+ A
A -
كتبت- أماني سامي
نراهم في كل مكان، بعضهم فقد نعمة البصر وبعضهم الآخر فقد نعمة السمع، وآخرون فقدوا نعمة الحركة بشكل طبيعي، وتظل بعض هذه الإعاقات الجسدية أقل قسوة من فقدان نعمة العقل أو فقدان التوازن النفسي.
وقد اعتدنا أن نطلق على من رمتهم الأقدار بهذه «المآسي» صفة «المعاقين»، وإن كان البعض يرفضون هذه الكلمة ويستبدلونها بعبارة «الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة».
وإذا كان الناس متفقين على حق المعاق بالحياة والحب والصداقة والرعاية والعمل والإبداع والعلم، إلا أنهم يختلفون حول حقه في الزواج والإنجاب وبناء الأسرة، واضعين أسباب الرفض على نظرة المجتمع والأسرة تجاه هذه الفئة، ولهذا أقامت الجمعية القطرية لذوي الاحتياجات الخاصة ندوة تحت عنوان «زواج الأشخاص ذوي الإعاقة بين خوف الأسرة ورفض المجتمع».
وتقول الدكتورة أسماء العطية، أستاذ ورئيس قسم العلوم النفسية جامعة قطر،: إن المجتمع اعتمد على ترسبات قديمة توحي بأن ذوي الاحتياجات الخاصة حسب المسمى الحديث والتي كان يطلق عليهم «معاق» أو «معوق» بل وأسماء وألقاب أخرى نهى عنها ديننا الحنيف اعتمد هذا المجتمع على المرجعية العاطفية في تقرير نظرته تجاه هذه الفئة، وترسخت بذلك تلك النظرة التي تحرم ذوي الاحتياجات الخاصة من حقهم الشرعي والنفسي والمجتمعي بالتعاطي مع الحياة بكل أحداثها، مما جعل تحركهم مع أحداث الحياة والتعامل مع مجريات الأمور اليومية محدوداً ومنقوصاً بدرجة أثرت بشكل مباشر على تعاطيهم مع أبسط أمور تلك الحياة الطبيعية وهي «الزواج»، على سبيل المثال، ولم يفرق المجتمع بين بعض القصور الجسدي الذي قد يكتبه الله على بعض عبادة وبين القصور العقلي، والذي بالتأكيد هو مختلف كامل الاختلاف عن القصور الجسدي والذي يوجب بأن يكون هناك تفعيل للدور التوعوي عبر محاضرات لطلبة وطالبات المدارس، وتفعيل دور الإعلام من خلال إضافة أدوار في المسلسلات أو البرامج التي يهتم بها المجتمع بالدور الإيجابي الذي يستطيع ذوو الاحتياجات الخاصة القيام به، وأيضاً من خلال النشرات والمؤتمرات والندوات المتلفزة والمنقولة لكي يشاهدها أفراد المجتمع لزيادة جرعات الوعي، وإدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في العمل وسوق العمل وتحديد نوعيات من الأعمال التي تتناسب مع وضعهم ليقوموا بتغطيتها بالشكل المطلوب من الجنسين.
الأثر النفسي والاجتماعي
وعن أثر زواج ذوي الاحتياجات الخاصة على الشخص نفسه وعلى المجتمع.. أضافت: لو أخذنا الموضوع من الجانب النفسي لدى الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة لوجدنا أنهم يفرزون سلوكيات طبيعية جداً مثلهم مثل بقية الأفراد في ذلك المجتمع داخل بيت الزوجية لكن يبقى أن نعي تماماً أن أي إنقاص من قبل أحد الزوجين أو أفراد عائلاتهم لذلك الفرد سيؤدي إلى حالة استئساد ونفور وعدم رضى بأن ينعت بأن هناك قصوراً في واجباته الشرعية أو المنزلية بسب حالته ووضعه الجسدي، لأن ذلك إنقاص منهم وهو ما لا يقبله البشر عموماً بطبعهم الفطري.
أما الأثر الاجتماعي بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة ولكن القصور لديهم في الناحية الجسدية، فهم بشر أسوياء عقلياً وفكرياً، ولنا مشاهدات عدة من خلال إطلاعنا على بعض الأشخاص الذين قدر الله عليهم بهذه النعمة، وقد أبلوا بلاءً حسناً في ميادين الإنتاج والعمل والفكر وتزوجوا وأنجبوا أطفالاً أسوياء أيضاً، وعليه فإن الأسرة التي يكون أحد أفرادها من ذوي الاحتياجات الخاصة هي الأساس في دعمه ومساندته وتشجيعه، وبأنه لم يفقد العقل الذي هو أساس الكينونة البشرية، مما يجعل من هذا الفرد عاملاً فاعلاً متمماً لأدواره الحياتية المناطة إليه، وبالتالي يجد هذا الفرد نفسه وقد أخذ مكانته الاجتماعية اللائقة به كمخلوق سوي لا ينقصه سوى بعض الاحتياجات التي يمكن أن يسانده في تنفيذها المجتمع ككل.
