+ A
A -
القدس - الوطن - أمين بركة
تواصل سلطة الآثار الإسرائيلية حفرياتها الواسعة وأنفاقها في محيط وأسفل المسجد الأقصى المبارك، لتخترق جدرانه وأساساته، وتحدث تشققات وانهيارات ترابية بداخلها تؤثر على سلامة المباني، وتشكل خطراً كبيراً على وجوده.
وحولت سلطات الاحتلال هذه الحفريات إلى مقرات تلمودية توراتية سياحية، وأقامت المتاحف والمعارض فوق الأرض وتحتها، ودمرت بشكل كامل كل الآثار التاريخية العريقة الموجودة منذ الفترة الأموية وحتى العثمانية، وكذلك الفترة الكنعانية.
وتكشفت الحقائق عبر شبكة الأنفاق والحفريات عن وجود مدينة يهودية بباطن الأرض وصلت عبر الأنفاق من سلوان والقصور الأموية وساحة البراق وتل المغاربة مروراً بالبلدة القديمة إلى المسجد المرواني لتهدد أساسات المسجد الأقصى، وذلك عقب تكشف وتصدع أسواره وجدرانه من الجهة الغربية.
تهديد خطير
في السياق، قالت مؤسسة القدس الدولية: إن عدد الحفريات أسفل المسجد الأقصى المبارك بلغ 64 حفرية ونفقاً تتوزع على جهات الأقصى الأربعة، نصفها في الجهة الغربية للمسجد التي وصل عدد الحفريات فيها إلى 32 حفرية، ما يهدد المسجد بالانهيار.
وأوضحت المؤسسة في تقرير لها بعنوان «عين على الأقصى» أن اجتماع الحكومة الإسرائيلية في أحد الأنفاق التي تبعد أمتاراً قليلة عن الأقصى غرباً في 28-5-2017 بمناسبة ذكرى 50 عاماً على احتلال كامل القدس كان رسالة واضحة بأن هذه الحفريات يتبناها أعلى رأس الهرم السياسي لتوظيفها في الترويج لتاريخ يهودي مختلق.
ويشير التقرير إلى أن البناء التهويدي في محيط الأقصى لم يتوقف، وبات الاحتلال قريباً جداً من البدء الفعلي ببناء مشروع «بيت هليبا- بيت الجوهر» الذي يبعد نحو 20 متراً عن حائط البراق، وكنيس «جوهرة إسرائيل» الذي يبعد نحو مائتي متر عن السور الغربي للأقصى.
وأقر الاحتلال بناء كنيس يهودي على جبل المكبر جنوب غرب البلدة القديمة، فيما برز تطور كبير باتجاه تنفيذ مخطط القطار الهوائي المحيط بالأقصى.
كما أن هناك نية لدى الاحتلال لتهويد سفح جبل الزيتون، وتهويد بعض أبواب الأقصى والبلدة القديمة، فيمل لم تسلم المقابر المحاذية للأقصى من الاعتداءات كالرحمة واليوسفية، فقد صودرت بعض أجزائها بهدف تحويلها إلى حدائق تلمودية، وزرعت فيها قبور يهودية وهمية.
ويذكر التقرير وجود فكرة تطور الوجود اليهودي في الأقصى على المستوى السياسي والأمني والديني والقانوني؛ حيث سعى الاحتلال خلال فترة التقرير إلى فرض سيطرته الكاملة على الأقصى أكثر من أي وقت مضى، بحيث يتحول الاحتلال إلى الجهة الوحيدة المتحكمة بمصير الأقصى.
وكان دور شرطة الاحتلال محل تقدير وثناء من قبل المستوطنين المتطرفين الذين وجدوا في وزير الأمن الداخلي غلعاد أردان، وقائد شرطة الاحتلال في القدس يورام هليفي ثنائياً ذهبياً أسهم إلى حد كبير في تسهيل اقتحاماتهم.
وإلى جانب الجهود السياسية والأمنية لاستهداف الأقصى، استمرت الجهود القانونية لتشريع إجراءات الاحتلال ضد الأقصى، وأقر كنيست الاحتلال بالقراءة التمهيدية مشروع «قانون المؤذن».
أما على المستوى الديني، فقد استمرت منظمات «المعبد» في توجيه الدعوات إلى المستوطنين من أجل «الصعود إلى جبل المعبد»، مفاخرين بحالة الهدوء في الأقصى بسبب تقييد يد المرابطين فيه.
