اقتصادية ومالية أبرزها تشغيل أموال عن طريق شخص يدعى إيهاب الأشقر ووضعها في بنوك سويسرا والجبل الأسود والإمارات العربية المتحدة.
وأشارت الوثائق إلى أن دحلان أنشأ فضائية تحت اسم «فضائية الغد» وكان هدفها تعكير الأجواء بين ياسر عبد ربه ومحمود عباس، «وفقا لاعترافات الموظفين في الفضائية»، وأنه تلقى أموالا من جهات خارجية لتأسيس القناة.
ولفتت الوثائق النظر إلى أن دحلان تلقى أموالا من الجنرال الأميركي، كيت دايتون، لتشكيل قوى أمنية في قطاع غزة، «أطلق عليها اسم تنفيذية فتح»، في العام 2005 باعتباره المستشار الأمن القومي آنذاك.
وأيضا كشفت تقارير إعلامية أن دحلان متورط في عملية اغتيال القيادي القسامي محمود المبحوح في دبي عام 2010، حيث إن أحمد حسنين وهو عضو سابق في المخابرات الفلسطينية، وأنور شحيبر ضابط سابق في جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، المتورطين في عملية الاغتيال يعملان موظفين في مؤسسة عقارية تابعة لمحمد دحلان.
وحاول دحلان التوسط لدى السلطات في الإمارات للإفراج عن منفذي العملية، لتخرج «المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا» مؤخرا كاشفة النقاب عن أن الفريق الذي اغتال القيادي المبحوح في فندق البستان بدبي عام 2010، يعيشان في دولة الإمارات بحرية ولم يقدما للمحاكمة.
كما وجهت اتهامات لدحلان بقيامه بدور بارز في الثورات المضادة للربيع العربي، خاصة في مصر وتونس وليبيا، إضافة إلى أن الرئيس المصري المعزول محمد مرسي اتهم في خطابه الأخير بتاريخ 26-6-2013 محمد دحلان بالتآمر وبث السموم ضد مصر.
وقالت تقارير إن دحلان قد ترأس اللجنة الإماراتية أو ما عرفت لجنة حل «الأزمات» التي شكلت عقب اندلاع الربيع العربي، من أجل العمل على مواجهة هذه الثورات.
في فبراير 2015، سربت قناة مكملين المصرية، تسجيلا للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ومدير مكتبه اللواء عباس كامل، كشفت من خلاله دور القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان بالتدخل في الشأن الليبي وإثارة القلاقل في البلاد عن طريق دعم محاولات الانقلاب هناك.
وتحدث اللواء كامل في مكالمة مع السيسي عن دور دحلان في التنسيق بين الإمارات وبين أحمد قذاف الدم أحد أبرز وجوه نظام معمر القذافي الرئيس الليبي السابق، من أجل تغذية أعمال العنف في ليبيا وتأجيج المظاهرات ضد المجلس الوطني الليبي آنذاك.
وقال كامل إن دحلان «يعمل مستشارا عند بن راشد، وهما راصدينه هنا وهنا»، كاشفا عن وجود محاولة قام بها السيسي من أجل المصالحة بين عباس ودحلان، وأن المصالحة ينبغي أن تكون بين «فتح وفتح مش مع حماس»، كما قال في المكالمة الهاتفية.
وهذا ليس كل شيء، حيث إن اسم الرجل يرتبط كثيرا بالملفات السوداء في المنطقة العربية، وتدور حوله العديد من علامات الاستفهام.
copy short url   نسخ
30/08/2017
7086