+ A
A -
غالبًا ما يبدأ التعارف بين الأشخاص بتبادل أسمائهم؛ لأن كل اسم يمثّل هوية حامله. هذا ما أدركته السيدة منيرة حمد المعاضيد أثناء عملها بالعاصمة الأميركية، واشنطن، كمتدربة في مؤسسة قطر الدولية، عضو مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، التي تسعى لنشر الثقافة واللغة العربية ومدّ جسور التواصل بينها وبين الثقافات الأخرى.
ومن هنا، طرأت للسيدة منيرة فكرة بسيطة ورائعة في آن معاً، وهي صنع عجلة يدوية تقارن الأحرف الإنجليزية بمثيلاتها العربية، لتمكين غير الناطقين باللغة العربية من كتابة أسمائهم بها.
وانطلاقًا من هذه الفكرة، ومرورًا بابتكار عجلة ترجمة الأحرف، ووصولاً إلى طرح تطبيق جوال، حلّقت السيدة منيرة على متن بساط طائر، ارتقى بها وبابتكارها للفوز في قمة الجوائز العالمية لأفضل تطبيق جوال، في رحلة مدهشة تبرهن أن الإبداع والعزيمة عنوان للنجاح. وفي هذا الصدد، قالت السيدة منيرة: «خلال فترة تدربي بمؤسسة قطر الدولية، تفاعلت كثيراً مع مهمتها الرامية لتعليم اللغة العربية للأطفال، كما لاحظت الصعوبات البالغة التي كان يواجهها المدرسون في التعريف باللغة العربية وأبجديتها، وهو ما أشعرني بالحاجة الملحة لإيجاد وسيلة تبسّطها وتقربها إلى قلوب الطلاب». وأضافت: «عدت بالذاكرة إلى أيام دراستي الجامعية في مجال تصميم الجرافيك، وبالتحديد إلى عجلة الألوان التي طالما استخدمتها، حيث صممت عجلة مشابهة تقارن الأحرف العربية وطريقة نطقها بمثيلاتها في اللغة الإنجليزية.. وهذه كانت بداية مدار الحروف».
ويساعد تطبيق «مدار الحروف» للهاتف الجوال في تعريف الناطقين بلغات أخرى على الأبجدية العربية من خلال عجلة ترجمة الأحرف التفاعلية. ويسمح التطبيق لأي شخص بكتابة اسمه من خلال مقارنة الأحرف الإنجليزية وأسلوب نطقها بمثيلاتها في اللغة العربية. وقد ساهمت عجلة ترجمة الأحرف في تعريف الطلاب في كافة أنحاء العالم على اللغة العربية، وجعلت حروفها مألوفة لديهم، وهو ما عزز من التواصل والتفاهم بين الشعوب والثقافات المختلفة.
ويعتمد هذا التطبيق على مفهوم عجلة اللغة، الذي صممته السيدة منيرة، وهي مصممة جرافيك قطرية تخرجت في جامعة فرجينيا كومنولث في قطر، إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع.
وحول فوز تطبيقها الجوال في قمة الجوائز العالمية، تقول منيرة: «عندما سمعت بهذا الخبر، شعرت بالإثارة والفخر؛ لأنني صممت أداة لا تبرز موهبتي كمصممة جرافيك فحسب، ولكنها تسلط الضوء على وطني الحبيب قطر، كما أنها تسمح بنشر اللغة العربية، وهي لغتي الأم».
وأضافت: «تبرهن هذه الجائزة على كيفية مساهمة الحماس والدأب والدعم الصحيح في تحويل فكرة صغيرة إلى ابتكار عالمي. إن «مدار الحروف» هو أول ابتكار تفاعلي شخصي حصلت نتيجة له على أول براءة اختراع في الولايات المتحدة الأميركية. لقد شهدته ينمو ويترعرع ويتطور على مرّ السنوات، من عجلة يدوية استخدمت في صفوف دراسة اللغة العربية إلى تطبيق جوال في متناول المستخدمين أينما كانوا».
