+ A
A -
إذا كان الشعب اليمني بعد مرور عامين ونصف العام على عملية عاصفة الحزم التي رفعت شعار إنقاذ اليمن، هو الخاسر الأكبر، على صعيد إزهاق الأرواح، وتفشي الأمراض، والأوبئة كالكوليرا، التي تواصل قتل اليمنيين، والدمار الشديد للدولة اليمنية، في ما الإمارات، تبقى هي الرابح الأكبر من تلك المأساة؛ حيث تحولت من مشارك في التحالف العربي إلى مهيمن على ثروات ومقدرات اليمن، بالإضافة إلى سجونها السرية، وانتهاكاتها الفظيعة، التي طالت بالأساس، مؤيدي إعادة الشرعية إلى اليمن.
فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات الدولية على اليمن كشف في تقرير سري عن دعم دولة الإمارات العربية جماعات مسلحة، وممارستها الاحتجاز غير القانوني والإخفاء القسري في اليمن، مشيراً إلى أن هناك معلومات موثوقة تفيد بأن قواتها تخفي قسراً شخصين في عدن منذ أكثر من ثمانية أشهر.
ويشير التقرير إلى انتشار ميليشيات ومجموعات مسلحة خارجة عن سيطرة الحكومة الشرعية تتلقى تمويلاً مباشراً ومساعدات من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، كما يشير إلى أن إحدى تلك المجموعات في تعز يقودها شخص يدعى أبوالعباس (السلفي) وتموله الإمارات، وقد رفضت هذه المجموعة الانضواء إلى الجيش اليمني، بالإضافة إلى عدم خضوع قوات رسمية- كقوات النخبة الحضرمية وقوات الحزام الأمني التي ترعاها وتمولها الإمارات- لسلطة الحكومة الشرعية.
ويضيف التقرير، الذي تتكتم الدول الأعضاء في مجلس الأمن على تفاصيله منذ تسلمه مطلع الشهر الجاري،: إن الصراع في تعز عزز دور أبوالعباس بدعم مباشر من الإمارات، وخلال صراعه مع الحوثيين سمح بانتشار عناصر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية داخل تعز، لتعزيز قواته وتقييد النفوذ السياسي والعسكري لحزب الإصلاح.
بدورها، أشارت مجلة غينيس الدفاعية المتخصصة إلى أن أبوظبي بنت قواعد عسكرية لها باليمن، أبرزها في جزيرة ميون التي تقع وسط مضيق باب المندب، مما يمكن الإمارات من التحكم به كاملاً، كما تعكف حالياً على بناء قاعدة عسكرية في منطقة ذباب وتمنع عودة أهلها المهجرين.
مشروع إماراتي
القيادي السابق في المؤتمر الشعبي العام، ياسر اليماني، قال إنه «لم يعد خافياً على أحد ما تمارسه دولة الإمارات في اليمن عامة، وفي المحافظات الجنوبية خاصة، ونحن كيمنيين أصبحنا نتعامل معها كدولة احتلال تسعى عبر مخططاتها لاحتلال اليمن الجنوبي والسيطرة على ثرواته».
وأضاف: الإمارات والميليشيات التابعة لها تواصل الزج بأفراد المقاومة الوطنية وأبناء القبائل في السجون وترتكب مختلف أنواع الجرائم على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي ومجلس التعاون الخليجي.
وشدد اليماني على أن الانقلاب الذي حدث في صنعاء خططت له الإمارات منذ وقت مبكر، حيث عملت على الإطاحة بالرئيس عبدربه منصور هادي ووضعه تحت الإقامة الجبرية، كما أن دخول الحوثيين إلى عدن تم بعلم الإمارات التي جعلت منه مبرراً لدخولها إلى عدن والمحافظات الجنوبية للسيطرة عليها ولم تسمح بعودة الشرعية أو الجيش الوطني.
وأشار إلى أن المشروع الإماراتي قديم في اليمن، فقد سبق أن سعت الإمارات للسيطرة على ميناء عدن قبل الثورة اليمنية، وقد وجدت الفرصة مناسبة لتحقيق مشروعها عبر المشاركة في التحالف العربي، داعياً السعودية إلى مراجعة وجود الإمارات في التحالف، لأن ما تقوم به ستتضرر به دول الخليج جميعها وليس الشعب اليمني فقط.
أهداف استراتيجية
الباحث في قضايا العالم العربي صلاح القادري أكد أن الإمارات لديها خمسة أهداف استراتيجية في اليمن، هي القضاء على الثورة اليمنية كجزء من الربيع العربي، والقضاء على حركة الإصلاح كجزء من جماعة الإخوان المسلمين، وإسقاط شرعية الرئيس هادي وإفشال مشروع التحالف العربي الساعي لأن يكون اليمن عمقاً استراتيجياً للسعودية، وإقامة قواعد عسكرية للسيطرة على مضيق باب المندب وخليج عدن، وأخيراً السيطرة على ميناء عدن وتحييده حتى لا يصبح منافساً لميناء دبي.
