+ A
A -
مثيرون للغثيان وللشفقة كذلك. بائسون حد الفجيعة. «نخب» عربية تتصدى للشأن العام وتلقي المواعظ شمالا ويمينا. ثم فجأة تنفتح قريحتها على شتم بلد عربي، أي بلد عربي، في مثال على الاسفاف والنفاق للسياسة القائمة التي تطربها الشتائم. ما أقسانا نحن العرب على بعضنا البعض!
ترى أين نحن من شعوب متمدنة تظاهر الالاف منها في مطلع الاسبوع في مدينة هامبورغ الالمانية للاحتجاج على قمة مجموعة العشرين التي تعقد في المدينة الاسبوع المقبل بمشاركة الرئيس الاميركي دونالد ترامب للمرة الاولى.
العامّة والنخب على حد سواء في الشعوب المتمدنة يطالبون قمة العشرين بـ«احترام البيئة وتوزيع عادل للثروات في المانيا والعالم اجمع»، اضافة إلى «تجارة دولية عادلة وانقاذ المناخ» وتعزيز الديمقراطية».
اميركا التي تنصلت مؤخرا من اتفاقية المناخ واثارت فزعا في العالم المتمدن بفعلتها تلك، لم يشتمها المتظاهرون في المانيا. اكتفوا بوصف السياسة واعتبروها غير اخلاقية وغير إنسانية. لم يقتربوا من ذكر البلد أو الناس أو الثقافة. ذلك الشتم الذي يستسيغه بعض اهل اللسان العربي لا يجد له متسعا في العالم المتمدن.
مرد ذلك هو الثقافة الجمعية للنخب والعامة. لا احد يطلق العنان للسانه لكي يذم بلدا مهما كانت سياسة هذا البلد مناوئة لمصالحهم واحلامهم.
احد المشاركين في تظاهرة هامبورغ قال كلاما يصلح ان يُدرّس لبعض «النخب» العربية السياسية والثقافية على حد سواء. قال «نحن هنا لدعم معارضي قمة مجموعة العشرين، والمطالبة بتجارة منصفة، ورفض «الاتفاقات الكبيرة مثل معاهدة التبادل الحر بين الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة أو بين الاتحاد الاوروبي وكندا. نحن هنا لا القمة لا تهتم سوى بالمال».
هذا كلام يقدمه ناشط لقادة الدول الاكثر فعلا في الاقتصاد العالمي. هو لم يجرفه الشطط والغلو ليقذف بلدانا وشعوبا باكملها. هو مثقف بشكل عميق بحيث يستقر احترام الآخر لديه بصفته ثابتا لا يتزحزح. ترى ما الذي افضى اليه الإنسان المتمدن وإنساننا العربي عموما؟!
يقول صديق وكأنما كان يجيب على هذا التساؤل: فرحتنا السوداء بالقضاء قريبا على تنظيم داعش في الموصل اقتصرت على البسمة. لم أرقص انتصارا لهزيمة عصر السبايا ولم أدبك لرفع المشانق من على الجسور، ولم أطرب لعودة الأطفال للقراءة والكتابة بعد أن كانوا وزناً إضافياً يضاف للمفخخات كتمويه وكزيادة منسوب الدم، ولم أحتفِ كما يجب بأنه أصبح للأهالي الحق بدفن جثث أطفالهم ونسائهم بقبور منفردة، وأنه يحق لهم تسبيل عيونهم وتلقينهم.
الحروب تنتهي بين الدول، التي قد تنهزم، أو تستسلم. تتفاوض وتتصالح وينتهي الأمر، كما اليابان والمانيا وصربيا وكل بلاد الواق واق، لكننا هنا نحن العرب لسنا أمام هزيمة دولة. إننا في مرحلة تحوّل دولة من شكل إلى شكل آخر كما قوانين الطاقة. إنها ستتحول وستصبح أشرس، جدتها القمعية ارتكبت فظائع وفضائح قبل قرون. اما الدولة العربية اليوم التي ظهرت فور إنتهاء الحرب العالمية فقد ارتكبت مخازي بزّت بها الأولى، فضاعت بلدان وبلدان بأفعالها السوداء.
السواد باقٍ وسيتمدد ما دام ينتشر كالنار في ربوع العقل العربي. خطيب مفوه يلوي عنق التاريخ ليقدم وجبة إغواء لحامل عقل موقوف العمل فيه إلى اشعار آخر.
نعم؛ هنا هي الكارثة في وقف العمل في العقل الذي يترك ليصيغه الشتامون والرداحون والمنافقون وخطباء يتلقون الاوامر «من فوق» لفتح النار على كل شيء يربط العربي بالعربي. حتى لكأن الديكتاتور اصبح هو الدولة التي تقتضي مصلحتها اعدام كل المعارضين والخصوم.
ليس في مقدور أي سياسي غربي أن يجنّد بطانته لشتم وسب خصومه في أي مجال كان. وكذا الدولة المدنية الحديثة لا تستطيع ان تنكص إلى الخلف لاستدعاء خطاب القرون الوسطى لحل الخلاف السياسي. الغريب ان كثيرا من نخبنا تثني على المدنية الغربية التي نهضت بامم نقول نحن العرب اننا اسهمنا في تقدمها بموروثنا الفلسفي والجدلي، حتى لكأننا اليوم منبتون عن هذا الارث تماما.
في العالم المتمدن، تندهش النخب المثقفة من ان العرب انتجوا فكرا وفلسفة وعلم اجتماع بمستوى ما ابقاه ابن خلدون وابن رشد والفارابي. هم يتساءلون: هل يعقل ان لهؤلاء صلة دم أو قربى فكرية وجغرافية باؤلئك الأعلام الذين اناروا الطريق للعقل البشري؟!.
copy short url   نسخ
07/07/2017
1325