+ A
A -
تحقيق- أماني سامي
يحل علينا شهر رمضان المبارك حاملاً معه نسمات الرحمة والمغفرة فيفوح شذى الإيمان والإخلاص، باعثاً السكينة في قلوبنا، كيف لا وهو شهر العتق من النار. ومن المتعارف عليه أن شهر رمضان فرصة جيدة بأن يجتمع شمل الأسرة الواحدة على المائدة فتزيد أواصر المحبة والتلاحم بين الأسرة والأهل والمجتمع، إلا أنه قد وهنت هذه العلاقة بين الأفراد وأضحى الترابط والتلاقي ضرباً من الماضي البعيد، هذا ما أكدته السيدات الكبار اللاتي التقتهن الوطن؛ حيث تحدثن عن رمضان سابقاً وربطه بالحاضر، وما هي أبرز العادات التي كانت منتشرة في شهر رمضان قديماً وما اعتدن عليه خلال الشهر الفضيل.
في البداية قابلنا أم خلف، التي كانت تتوشح بالملابس التقليدية البراقة؛ حيث تقول: يظل لرمضان ولذكرياته نكهة وصوت المدفع، نكهة بضحكاتنا ونحن نتراكض أمام بيت للثاني مع الأذان لنلحق على كل ما لذ وطاب نكهة، بطعم أيامه ولياليه، مع جمالياته الروحية والمعنوية وطعم القلوب الطيبة، وبريحة الأشواق وكان ياما كان وحواديته.
ما يميز شهر رمضان قديماً هو اجتماع الأسرة على مائدة الطعام لتناول وجبة الفطور، ولم يكن هذا الأمر مقتصراً فقط على شهر رمضان؛ فقد كان هذا الطبيعي كل يوم، كما كان يجتمع أهل الحي في مكان واحد للإفطار فكانت النساء يأتين جالبات معهن أطباقاً منوعة من الطعام أو حتى من التمور كل حسب استطاعته.
وترجع أم خلف اختفاء أسباب الترابط إلى «تنامي دائرة المصادر المعرفية التي كانت تقتصر في الماضي على الوالد أو الوالدة، فتنوعت اليوم ما بين المدرسة والأصدقاء والتليفزيون والإنترنت والدش، وأيضاً وجود الجنسيات المتنوعة ذات العادات المختلفة بالمجتمع في ظل انجراف شبابنا وبناتنا وراء الثقافات الدخيلة علينا».
وأشارت إلى أن لقاءات الإفطار في الزمن الأول كانت تحمل الفائدة للصغار، لأن الأجداد كانوا يروون القصص والحكايات في مجالس الفريج، وهذا يمنح الكثير من الخبرات للأطفال الذين يتعلمون فنون القصة والحكاية الشعبية، ويتعلمون منها الصدق والكرم.
مدفع رمضان
وأضافت قائلة: من العادات الرمضانية القديمة عند الغروب يحتفل الأولاد يومياً بانطلاق مدفع الإفطار؛ حيث يجتمعون بالقرب من مكان المدفع منذ العصر، وعندما ينطلق المدفع يأخذون بالتهليل والزغاريـد؛ حيث يبعث مدفع رمضان الفرح والسرور في نفوس الأبناء.
ليلة الكرنكعوه
واستطردت قائلة: في ما مضى كان الاحتفال بقدوم رمضان في قطر والخليج عامة يبدأ عادة من ليلة النصف من رمضان، وهو ما يطلق عليه الاحتفال بليلة «الكرنكعوه وهي مناسبة تختلف الشعوب الإسلامية في ميقاتها، فمنهم من يحتفل بها في منتصف شعبان ومنهم من يحتفي بها في ليلة النصف من رمضان».
ويطلق على هذه المناسبة العديد من التسميات فهي «حق الله» و«القرقاعون» و«القرنقعوه» و«الكركيعان» و«النافلة» و«الكريكشون» و«حل وعاد».
وقضت العادة في قطر بأن يتجمع الأطفال بعد صلاة المغرب بملابسهم التقليدية، فالبنات بالملابس المطرزة كالدراعات والبخنق والصبيان بالكندورة والطاقية المطرزة بخيوط الذهب، بالإضافة إلى ارتدائهم النعال، فيحملون على رقابهم كيساً من القماش، ويسيرون جماعات تتوقف على البيوت وتبدأ بترديد الأهازيج لحث أهل البيت على منحهم المكسرات والحلويات وبعض النقود المعدنية فينشدون:
أعطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم.. أعطونا مال الله.. سلم لكم عبدالله.
وقد توارثت الأجيال هذه العادة مع مرور السنين، فمازال أبناؤنا يحتفلون بهذه العادة الجميلة، بجانب مشاركة جميع المؤسسات بالدولة التي تحيي هذا التراث المجيد حتى يظل راسخاً في عقول أبنائنا مهما مر الزمان.