وبخلاف الأيام الغابرة، حينما كان المبتكرون يعملون على تطوير اختراعاتهم دون الحصول على دعم خارجي يذكر، تتطلب الطبيعة التكنولوجية المعقدة لمنتجات اليوم تلقي التمويل والمشورة والمساعدة في كافة المراحل. وقد وجدت منيرة في مؤسسة قطر خير سند لها لتطوير فكرتها وتحويلها إلى منتج. وتوجهت منيرة بالشكر إلى مؤسسة قطر على تبنيها لفكرتها، ودعمها غير المحدود، قائلة: «أنا في غاية الشكر والعرفان لمؤسسة قطر لقيامها، عبر مؤسسة قطر الدولية، بتطوير فكرتي وتحويلها إلى منتج بات اليوم مستخدماً في أنحاء عديدة من العالم. لقد سمحت لي دراستي في جامعة فرجينيا كومنولث في قطر، ومن ثم فترة التدريب التي حصلت عليها في واشنطن، بالتطور والتفكير المبدع وبالتالي إيجاد حل ناجع لمشكلة عالمية». واستطردت قائلةً: «لقد عملت مؤسسة قطر الدولية بكد من أجل التعريف بابتكاري، حيث نظمت العديد من العروض حوله، كما وزعته في العديد من المدارس. واليوم باتت آلاف من عجلات اللغة مستخدمة في الكثير من المدارس حول العالم. كما وفّر العمل مع مؤسسة قطر الدولية لي واحدة من أطيب ذكرياتي، ألا وهي لقاء صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر شخصياً في نيويورك عام 2012، حيث استخدمت سموها عجلة اللغة أمام أطفال مدرسة هارلم الابتدائية، لتعريفهم بالأبجدية العربية وطريقة نطق أحرفها».
وبعد هذا النجاح الباهر، ما لبثت مؤسسة قطر الدولية أن اتصلت بمنيرة، من أجل تطوير العجلة وتحويلها إلى أداة تعليمية متكاملة، يُمكن استخدامها داخل صفوف الدراسة وخارجها. وتطلبت المرحلة الأولى من تطوير هذا الاختراع تأليف دليل استخدام ومنهج لمدار الحروف يمكّن المعلمين من استعماله في صفوف الدراسة. ولهذا الغرض، تعاونت منيرة عن كثب مع معلمتين للغة العربية في مؤسسة قطر الدولية، وهما فاطمة عبد الكاظم ونور جندلي، بمدينتي واشنطن وتوسون، مما جعل من تطوير العجلة تجربة تعاونية بامتياز.
وفي المرحلة التالية، قررت منيرة ومؤسسة قطر الدولية رقمنة هذا الابتكار، كونه سيتيح له بالفعل المجال الرحب للتوسع والانتشار. ومن هنا، فقد عمل الجميع مع معهد قطر لبحوث الحوسبة، أحد المعاهد التابعة لجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، من أجل تطوير تطبيق جوال يُحمّل على الآي تيونز. وبعد ذلك، تطور التطبيق أكثر ليسمح للمستخدم بسماع صوت كل حرف، وكتابة اسمه رقمياً في وسائل الإعلام الاجتماعي.
ويُعد هذا التطبيق نموذجاً مثالياً لكيفية استثمار فكرة مبدعة، وتطويرها على مراحل عدة، لتعود بالمنفعة على المجتمع. وحول الغرض من ابتكارها، تقول منيرة: «كأداة يدوية ومن ثم رقمية، يسعى مدار الحروف إلى بناء جسر ما بين الثقافات. وتؤدي العجلة هذه المهمة على أكمل وجه، كونها تتميز ببساطتها وقدرتها على التعريف باللغة العربية، بدءاً بكتابة اسم الشخص المعني». وتضيف: «أعتقد بأن هذه العجلة قد يسرّت التواصل إلى حد كبير، وكسرت الحواجز اللغوية، حيث بات بإمكان المستخدمين التعريف عن أنفسهم ونطق أسمائهم بالعربية».
ولا تتوقف مسيرة الإبداع والابتكار لدى منيرة عند «مدار الحروف»؛ نظراً لتصميمها على إظهار ما يمكن لأبناء وبنات قطر تحقيقه عندما تتوفر لهم الإرادة والموارد الضرورية. وتتطلع منيرة إلى الغد بثقة وتفاؤل، وهي تطمح للحصول على درجة الماجستير في تصميم المنتجات. ومن يدري، فقد تحلّق بها هذه الدراسة على بساط طائر آخر، يرفع اسمها واسم دولة قطر عالياً على منابر العلم والابتكار.
copy short url   نسخ
03/05/2017
1666