وأضاف: إن الإمارات عندما وصلت إلى اليمن كان لديها أهداف واضحة تسعى لتحقيقها بخلاف السعودية التي لم يكن لديها هدف واضح، واكتفت مع مرور الوقت بالدفاع عن حدودها الجنوبية أمام الصواريخ الباليستية أو محاولات الحوثيين المتكررة لاختراقها.
وبحسب القادري، فقد قامت الإمارات فور دخولها إلى عدن بالاستيلاء على منطقة المعاشيق وتحويلها إلى ما يشبه المنطقة الخضراء في بغداد، ومن ثم أصبحت كل قيادات السلطة الشرعية تحت الإقامة الجبرية في اليمن، ثم قامت بإنشاء ميليشيات طائفية مناطقية مسلحة في عدن وشبوة وحضرموت، كما قامت بدعم وتبني كل القيادات المعارضة لهادي وقامت بتسليحها، ثم انتقلت إلى مرحلة اعتقال وتصفية القيادات المعارضة للمشروع الإماراتي.
ويرى الإعلامي اليمني عبدالقوي العزاني أن دخول حسابات خاصة لطرف في التحالف العربي على الخط، أدى إلى حرف بوصلة المعركة ضد الانقلابيين في صنعاء، وعمل-إلى حد كبير- على تأخير الحسم.
وأشار العزاني إلى أن توجيه طرف في التحالف جزءاً من الدعم إلى فصائل متشددة سواء في الجنوب أو في محافظة تعز، كان بمثابة وضع العصي في دولاب المعركة مع الانقلابيين الحوثيين.
وتحدث أن كتائب أبوالعباس المتمركزة في تعز تحظى بدعم خاص من طرف في التحالف-خصوصاً بالمدرعات والأطقم العسكرية- يفوق الدعم الذي تلقاه الجيش الوطني بجميغ ألويته العسكرية.
احتلال الجنوب
كان مجلس الحراك الثوري الجنوبي في اليمن، قد اعلن رفضه لما سماها بالتبعية أو الوصاية الخارجية، واعتبر دور دولة الإمارات في عدن والمحافظات الجنوبية احتلالاً ومحاولة هيمنة واستحواذ على منافذ الجنوب وخيراته، وتحكما في مصير الشعب وتوجهاته.
وقال المجلس- وهو من أكبر مكونات الحراك الجنوبي الداعية للانفصال- في ختام مؤتمره العام الأول بمحافظة عدن، إنه يرفض الوصاية الخارجية، ودعا للقبول بمبدأ التعاون والعلاقة الطيبة المشتركة مع المحيط الخارجي.
وجاء في بيان للمؤتمر أن دولة الإمارات العربية «أصبحت تستحوذ على منافذ الجنوب وخيراته وتتحكم بمصير شعبنا وتوجهاته، ثم تأتي لتمنح ثلة ممن اتخذتهم أتباعاً لها قليلاً من الفتات الحقير، وتؤسس لمستقبل متناحر متشرذم تصنعه من خيرات الجنوب».
وانعقد المؤتمر تحت شعار «مواصلة النضال بكافة الوسائل حتى تحرير واستقلال الجنوب استقلالا ًناجزاً»، وأكد التمسك بأي إجماع جنوبي يضمن توحيد الصف الجنوبي تحت سقف استقلال الجنوب استقلالا ناجزا.
ودعا المؤتمر إلى التمسك ب «تحرير» الجنوب واستقلاله ورفض الوصاية الخارجية من أيّ جهة كانت، والتأسيس للقبول بمبدأ التعاون والعلاقة الطيبة المشتركة مع المحيط الخارجي، وبالذات من سيساعد الجنوبيين في تحقيق استقلال الجنوب.
واشنطن بوست
وحسب تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» بعنوان: «انقضاض الإمارات على أعدائها يتحدى تحالفها مع الولايات المتحدة»، فإنه مع اندلاع الحرب الدموية في اليمن، قبل عامين، دعت الولايات المتحدة الأطراف المتقاتلة إلى وقف إطلاق النار، لكن جهود واشنطن قوضها واحد من أكثر الحلفاء الموثوق بهم، وهو دولة الإمارات.
وأضافت الصحيفة أنه رغم مقتل المئات في المعارك والضربات الجوية، التي نفذها التحالف العربي، بقيادة السعودية، فإن الإمارات، وهي جزء من هذا التحالف، شجعت شركاءها على مقاومة مناشدات وزير الخارجية الأميركي- آنذاك- «جون كيري» لإجراء محادثات سلام أو وقف إطلاق النار.
وحسب رسائل إماراتية دبلوماسية مسربة، قال ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، خلال اجتماع مع رئيس الوزراء اليمني- آنذاك- خالد بحاح،: «إن اليمنيين يجب أن يكونوا حازمين في مواجهة محاور مقنع مثل كيري»، مضيفاً أن على الدول الخليجية، أيضاً، أن «تقف حازمة».