وتحدثت الدكتورة وفاء اليزيدي، مدير إدارة التأهيل بمؤسسة حمد عن الجانب الطبي،: ذوو الإعاقة مثلهم كمثل أي شخص يرغبون في التواصل مع الآخرين والتزاوج حالهم حال الآخرين الأصحاء.
هناك حالات عدة من ذوي الإعاقة تزوجوا وكونوا حياة مستقرة كالتوحد البسيط والأمراض النفسية وأثبتت الدراسات أن مرضى الاكتئاب والانفصام من أكثر الحالات نجاحاً في الزواج، مؤكدة ضرورة تزويجهم في عمر صغير حتى يتسنى لأسرهم رعايتهم والاهتمام بهم.
وهناك أحد المعاقين عانى كثيراً في مسالة الزواج ولكنه الآن متزوج وأنجب الأطفال ويعيش حياة مستقرة، فنعم لزواج المعاقين.
في سياق موازٍ تحدث الشيخ ناصر الهاجري، المأذون الشرعي وأخصائي قانوني بمركز وفاق،: الكثير من ذوي الإعاقة تفوقوا في جميع ميادين الحياة أدبياً وعلمياً بل ورياضياً، فليس صعباً عليهم أن يتفوقوا في الزواج، ولكن المشكلة تتضح في ثقافة المجتمع العقيمة تجاه هذه الفئة، فعلى سبيل المثال مشكلة الطلاق التي زادت نسبتها إلى 70% سببها ثقافة المجتمع وعدم وعي الزوجين بهذه المرحلة المهمة في حياتهما وعدم وعيهما بواجبات كل فرد تجاه شريك حياته.
وفي حال زواج الشاب من فتاة من ذوي الاحتياجات عليه أن يوقع على إقرار بأنه على علم بإعاقتها وحالتها الصحية كاملة حتى لا يأتي في منتصف مسيرة الزواج ويعلن تراجعه، منوهاً إلى ضرورة إقامة حملة وطنية مكثفة تناقش القضية وتوعي الناس.
وتقول الدكتورة هادية بكر، من مركز الاستشارات العائلية،: من المهم أن تتغير رؤية المجتمع ككل للمعاق وتقبله، وأن يتم التعامل معه كشخص عادي مثله مثل باقي أفراد المجتمع، ولا يتم هذا الشيء إلا بتنشئة الأبناء منذ صغرهم على تقبل الآخر من ذوي الإعاقة، وأشارت بكر إلى أن الأشخاص من ذوي الإعاقة لديهم القدرة على إنجاح المهام الموكلة إليهم رغم إعاقتهم، وأكدت أن الإعاقة ليست السبب الأوحد في فشل أي علاقة زوجية، بل هناك عوامل أخرى تؤدي إلى فشل الزواج كالاعتقادات والمفاهيم التي بنيت عليها شخصية الفرد، فهناك نماذج ناجحة جداً من زواج ذوي الإعاقة، ربما تكون أنجح في بعض الأحيان من زواج الأسوياء. وأضافت: قد يكون السبب في رفض الارتباط بذي الإعاقة، الصعوبة في تقبل كيفية ممارسة الشخص المعاق للحياة الطبيعية والقدرة على تحمل المسؤوليات الأسرية، مشددة على أهمية توجيه رابط الزواج نحو النجاح بمعاييره المختلفة والتي لا تستند فقط على الشكل الظاهري، وإنما على العوامل المجتمعة الأخرى التي تؤدى للشعور بالسعادة والإحساس بالاستقرار.
ويؤكد المستشار القانوني، فهد المحمدي، أهمية تغيير نظرة المجتمع القاصرة تجاه زواج ذوي الإعاقة الجسدية، والذي يكفله القانون والشرع، لافتاً إلى أن الرفض المجتمعي يهدر حقوق ذوي الإعاقة في استكمال حياتهم الاجتماعية ببناء أسرة ويظلم فئة مهمة وتحظى بالرعاية الكاملة من مؤسسات الدولة.
وقال: المجتمع يحتاج إلى تثقيف وتوعية حقيقية بأهمية الزواج من ذوي الإعاقة وعدم الوقوف في طريق أحلامهم وأمانيهم، التي شرعتها كل القوانين والأحكام والأديان. وأضاف: لابد من تنظيم قانون زواج الأجانب وتفعيله بشكل صحيح، فهذا الأمر ييسر على ذوي الاحتياجات الخاصة في مسألة الزواج.