وسائل التكنولوجيا الحديثة
بدورها تقول أم حسن سالم، وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة، عندما سألناها عن رمضان قديماً وفي عينيها لمعة حنين للماضي،: ما كان يميز رمضان قديماً هو قوة الترابط ما بين الأسرة؛ حيث كانت الفتيات يقمن بتجهيز الفطور وقبيل أذان المغرب بدقائق يكون التمر واللبن بالإضافة إلى الماء جاهزاً، ثم نجتمع جميعاً من أجل تناول الإفطار؛ إذ أن هذا التجمع بين الأسرة والأهل يضفي بريقاً خاصاً على الأسرة ويزيد من جمالية الشهر الكريم.
وأضافت قائلة: الهواتف الحديثة ووسائل التكنولوجيا هي المسبب الأول لدمار العلاقات الأسرية وقطع الترابط ما بين العائلات والأصدقاء، فأصبح الناس يستسهلون استخدامها فلا يتقابل الأهل إلا عند الضرورة القصوى ولهذا تأمل أم حسن سالم أن يعود مرة أخرى هذا الترابط الذي نفتقده بشدة بين أبناء الجيل الجديد.
طعام صحي
وعن سفرة رمضان والطعام القطري الذي لابد أن يكون جاهزاً على المائدة الرمضانية القطرية تقول: الكثير من الأكلات الشعبية ذات المذاق الخاص تتزين بها المائدة كالثريد، الهريس، الزبادي، بالإضافة إلى التمر علاوة على ذلك أطباق الحلويات الشعبية كالبلاليط، الخنفروش، اللقيمات وغيرها.
حيث كان الطعام قديماً يرتكز على المواد الصحية والتي تفيد الجسم وتمنحه الطاقة والنشاط الطبيعي.
الحركة بركة
وأشارت قائلة: الوالد توفي وهو يبلغ من العمر 95 عاماً، ولم يكن يعاني من أية أمراض على الإطلاق؛ حيث كان يعتمد على التمر واللبن في أكثر طعامه ومن المتعارف عليه أن التمر يحتوي على العديد من العناصر الغذائية التي يحتاجها الإنسان، أيضاً كان آباؤنا وأجدادنا يعملون بمقولة «في الحركة بركة»؛ حيث كان الاعتماد على الحركة في كل شيء الذهاب للمسجد، زيارة الأهل، الذهاب لشراء احتياجات المنزل، كل هذه الأمور كانوا يقومون بها بأنفسهم دون الاعتماد على أية آلة للحركة.
وتقول أم حمد راشد «كلثم القبيسي» في مستهل حديثها: رمضان شهر الطاعة والمغفرة والكلام الطيب، شهر النفحات الإيمانية الطيبة، شهر الأنس والطمأنينة والصحة، شهر الخير كل الخير، شهر الدعاء والاستغفار شهر قيام الليل والقنوت، شهر لا يضاهيه شهر آخر عند المسلمين.
ومن أجمل مظاهر رمضان الشعبية المسحراتي ونقره على طبلة لها إيقاع خاص خاصة عندما يقول: «لا إله إلا الله محمد رسول الله» أو يقول اصحى يانايم وحد ربك الدايم وهذه العادة لم تعد موجودة ولا يوجد لها أي أثر، وكان الهدف منها في تلك الأزمنة تنبيه الناس لتناول السحور قبل أذان الفجر لأنهم كانوا ينامون مبكرين ومنهم من يفوته السحور، وفي النهاية يودع الشهر ويردد بالألحان الحزينة «الوداع، الوداع يا رمضان وعليك السلام شهر الصيـام» أما الآن فالقوم سهارى نهارهم ليل وليلهم نهار ولم يعد للمسحراتي أي دور.
الأطعمة في رمضان
إفطار الناس كان بسيطاً خفيفاً وكذلك سحورهم فهم يتناولون التمر واللبن أو التمر والماء ثم يذهب الرجال إلى المساجد وكل واحد منهم يحمل طبقاً أو مجموعة أطباق وبعد انقضاء الصلاة يجتمع الجميع في رواق المسجد الخارجي صغاراً وكباراً ليتناولوا شيئاً قليلاً من المائدة العامرة ويدعون كل من يمر بهم ليشاركهم مائدة الخير والبركة
أما النساء فبعد أن يصلين في البيت يتناولن شيئاً مما أعددنه ولا يكثرن ثم يتأهبن لاستقبال الزوج.
يعود الزوج إلى البيت فيتناول شيئاً من الشاي والقهوة ثم يستعد الجميع لصلاة العشاء وصلاة التراويح، وبعد سماع الأذان يذهب جميع أفراد الأسرة من الجنسين إلى المسجد ويصلون العشاء والتراويح ويعودون بعدها لتعد النساء طعام العشاء وهي عادة خليجية قطرية شهيرة فيتناول الجميع طعام العشاء وبعض الأطباق الحلوة مثل «الخبيص والعصيد واللقيمات والخنفروش والفندال».
أما السحور فيقتصر على التمر أو الرطب واللبن والكامي والماء والبعض قد يأكل العيش، «أرز» وماء.
copy short url   نسخ
09/06/2016
2421