+ A
A -
- فاتن خلف
منذ ظهوره على الساحة وتوفره في الأسواق، أصبح جهاز المشي الكهربائي خياراً بديلاً للكثيرين من الأشخاص، ممن يرغبون بممارسة المشي أو الركض، ولكن مشاغل الحياة وضغوطها تمنعهم عن القيام بذلك، وفي البلدان الغربية يعد هذا الجهاز ضرورة لا غنى عنها، ولا يخلو منه أي منزل؛ خاصة في أوقات الطقس البارد، عندما تسوء الأحوال الجوية بشكل كبير، ويصبح من الصعب ممارسة أي نوع من الرياضات خارجاً.
وفي سياق متصل، أشارت رابطة صناعة الرياضة واللياقة البدنية (SFIA) في تقريرها الصادر عام 2016، إلى أن أكثر من خمسين مليون أميركي، أكدوا استخدامهم لجهاز المشي مرة واحدة على الأقل في العام السابق.
وسيلة للتعذيب!
ومن جانبهم، يشير كثيرون من الأشخاص ممن اعتادوا على استخدام هذا الجهاز إلى أن الحركة الرتيبة له تُشعرهم أحياناً كما لو أنها شكل من أشكال التعذيب.. والمثير في هذا الأمر، أن هذا الإحساس لم يأت من فراغ، بل أنه نابع من التاريخ الغريب لهذا الجهاز، حيث عُرف قديماً باسم «TREAD WHL»، وكانت يُستخدم في السجون البريطانية قبل مائتي عام في (القرن التاسع عشر)؛ لإبقاء السجناء بعيداً عن التكاسل في أداء مهامهم، أو كإحدى وسائل التعذيب أثناء تأدية المهام الشاقة.
ويُعلق الأستاذ فيبار كريغان ريد، أحد كبار المحاضرين في جامعة كينت البريطانية ومؤلف كتاب «FOOTNOTES» قائلاً:«لا أستطيع تصديق حقيقة أننا ندفع المال اليوم، لشراء آلات كانت تعد واحدة من أكثر آلات التعذيب قسوة، والتي كانت تستخدم كثيراً في تنفيذ عقوبات الإعدام على مدار 100 عام».
تاريخ تطور جهاز المشي
مع بداية القرن العشرين، حظرت الأحزاب البريطانية، استخدام آلة «TREAD WEAL» كوسيلة للعقاب، خاصة بعدما تعالت الصيحات رافضة إياها بشدة، باعتبارها وسيلة تعذيب قاسية جداً وغير عادية.
ومع ذلك، يُلاحظ أن الآلات المتطورة عن تلك العجلة، تُشكل اليوم ما يقرب من 40 %، أي ما يعادل 3.5 مليار دولار، من مبيعات التجزئة ومعدات اللياقة البدنية في أميركا الشمالية.
وبهذا يمكن تلخيص رحلة «أجهزة المشي» هذه بجميع الممارسات التي انطوت على استخدامها بالشكل الذي يعكس كيفية تطور العمل والمتعة والتكنولوجيا على مدى مائتي عام.
ويوضح كريغان ريد:«تطور جهاز المشي يعكس التحول الذي حصل في كيفية عمل الإنسان وأنماط التدريب لديه بسبب الثورة الصناعية».
قبل ذلك الوقت، كان معظم الناس يمارسون الأعمال الزراعية، التي تتطلب بطبيعتها مجهوداً بدنياً كبيراً، وبذلك لم تكن هناك حاجة لممارسة التمرينات الرياضية. وكانت هذه الأخيرة تقتصر فقط على الطبقات العليا في المجتمع، باعتبارها وسيلة للمتعة والترفيه عن النفس، وكسر حاجز الحياة الروتينية لطبقات المجتمع النخبوية.
ومع تزايد الوظائف المصنعية، والوظائف المكتبية في وقت لاحق، أصبحت الحياة العملية أكثر انغلاقاً، وأصبح الموظف يقضي ساعات العمل في الجلوس خلف المكتب، وبهذا أصبحت حياة العمل الروتينية، معياراً أساسياً لكثير من الأشخاص، وهنا تحديداً ظهرت الأجهزة المتخصصة؛ التي كانت تهدف إلى تحسين اللياقة البدنية للأشخاص عن طريق تشجيعهم على ممارسة الرياضة.
جدير بالذكر أن التغييرات التي أحدثتها الثورة الصناعية آنذاك، تجذرت بشكل أساسي في القرن العشرين، وقد مهدت بدورها الطريق أمام ظهور أجهزة المشي، لتصبح آلات متخصصة بتحقيق الفوائد والامتيازات لمستخدميها بدلاً من استخدامها كآلات لتنفيذ العقوبات!
وخلال تلك الفترة، بدأت تظهر على الساحة، صور نساء جميلات في عهد غاتسبي، يرتدين الكعب العالي ويقفن على أجهزة المشي الخشبية، في صورة تعكس مدى حداثة هذه الأجهزة وارتباطها بالفخامة والرفاهية.
