+ A
A -
الخرطوم - الوطن- محمد عبدالعزيز
كشفت دراسة حديثة عن أن التغيرات المناخية ستؤدي إلى زيادة التباين في حجم تدفقات مياه نهر النيل من جفاف في بعض السنين تعقبها فيضانات في سنوات أخرى يعقبها جفاف وهكذا، ولكن النهر سيشهد زيادة عامة ومحدودة في متوسط تدفق المياه.
ووفقاً للدراسة التي أجراها فريق من الباحثين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا فإن تغير المناخ قد يزيد بشكل كبير من التباين في حجم الإنتاج السنوي للنيل، وهو ربما يزيد من أهمية إنشاء السدود، لا سيما لدول حوض النيل الشرقي مصر والسودان وأثيوبيا.
استندت الدراسة الجديدة على مجموعة من النماذج المناخية العالمية، وسجلات لمعدلات هطول الأمطار، وتدفقات مياه النيل خلال النصف الأخير من القرن الماضي.
الدراسة التي نشرت في دورية (NATURE CLIMATE CHANGE) المتميزة من قبل أستاذ الهندسة المدنية والبيئية د. الفاتح الطاهر، أستاذ كرسي الهايدرولوجي والمناخ في معهد ماسشيوستس للتكنولوجيا، ود. محمد صيام، الباحث في نفس المعهد، خلصت إلى أن ظاهرة الاحتباس الحراري أدت لتزايد في كثافة ظاهرة (النينو) على منطقة المحيط الهادئ وهو ما تسبب في تغير معدلات الأمطار السنوية في الهضبة الأثيوبية وأحواض النيل الشرقية التي تمثل المصادر الرئيسية للنيل الأزرق الذي يغذي مجري النيل بنحو 80 % من المياه.
فيما يقول المدير السابق لمعهد الدراسات البيئية بجامعة الخرطوم بروفسير ميرغني تاج السيد إن النيل يعتبر من أضعف الأنهار من حيث منسوب المياه ويضيف تاج السيد في حديثه لـ(السوداني): «تاريخياً عرف النيل بتذبذب مناسيبه تبعاً للأمطار في الهضبة الأثيوبية وهضبة البحيرات».
يأتي حوالي 86 % من مياه النيل من الهضبة الأثيوبية، بينما تساهم البحيرات الاستوائية بحوالي 14 % فقط، وتٌقدّر كميات مياه النهر التي تصل أسوان سنوياً بحوالي 84 مليار متر مكعب، وهذا يجعل نهر النيل من أضعف وأقل الأنهار مياهاً في العالم مقارنةً بمساحة حوضه وطوله وعدد دوله وتساوي هذه المياه 2 % من نهر الأمازون.
المشكلة الكبرى
يمثل الضُعف النسبي في وارد المياه السنوي المشكلة الكبرى لنهر النيل ودوله وشعوبه، خصوصاً مع الزيادة المطردة للسكان والاحتياجات المائية المتنامية لهم، بشكل يتزامن مع التغييرات المناخية والتدهور البيئي في دول الحوض.ومن المتوقع أن يتضاعف عدد السكان في دول حوض النيل بحلول عام 2050 ليصل لنحو مليار، وستؤدي الزيادة لتنامي الطلب على المياه.
يقول أستاذ الهندسة المدنية والبيئية د.الفاتح الطاهر: «إن مواسم الفيضانات كانت مثار اهتمام الحضارات الإنسانية في هذه المنطقة لآلاف السنين»، ويضيف الطاهر: «إن التعرف على تأثيرات ظاهرة (النينو) على أمطار الهضبة الأثيوبية يساعد على التنبوءات الموسمية لمنسوب النيل، وهو يمثل أهمية كبيرة للتخطيط لتخزين المياه الموسمي في السدود، كما أنه من المتوقع أن يسهم في توفير معلومات مهمة في رسم الاستراتيجيات المائية فيما يتعلق بوضع وتشغيل السدود الجديدة والقائمة» بما في ذلك سد النهضة الأثيوبي، الذي يثير جدلاً بين أديس أبابا، والخرطوم والقاهرة حول كيفية ملء الخزان.
تباين كبير
وجدت الدراسة باستخدام مجموعة متنوعة من النماذج المناخية العالمية تحت عنوان «سيناريوهات العمل كالمعتاد»، على افتراض أن تخفيضات كبيرة في انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري لا تأخذ مكاناً، وجدت الدراسة أن أنماط هطول الأمطار تحدث تغييراً من شأنه أن يؤدي على الأرجح إلى زيادة متوسط التدفق السنوي لنهر النيل من 10- إلى 15 %.. وهذا يعني ارتفاعاً في النسب الحالية 84 كيلو متراً مكعباً في كل عام إلى نحو 92 كيلو متراً مكعباً سنوياً كمتوسط خلال القرن الـ21، مقارنة بالمتوسط في القرن الماضي.
