+ A
A -
إسماعيل الصمادي

لقد دأب الإنسان على إحياء الماضي، وما الأعياد والمناسبات، والاحتفالات السنوية الدورية سوى محاولة لاسترجاع الماضي، وفي نفس المكان الذي حدث فيه هذا الماضي.
وفي الحقيقة إن الماضي لم يمض بالمعنى الوجودي، بل هو حاضر متخفٍ، وأن ما مر عليّ لم يصبح خلفي بل هو أنا على اعتباري ماضيا – حاضرا، أو «ماضرا».
إذاً فإن ماضينا الذي ربما في بعض الأحيان نبكي على بعض منه لم يمت، بل هو حي يرزق يتغذى من أرواحنا، ويتنفس من جلد حاضرنا.
إذاً أيضا فإننا لن نموت بمعنى ما من المعاني العميقة للوجود، ولذا نجد في أنفسنا أحيانا رغبة في رفض ترابيتنا، ورفض حاضرنا، وبالتالي زمكانيتنا، وهذا ما يفسر رغبتنا أيضا في أسطرة الواقع، أو في رفع الحاضر الواقعي إلى الماضي الأسطوري.
إذاً، ولأن لنا رغبة عميقة في ألا نموت، فأننا لا نريد أن نخسر يومنا لحساب غدنا كي لا يصبح ماضيا، وذلك يعني أن يستمر يومنا إلى الأمام، أي أن يكون يومنا غدنا قدر الإمكان، أي أن نكنس بشرة الحاضر عن جلد الماضي، وما إحياؤنا الدائم لسيرة الأمس سوى محاولة لإلصاقه باليوم وجعله حاضرا، وهذا ما نقوم به، نحن البشر في إحياء أعيادنا السنوية كاسترجاع لزمان مهم في تاريخ الجماعات والأمم،

أما بالنسبة لي على وجه التخصيص، فقد دأبت على أن لا أتخلى عن أمسي، وحاولت ما استطعت أن أحميه من النسيان، بحيث لم أجعل الحاضر يتراكم على الماضي الأمر الذي يجعلني أقاوم شعوري بالذوبان.. والتلاشي في النسيان المطلق.
لن أتخلى عني..
إذاً لن أتخلى عمن أحب،
ولأني لست على ثقة كبيرة بمواجهة الجديد،
لذا كنت من حفظة العهد، كي يحافظ عليّ العهد دون أن يتركني لما لا أستطيع مواجهته، ومن أجل ذلك كان من الواجب عليّ حين أريد أن أؤسس لعلاقة مع الأشياء من الموجودات، أن أفرض لها مسبقا أسباب استمراريتها، ومنعتها في مواجهة تقلبات الراهن.
ومن جهة أخرى، ولأني ربما كنت مازوخيا، فكان من الواجب عليّ أيضا أن أقود جَمل العلاقة إلى بيداء الحرمان ومن خلال ذلك أستطيع البكاء.. والتشكي، وربما كان هذا أحد أهم أسباب عدم لجوئي إلى الحلول البديهية البسيطة، بل كنت في أغلب الحالات أقيم علاقات معقدة مع الموجودات يكون من الصعب الفكاك منها.
ولكن، وإلى جانب ما تقدم، ولأني أقاوم موتي، فقد كان عليّ أن أتعلم كيف أتقمص أشياء، وأسماء أخرى معتقدا أنني ربما أستطيع أن أضلل عزرائيل.
أخيراً..
ولأننا نقدّم خرافنا في عيد الأضحى كاسترجاع للزمان، وإحياء للحظة التي قدم فيها سيدنا إبراهيم الكبش الذي افتدى به إسماعيل.
copy short url   نسخ
26/08/2017
3022