+ A
A -
لن تقاوِم هيبتَه، ولا رائحتَه، فعبقُ التاريخ ينتفض ليتغلغل في زوايا قلبِك، سيهيج بك الحنين لذلك الزّمن القديم، ستشمّ ذلك العبق وتلمسه في وجوه الحجارة والجدران، فما البال إن كان على أهبة الاستعداد لاستقبال الأيام الأولى من شهر رمضان؟
سوق الزّاوية، الواقع بين شارعيِّ عمر المختار والوحدة وسط غزّة، يعدّ واحداً من الأسواق الأثرية التي أقيمت في البلدة القديمة بغزة، والذي تعجّ شوارعه وزواياه بالمتسوقين والباعة من كل أنحاء قطاع غزّة، حيث يتوفّر فيه كل ما يمكن أن يحتاجه الغزيّ.
الوطن جابت السّوق ودارت بين زواياه والتقت بالباعة والمتسوّقين لتضع بين يديكَ الصّورة الغزيّة..
قبل أن تتعمّق داخل السّوق، تتسلّل لمسامعِك أصوات الأغاني الرمضانية تتصدّرها «هلّ هلالك يا رمضان» و«وحوي يا وحوي..» و«رمضان جانا» لتسوقُك قدماك إلى الدّاخل وإن لم تكن لديك نيّة، فيقابلك بائع الزينة وفوانيس رمضان سعيد البيطار «35 عاماً»، وقد وشّحت الابتسامةُ ملامحَه وكلماتِه رغم تصبّب عرقِه والتفاف الناس من حولِه، كلٌّ يسأل عن سعر الفانوس وجودته، وعن نوعِه وإمكانية بقائه وصلاحِه.
البائع البيطار جلب تلك الزينة من الضفة الغربية والصين عن طريق معبر بيت حانون «إيرز»، لكنه دفع عليها الكثير من الضرائب لـ «إسرائيل» قبل أن يتمكن من إدخالِها لغزة، حسب قوله لـ الوطن.
ويضيف: «حتى وإن كانت البضاعة لا تأتي بالمربح الجيد إلا أنها تُفرِّح الناس وتُسعِدهم، لذلك افتعلتُ ضجةً قبل أٍسبوعين من قدوم شهر رمضان المبارك كي أراهم سعداء من خلال عرض الزينة بطريقة جميلة اجتذبت الغزيين من كل مكان، حتى لا يكاد أحد يمر إلا ويقف ليمتع نظره بها».
افتعال جو رمضاني
ويتّخذ البائع محمد مرتجى « 24 عاماً» زاوية من السوق منادياً على بضاعته التي أخذت حيزاً واسعاً من السوق؛ حيث التُّمور بأنواعها المختلفة والمشمش المجفّف والجراسيا والخروب والكركديه وقمر الدين والتمر الهندي والمخللات والشوربات بأنواعها «تعوّدنا نحن الباعة على عرض كل تلك الأشياء وغيرها فهي أكثر ما يطلبها الغزيّون في شهر رمضان»، يقول مرتجى. ويضيف: «السوق منتعش بناسِه وزوّاره في رمضان وليس بمرابحه والبيع والشراء فيه، فطالما لم يحصل الموظفون على رواتبهم فإن حركة البيع والشراء تكون ضئيلة، لكننا نأمل الخير دوماً، هكذا تعوّدنا أن نعيش في غزّة، وهدفنا الأساسي من عرض تلك البضاعة وتزيين المحل هو افتعال جوّ رمضاني جميل ومختلف في هذا الشهر الفضيل». ولازدحام السوق، يقوم بعض الباعة من الشباب والأطفال بحمل بضاعتهم الرمضانية البسيطة وجرّها في عربة حديدية يدوية والدوران بين الناس مُنادين بأعلى صوتهم.
فالبائع فادي عبدو «20 عاماً» يصدح بصوتِه قائلاً: «أردوغان قال بيع للشعب الغلبان»، في إشارةٍ منه إلى أن علب الشوربة التي كان يصفّها في عربته ويبيع الواحدة منها بـ «1 شيكل» فقط هي علب تركية الصنع، يقول لـ الوطن: «الغزيون يميلون لشراء البضاعة التركية لجودتِها ولحبهم لرئيسها وشعبها الداعم للقضية الفلسطينية، فنبيعها ونستر عائلاتنا».
ويعيش عبدو مع عائلته المكونة من ستة أفراد، ووالديه اللذين لا يعملان، ويصرف عليهم حيث يقضي ما يقارب العشر ساعات يومياً بعد الانتهاء من بيع بضاعته، يوضح: «الربح اللى يعود عليّ من البيع أشتري به بعض الخضرة التي تكفينا لغذاء اليوم الواحد». ويبتسم مؤكداً أن «شهر رمضان مبارك وفيه كل الخير مهما كانت الظروف في غزّة، وأن سوق الزاوية يحلو عاماً تلو العام في رمضان».
ويزاحم عبدو في البيع صاحبُ الابتسامة البريئة الطفل أيمن الناطور«8 سنوات» والذي يساعد أخاه مروان الناطور« 20 عاماً» في بيع علب «السمبوسك» مقابل مبلغ ماديّ كمكافأة تشجيعية له وكدرس في كيفية البيع خاصة في المناسبات.
يقول الطفل أيمن: «أشعر بسعادة كبيرة لأنني أنهيت الدراسة، فالسوق جميل جداً ومليء بالألعاب والفوانيس المضيئة».
كدّ ومسؤولية
أما الحاجة أم إبراهيم «51 عاماً» فاتخذت زاوية صغيرة في السوق مكاناً خاصاً بها، تأتيه كل يوم من مدينة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، لتبيع أشتال النعنع.
تقول: «منذ عامين وأنا على نفس الحال أبيع النعنع وأعود بالمربح اليسير ببعض الخضار لتكون وجبة طعام أولادي».
وكان زوج أم إبراهيم قد توفي بمرضٍ خبيث، ما دفع زوجته لتحمل المسؤولية والعمل من أجل إعالة أسرتها، تعلق: «الحمد لله على كل حال والشكوى لغير الله مذلة، لكني متفائلة بقدوم شهر رمضان، إنه شهر البركة والخير».
في جانب آخر من السوق تقف السيدة أم محمد عليان «51 عاماً» لتنتقي أوراق الملوخية اليانعة، فهي وجبةٌ رئيسية في أول أيام رمضان المبارك، تقول: «الملوخية اليانعة الخضار مع الدجاج المشويّ تكون حاضرةً في أول إفطار رمضاني، هكذا تعوّدنا منذ زمنٍ طويل، حيث كانت أمي وجدتي يطبخانها في أول يوم في رمضان، كنوع من التفاؤل باللون الأخضر والأمل بأن يجعل الله الشهر مليئاً بالحياة والسعادة».
copy short url   نسخ
09/06/2016
1610