في ذات الوقت تشير النتائج إلى أن النيل سيشهد انحساراً في بعض السنوات، لتنخفض وارداته السنوية من المياه عن 70- كيلو متراً مكعباً، في مقابل فيضانات تتجاوز بعض الأحيان 100 كيلو متر مكعب.
ويمكن الإشارة هنا لتأثيرات ظاهرة (النينو) لما حدث على مدى العامين الماضيين، حيث شهد العام 2015 جفافاً في حوض النيل، بينما شهد العام 2016 فيضانات عالية.
فيما يقول الخبير في قضايا المياه د. سلمان محمد سلمان إن النيل سيواجه تقلبات مناخية كبيرة بسبب التغيرات المناخية، ويشير سلمان إلى أن الزيادة السكانية ساهمت في التدهور البيئي في معظم دول العالم، خصوصاً خلال القرن الماضي وفي الدول النامية التي ليس لها قوانين دقيقة لحماية البيئة، أو لها قوانين ولكن لا أحد يلتزم بها، أو لا تُوجد إرادة أو جدّية كافية لمتابعة التنفيذ.. وقد نتجت من هذا التدهور البيئي، ومن التصنيع المكثّف في الدول المتقدمة، تغييراتٌ مناخية حادة تمثّلت في الفيضانات المدمّرة وكذلك الجفاف الذي يزحف تدريجياً في معظم أنحاء العالم، خصوصاً في إفريقيا وآسيا.. وقد ساهم التدهور البيئي والتغييرات المناخية بدورها في زيادة الهجرة من الريف إلى المدن بسبب تدهور وضعيّة الزراعة والرعي في الريف نتيجة الجفاف.
يعود الطاهر ليقول: «إن معرفة التغيرات المُحتملة يمكن أن تساعد المخططين لاتخاذ الترتيبات المناسبة عن طريق التخطيط لتخزين المياه في سدود مناسبة ليتم الاستفادة منها عند الحاجة».
فيما يقول أستاذ علم الأرض والكواكب بجامعة جونز هوبكنز بن زايتشيك: «هذا التباين الكبير في مستويات متوسط هطول الأمطار بفعل التغييرات المناخية من الممكن أن يتسبب في مشكلة حقيقية لدول حوض النيل الشرقي في حالة استمراره لفترات طويلة»، ويضيف بن زايتشيك لدورية (NATURE CLIMATE CHANGE) الذي لم يشارك في الدراسة: «هناك حاجة لضمان الأمن المائي عبر استراتيجيات إدارة البنى التحتية للدول المعنية تلافياً لأي توتر من الممكن أن يحدث جراء هذه الظاهرة».
الطاهر الذي عمل منذ وقت مبكّر ولأكثر من عشرين عاماً على دراسة ظاهرة (النينو) وتأثيراتها على نهر النيل، يقول: «الآن يتم إصدار توقعات الفيضانات الموسمية في دول حوض النيل الشرقي باستثمار تأثيرات (النينو)، وهو ما يعطي مهندسي الموارد المائية وقتاً كافياً لاتخاذ ما يلزم»، ويمضي الطاهر في حديثه ليضيف: «نأمل في أن تسهم الدراسة الجديدة في الحد من حالة اللايقين عن تأثير التغير المناخ على مياه النيل، والتي كنا نعيشها قبل إجراء هذه الدراسة، وهو ما يسهم في تطوير عمليات التخطيط المائي على المدى الطويل».
التأثيرات المُحتملة
ويشير الطاهر إلى أن هذه الدراسة تشير إلى أهمية التركيز على التأثيرات المُحتملة للتغير المناخي والنمو السكاني السريع وهو ما يشكل العوامل المهمة في التغييرات البيئية لدول حوض النيل، ويزيد الطاهر أيضاً: «نعتقد أن تغير المناخ يستدعي تبني أولويات بيئية مختلفة، فالقضايا الحقيقية التي تواجه دول حوض النيل، من زيادة في عدد السكان وتغير مناخي، أكبر من الجدل الحالي حول كيفية التخزين في سد النهضة».
فيما يدعو ميرغني تاج السيد دول حوض النيل الشرقي لإعادة النظر في الاستراتيجيات المائية استناداً لمبدأ التكامل الثلاثي لتحقيق التنمية المستدامة..
ومهما يكن من أمر فإن الدراسة الأخيرة اعطت تصورات مستقبلية لمناسيب نهر النيل خلال السنوات القادمة وهو ما يمثل أهمية كبيرة بالنسبة للاستراتيجيات المائية لدول حوض النيل لاتخاذ سياسات وتدابير تتلاءم مع التغييرات المناخية والزيادة السكانية والتقلبات الكبيرة التي ستعتري نهر النيل.
copy short url   نسخ
20/05/2017
4184