من جهته يقول طالب عفيفة، عضو مجلس إدارة الجمعية القطرية لذوي الاحتياجات الخاصة،: جميع المجتمعات بشكل عام تختلف في ما بينها في نظرتها لزواج الأشخاص ذوي الإعاقة، والأمر الملاحظ أن معظم التشريعات والقوانين المتعلقة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع الدول قد نصت على حق الأشخاص المعاقين بالزواج وتكوين أسرة.
وأشار إلى أن البعض يعتبره إنساناً غير مكتمل ولا يحق له الزواج والإنجاب وأنه إنسان غير منتج أو مبدع رغم أن الأساس في الإنسان هو عقله وقدرته على الإبداع.
وقال: هناك عدة اتجاهات في مجتمعاتنا العربية حول زواج الأشخاص ذوي الإعاقة، ويعتمد الأمر كثيراً على مستوى الوعي والتطور الذي وصلت إليه المجتمعات، فهناك مجتمعات للأسف مازالت تسود فيها النظرة السلبية لذوي الإعاقة وفي قدرته على تكوين أسرة وتنشئة الأطفال وتربيتهم، بالمقابل هناك مجتمعات أكثر تطوراً وبالتالي أكثر تقبلاً لفكرة زواج ذوي الإعاقة، ولكن بشكل عام هناك بعدان أساسيان في زواج الأشخاص ذوي الإعاقة الأول هو زواج ذوي الإعاقة من شريك سليم جسدياً، والثاني هو زواج فئات محددة من المعاقين.
وأضاف: إن زواج المعاقين عادة ما يواجه بالرفض من الأهل، وذلك بسبب حرصهم على ابنتهم وخوفهم عليها من المعاناة التي قد تجنيها من الزواج بشخص معاق، لكن مؤخراً أصبح لدى الفتيات وعي في مسألة الارتباط بالأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، مع تطور نظرة المجتمع للشخص المعاق ونتج عن ذلك بعض الزيجات التي يشار لها بالبنان، وقد شرع الله تعالى الزواج لعمارة الكون، والحفاظ على النسل وهناك مقومات خاصة وضعت للزواج لضمان زواج ناجح وحياة مستقرة وفق ما تقتضيه نصوص الشريعة الإسلامية والديانات السماوية الثلاث للحفاظ على كيان الأسرة وضمان استمرارية الجنس البشري، ومن المعروف أن الزواج هو عماد بناء الأسرة وهو النواة الأولى في المجتمع الإنساني وبقدر ما تبنى الحياة الزوجية على أسس سليمة بقدر ما يحفظ ذلك لها الاستمرارية والتماسك والتجانس والتفاعل وكلما كان بناء الأسرة أشد تماسكاً وترابطاً وقوة أدى ذلك إلى استقرار الحياة ودوامها واستمراريتها، ولهذا نكثف من جهودنا لتوجيه برامج مهمة للأسرة لزيادة التوعية تجاه هذه الفئة المهمة التي تعد جزءاً لا يتجزأ بالمجتمع، مشيراً إلى أن الجمعية ترعى ذوي الإعاقة بعد الزواج بشكل دوري من خلال صرف مبلغ شهري له لتساعده في حياته الزوجية.
وتحدث الإعلامي والكاتب أحمد المهندي قائلاً: نحن في مجتمع مازالت فيه بعض العائلات ترفض تزوج بناتها لعائلات اقل منها في المنصب والحسب، حتى اللون والجنسية فما بالك بالإعاقة، إن هذا أمر جلل ويستحيل بالنسبة لهم، وأردف قائلاً: القانون التشريعي أغفل حق ذوي الإعاقة في الزواج والدولة لم تقدم بعد الدعم الكافي لهذه الفئة بما يضمن لهم حياة كريمة، حتى قانون الــ 2% في توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة لم تفعله بعد الكثير من الوزارات بالدولة إلا من رحم ربي، ولهذا نحتاج تكثيف مثل هذه الندوات وللإعلام دور كبير في تسليط الضوء على هذه القضية، كما أن لخطباء المساجد دوراً أساسياً في طرح القضية على المنابر، كما لابد من تشريع قوانين في صالح ذوي الإعاقة كإعطائهم بيتاً بعد الزواج لتسهيل حياتهم.
وتقول الكاتبة موزة آل إسحاق: دائماً في جميع الندوات نجد التركيز على الجانب السلبي، فلمّ لا يتم التركيز على الجانب الإيجابي وخاصة نحن دولة تهتم بذوي الإعاقة وتكفل حقوقهم، مؤكدة أهمية دور الإعلام في تثقيف الأسر والرفع من الوعي لديهم.
copy short url   نسخ
23/05/2017
6300