وخصص أحد الفصول لرصد محاولات الاحتلال لتحقيق وجود يهودي دائم ومباشر في المسجد الأقصى عبر الاقتحامات، والتصريحات التحريضية والعدائية ضده، والتدخل المباشر في إدارته.
وهناك أيضاً محاولات بعض الساسة الصهاينة لاقتحام الأقصى رغم قرار رئيس الحكومة بمنع الاقتحامات السياسية خاصة النائب المتطرف «يهودا غليك» الذي أدى صلوات تلمودية مقابل باب القطانين بعد منع دخوله للمسجد في 19 /9 /2016.
وعلى صعيد الاقتحامات، فقد بلغ عدد المتطرفين المقتحمين خلال مدة الرصد نحو 23661 مقتحماً، وهو ما يعني ارتفاعاً في عددهم بنسبة 58% بالمقارنة مع تقرير العام الماضي، حيث كان العدد 13733.
ويعد عدد الذين اقتحموا الأقصى هذا العام هو الأكبر منذ احتلال المسجد عام 1967 في ظل استمرار سلطات الاحتلال في منع دائرة الأوقاف الإسلامية من تنفيذ نحو ثلاثين مشروعاً يحتاج إليها المسجد لصيانته.
وتعد الإجراءات التي حاول الاحتلال فرضها على الأقصى بعد عملية اشتباك الأقصى في 14-7-2017 أبرز وأخطر محاولة لتكريس تدخله في شؤون المسجد والسيطرة عليه، فالاحتلال قرر تركيب بوابات إلكترونية وكاميرات ذكية على أبواب الأقصى، ولكن الاحتلال أجبر على التراجع عنها نتيجة الضغط الشعبي.
وأوصى التقرير باستثمار الانتصار الذي تحقق في هبة الأقصى والالتفاف حول القيادة الشعبية والدينية في القدس، حاثاً أهل القدس والأراضي المحتلة على التمرد على قرارات الاحتلال والرباط في المدينة.
ودعا أهل قطاع غزة إلى تشكيل حراك شعبي مستمر بأشكال متعددة، والاستفادة من قدرتهم على الحشد والتنظيم، مطالباً أهل الضفة بعدم الركون لمخططات تحييدهم عن الصراع، وتوسيع دائرة الاشتباك مع الاحتلال، مطالباً فلسطينيي الخارج بالاستفادة من انتشارهم في بلدان عديدة ونشر ما يتعرض له الأقصى في كل بقاع الأرض.
وعبر عن أمله أن تتخذ السلطة قراراً بإطلاق يد المقاومة في الضفة، وتأمين كل الدعم المطلوب للقدس والأقصى، وعدم التجاوب مع المبادرة المشبوهة التي تنوي الولايات المتحدة إطلاقها لتفعيل المفاوضات.
وطالب فصائل منظمة التحرير ببذل جهود كبيرة لرأب الصدع في البيت الفلسطيني، داعياً فصائل المقاومة والأحزاب والقوى إلى العمل الجاد لإنهاء الانقسام، داعياً الأردن إلى بذل كل إمكاناته للحفاظ على أمانة الأقصى، في حين دعا الإعلاميين والصحفيين للتركيز على قضية الأقصى والقدس.
حفريات متواصلة
وتعليقاً على ذلك، يوضح مدير الإعلام في مؤسسة الأقصى للوقف والتراث، محمود أبوالعطا، أن الحفريات الإسرائيلية بدأت من منطقة ساحة البراق وحي المغاربة غرب المسجد الأقصى، ومن ثم تدمير الحي بأكمله بكل ما يشمل من عقارات وآثار.
ويشير إلى أن الحفريات توسعت في ما بعد ووصلت أعماقها إلى 15 متراً، حيث تنفذ سلطات الاحتلال منذ خمس سنوات حملة واسعة من الحفريات تتركز في خمس مناطق، أولها المنطقة الغربية من المسجد الأقصى، وتشمل حفريات ما يسمى بطريق باب المغاربة.
وثانياً حفريات أقصى الجهة الغربية الشمالية من ساحة البراق تركزت فيها بشكل كبير منذ عام 2007، وثالثاً جنوب الأقصى من المنطقة الممتدة من الزاوية الشرقية الجنوبية من الخارج حتى الزاوية الغربية، حيث تشهد حفريات واسعة وعميقة، وتم تحويلها إلى منطقة تسمى «بمطاهر الهيكل» أو المسار التوراتي.