أجهزة المشي لاختبار أمراض القلب والرئة
وبعد مرور ثلاثين عاماً استخدم الباحثون آلات المشي المعدنية مع الأحزمة المطاطية لاختبار أمراض القلب والرئة، حيث تم اكتشاف قدرتها الكبيرة في قياس معدل ضربات القلب وتشخيص القابلية القصوى لاستهلاك الأوكسجين «VO2MAX»، ويقصد بها القابلية القصوى لجسم الإنسان على نقل واستعمال واستهلاك عنصر الأوكسجين خلال قيامه بالتدريب المتصاعد، والتي تعكس بصورة واضحة مستوى اللياقة البدنية للفرد. وبهذا الشأن أصدر الباحث كينيث كوبر، كتابه عن التمارين الرياضية عام 1968، في محاولة منه لتشجيع القراء على إيجاد الطرق السليمة لتحسين لياقتهم البدنية. وهنا كانت البداية غير الرسمية لعصر اللياقة البدنية واستخدام أجهزة المشي كوسيلة للترفيه والاستجمام. حيث كان قد دعا الرئيس الأميركي جون كينيدي، إلى تحسين أوضاع اللياقة البدنية في أنحاء البلاد، وبعد عشر سنوات تم اختراع الأحذية الرياضية لمواكبة الطفرة التي حدثت في عصر اللياقة البدنية.
طرح آلات المشي في الأسواق
قام المهندس بيل ستوب، بعد ذلك، بتأسيس شركة «AEROBICS INC» عام 1968 وأطلق جهاز المشي «PACEMASTER»، إيماناً منه بأن توفر هذه الأجهزة بأسعار معقولة، ستجد مؤكداً طريقها إلى كل منزل. ووفقاً للتقارير التي نُشرت في نيويورك تايمز، فقد نجح ستوب في بيع ألفي جهاز سنوياً خلال فترة الثمانينيات، في حين ارتفعت هذه المبيعات إلى 35 ألف جهاز سنوياً مع منتصف التسعينيات. ومن هنا رأت الشركات الأخرى بأن عليها استغلال الفرص المتاحة أمامها، بحيث يصبح بإمكانها تطوير أجهزة المشي هذه لتصبح مريحة بشكل أكبر وأسهل استخداماً. وفي عام 1991، اخترعت شركة «LIFE FITNESS» جهاز المشي «9500HR»، مزوداً بنوابض واسعة وأسطح السير الكهربائية.
ومنذ ذلك الوقت، بدأ استخدام أجهزة المشي يزداد بشكل كبير، خاصة مع اكتساب الصالات الرياضية شعبية أكبر خلال فترة التسعينيات والألفينات، والتطور الهائل الذي شهدته هذه الأجهزة من حيث إمكانية تشغيل الموسيقى من خلالها وتثبيت شاشة عرض عليها وفي نهاية المطاف توفر شبكات «WIFI» فيها، وبهذا أصبح بإمكان الشخص الذي يستخدم أجهزة المشي، في يومنا هذا، القيام بعدة أنشطة من خلالها كالمشي والرقص ومشاهدة التلفاز والاستماع إلى الموسيقى بل وحتى التسوق وإرسال رسائله عبر البريد الإلكتروني!
ويعلق توم كوف، مدير رابطة صناعة الرياضة واللياقة البدنية (SFIA) قائلاً:«أصبح هذا الجهاز يشكل عنصراً أساسياً في حياة الكثير من الأشخاص، وتحديداً في ما يتعلق بنشاطهم البدني».
بالنسبة للعدائين، تعد أجهزة المشي خياراً مثالياً، من حيث القدرة على التحكم بها في اختيار الوقت والبيئة التي تناسبهم لممارسة رياضة المشي أو الركض. فقد أصبحت هذه الأجهزة من وجهة نظرهم، الحل الأمثل لمشكلات الازدحام والأجواء الباردة، التي تمنعهم في كثير من الأحيان مغادرة منازلهم، ولهذا كلما كانوا بحاجة إليها، أتيحت لهم وأصبح بإمكانهم استخدامها.
ومن هذا المنطلق، يمكننا القول إن أجهزة المشي هذه مازالت تحظى بشعبيتها الواسعة حتى يومنا هذا نتيجة توفرها وسهولة استخدامها.. ومن جانبهم، يواصل صناع هذه الأجهزة ابتكاراتهم لجعل هذا الجهاز أكثر من مجرد سير كهربائي، يستخدم للمشي أو الركض فقط. ولكن بالطبع، لا تلقى جميع هذه الابتكارات الاهتمام المرجو، ويعزو الخبراء السبب في انخفاض مبيعات أجهزة المشي المنزلية، إلى فقدان اهتمام المستخدمين بتلك الميزات الإضافية، التي يتم تزويد الأجهزة بها كشاشات التلفاز، التي ترفع بدورها من تكلفتها بشكل مبالغ به. كذلك فإن الأمر الذي يشكل مصدر قلق كبير لصناع أجهزة المشي، هو الاهتمام الضعيف لجيل الألفية وحتى المستخدمين الأصغر سناً بها، حيث أشارت كلتا المجموعتين في استطلاع رابطة صناعة الرياضة واللياقة البدنية (SFIA)، إلى أنها تفضل المشي خارجاً في الهواء الطلق عوضاً عن استخدام هذه الأجهزة.
وفي نهاية المطاف، يمكننا الاستنتاج أنه على الرغم من أن أجهزة المشي هذه، لم تعد تُستخدم كأداة رسمية للتعذيب، إلا أنها مازالت تؤدي الغرض الأصلي منها، والذي يتمثل في العمل وممارسة التدريبات وليس المتعة.
copy short url   نسخ
27/02/2017
3763