وألمح بن زايد، خلال الاجتماع المذكور، إلى تحرك الإمارات في الشرق الأوسط، باستخدام القوة العسكرية والدبلوماسية والوسائل السرية لتعزيز الحلفاء ومكافحة الخصوم.
وقالت «واشنطن بوست» إن دور الإمارات في اليمن، وغيرها من الإجراءات الأخيرة، تتعارض مع سياسات الولايات؛ ما عقد العلاقات العسكرية لواشنطن التي تعود لعقود طويلة.
انتهاكات وفظاعات
على صعيد الانتهاكات والفظاعات التي ترتكبها الإمارات ضد اليمنيين، فقد كشفت منظمة «سام» للحقوق والحريات، عن قيام قوات يمنية تديرها الإمارات العربية المتحدة، بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، في محافظة شبوة، جنوبي اليمن، مشيرة إلى عملية اختطاف طالت أيضاً الأطفال والنساء. وطالبت المنظمة الحكومة الأميركية بتوضيح موقفها من الانتهاكات، في ظل أنباء عن مشاركتها بدعم القوات التي تديرها الإمارات.
وذكرت المنظمة، في بيان لها، أن «ملاحقة المواطنين اليمنيين، واختطافهم من قبل قوات النخبة الشبوانية، التي تديرها دولة الإمارات العربية المتحدة، ونقلهم إلى أماكن عسكرية للتحقيق معهم، من دون تمييز بين الرجال والأطفال والنساء، يعد انتهاكاً صارخاً لحقوق المواطنين اليمنيين القانونية التي كفلها لهم القانون الوطني والقوانين الدولية، وخاصة حقوق الأطفال والنساء». وأشارت إلى أن تلك الانتهاكات جعلت «حياة النساء والأطفال قلقة، وانتهكت حقهم في حياة طبيعية آمنة ومستقرة».
كما أن منظمات حقوقية دولية- منها منظمة هيومن رايتس ووتش- كشفت في تقارير موثقة عن وجود سجون سرية ومعتقلات تعذيب في عدن ولحج وأبين ومحافظات أخرى؛ تديرها قوات الحزام الأمني التابعة للإمارات، كما طالبت منظمة العفو الدولية الأمم المتحدة بإجراء تحقيق عاجل في تلك الانتهاكات، لكن دون جدوى حتى الآن.
وأوردت المنظمة الحقوقية في تقريرها الذي يعد سابقة، أماكن السجون السرية، ومعلومات عنها، وحذرت من أن الإمارات تدير مركزي احتجاز غير رسميين على الأقل، وأن مسؤوليها أمروا بالاستمرار في احتجاز الأشخاص، رغم صدور أوامر بإطلاق سراحهم، وأخفوا أشخاصاً قسراً. وبحسب المعلومات التي حصلت عليها المنظمة الدولية لحقوق الإنسان، فإنها كشفت أيضاً عن أن الإمارات نقلت إلى محتجزين مهمين إلى خارج اليمن.
واتهمت المنظمة دولة الإمارات بأنها تموّل وتسلح وتدرب قوات تحارب في الظاهر الفروع اليمنية لتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة، إلا أنها تقوم بتجاوزات مثل الاعتقال التعسفي والتعذيب في سجون غير رسمية.
كما عرضت وكالة أسوشييتدبرس الأميركية شهادات حيةً لمعتقلين في سجون الإمارات والقوات التابعة لها بعدن والمكلا، وقالت إن هذه القوات تمارس «تعذيباً وحشياً» للمعتقلين كالشواء بالنار والاعتداء الجنسي والضرب بأدوات معدنية والصعق بالكهرباء والتجريد من الملابس، وذلك في 18 سجناً يوجد فيها نحو ألفي معتقل.
وبعد أيام من تقرير هيومان رايتس ووتش، وأسوشييتدبرس تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو للمواطن اليمني علي كردة، أحد ضحايا سجون الحزام الأمني في عدن التي تديرها دولة الإمارات؛ حيث ظهرت على جسده آثار التعذيب الذي تعرض له، مما يؤكد تقارير إعلامية نشرت مؤخراً عن تلك الانتهاكات.
وظهر علي كردة، وهو مواطن من محافظة أبين جنوبي اليمن، في الصور التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي والناشطون، ليوثق ما تعرض له من تعذيب بإطفاء السجائر في جسده والضرب بأدوات معدنية أثناء اعتقاله لدى قوات الحزام الأمني في عدن التي تدار من قبل قوات أبوظبي هناك، رغم التعتيم والإظلام التام الذي تمارسه أبوظبي على حال السجناء والمعتقلين والمختفين قسرياً، الذين يكتظ بهم ملفها الحقوقي، ورغم دفع ملايين الدولارات كتعويضات، تأبى الحقائق إلا أن تتكشف، لتصفع المدعين، وأولئك الداعين لـ «رسم الابتسامة».
copy short url   نسخ
23/08/2017
1333