وأوضح أن الأبرز في هذه الحفريات تعميق وتوسيع رقعتها غرب مسار نفق سلوان الأيمن، ومع مرور الوقت تتكشف صخور عملاقة في باطن الأرض، مشيراً إلى أن طاقم المؤسسة رصد قيام الاحتلال بفتح مدخل وفوهة إلى جوف الأرض توصل إلى عمق الحفريات الجديدة.
ويبين أن هناك حفريات تجري على طول الجدار الغربي للأقصى أسفل الأرض بدءاً من الزاوية الجنوبية الغربية لحائط الجدار الغربي، وتمر عبر أبواب الأقصى من الأسفل، وتصل لمنطقة السور الشمالي عند المدرسة العمرية، مشيراً إلى أن هذا النفق تم العمل فيه على مدار 20 عاماً، وطوله 680 متراً.
ويقول أبوالعطا: «نحن اليوم أمام شبكة من الأنفاق يصل طولها إلى 3 آلاف متر من الجنوب حتى الشمال، بالإضافة إلى وجود تفرعات من الحفريات والأنفاق تمتد من المسجد الأقصى ومنطقة باب المغاربة باتجاه الشرق، وتصل لمنطقة الكأس المتوضأ».
ويشير إلى أن هناك انهيارات ترابية وتشققات في المصاطب وساحة المسجد الأقصى، وكذلك سقوط أشجار معمرة أكثر من مرة في خط هذا النفق، وهناك نفق ثانٍ نعتقد بأنه يمتد من منطقة باب السلسلة باتجاه الشرق ويصل إلى منطقة «سبيل قايتباي»، والنفق الثالث يدخل إلى حيز الأقصى من منطقة باب المطهرة.
وحذر من هذه الحفريات والأنفاق الجديدة، ومن مجمل المشاريع التهويدية التي تستهدف الأقصى ومحيطه، خاصة أنها تتسارع وتتصاعد بشكل غير مسبوق، ويجتمع على تنفيذها وتمويلها حكومة الاحتلال وأذرعها التنفيذية بالقدس، وفي مقدمتها منظمة «إلعاد» الاستيطانية، وسلطة الآثار الإسرائيلية.
وبشأن مخاطر تلك الحفريات على الأقصى، يؤكد أبوالعطا أن تلك الحفريات تؤثر على سلامة مباني المسجد، لأن هناك تشققات وانهيارات حدثت في الجدار الغربي للمسجد من جهة ساحة البراق، وهناك انهيارات على امتداد الجدار، وخاصة في البيوت الملاصقة له، وتشققات في أعمدة المصلى المرواني وغيرها.
فرض الوقائع على الأرض
بدوره، يشير مدير مركز معلومات وادي حلوة في سلوان، جواد صيام إلى أن المؤسسة الإسرائيلية ضاعفت من حفر الأنفاق أسفل المسجد الأقصى وخاصة من ناحية بلدة سلوان، حيث إن السيطرة على سلوان ستجعل إسرائيل تحسم معركة القدس لتنفرد بالأقصى والبلدة القديمة.
وقال صيام: «إن الأنفاق والحفريات تحولت ذراعاً سياسياً لدى المؤسسة الإسرائيلية التي تتطلع لفرض وقائع على الأرض وإخراج القدس والأقصى من أي حل سياسي ومن دائرة المفاوضات، ليتم استقدام اليهود للاستيطان بعشرات البؤر الاستيطانية والعسكرية بقلب الأحياء السكنية الفلسطينية وتشييد الكنس والمدارس التلمودية على أنقاض الآثار الإسلامية والعربية الملاصقة للمسجد الأقصى».
وأشار إلى أن الأنفاق والحفريات المدعومة والممولة من عشرات الصناديق الصهيونية وسيلة لمصادرة أكبر مساحة من الأرض للتهويد والاستيطان، حيث تتم بموازاتها عملية تهجير وتطهير عرقي للمقدسيين وإجبارهم على الرحيل بحرمانهم من ترميم عقاراتهم من الأضرار التي تلحقها بها الانهيارات عقب الحفريات، خصوصاً بالبلدة القديمة وسلوان التي تواجه مخطط هدم عشرات المنازل.
copy short url   نسخ
23/08/2017
1126