+ A
A -
- د. محمد بن عبد الله الأنصاري
إن الوقت صفحة بيضاء إذا اختلستها يد طفل أو سفيه شوهتها، واستوجبت إحراقها، أو إلقاءها في صناديق القمامة، أما إذا اطمأنت في يد حكيم، أو تناولتها يد خبير؛ فإنها تشرق بجمال خطه، ورشيد فكره، وطيب عطائه، وتكون ملءَ السمع والبصر، واطمأنت بما أُودِعَ فيها القلوب، وطابت النفوس، واحتفت بها العقول.
إن الذي يلهو بالوقت غاب عنه أن القدر جادٌّ معه، وأن كل لحظة محسوبة عليه.
الوقت ــ أيها الإنسان ـــ عُمرك، وقد تكون شحيحا بمالك، ضنينا بعطائك، مترددًا في الإنفاق، حتى في الضرورات، فكيف يهدر العاقل عمره؟
إن من دلائل الإيمان، وأمارات التُقى أن يحسن الإنسان تصريف وقته، وإمضاء زمانه؛ ليجني ثمار ذلك في الدنيا خيرًا وبركة، وفي الآخرة نعيمًا ورحمة.
إن الراحة الحقيقية لا تكون إلا بعد جهد ونصب، ومشقة وتعب، مما يجعل الجسم في حاجة إلى استرخاء يفتتح بعده جهدًا جديدًا، ويستهدف به طموحًا مجيدًا.
إذا آمَنَّا أن الطريق خطوات، فالعمر لحظات، والكسل والتوقف اللذان يمسكان الأقدام عن السير، ويمنعان النشاط لا يُستردان للكسول ما فات، ولا يُعيدان للنؤوم ما أمات من أوقات، وما استعصى عليه من غايات.
إن الله تعالى جعل الفجر الذي أقسم ـــ جل شأنه ـــ به فقال: (والفجر) .
جعله فاصلاً بين سكون استدعته الحركة الدؤوب، ونشاط استوجبه بعث الأحياء ويقظة الحياة.
أفلا يتعلم الإنسان من الطيور مستأنسها وسابحها في الهواء؟
غافل سقيم من يسمع صياح الديكة، ويحس نشاط الطيور في بيته، ولو سمح لبصره أن يمتد إلى الجو لأيقن أن أعشاش الطيور قد خلت، وبكرت الطيور تطلب قدرها، وتسبغ نشاطها على الآفاق التي تقطعها، فماذا يساوي من دُعِيَ إلى اليقظة فأبى، واستنهضته الحياة فآثر عداءها؟
أليست الطيور المهاجرة التي تقطع آلافَ الأميال في نسق عجيب، ونظام محكم، وهمة بارعة، وقدرة فائقة دعوة لكل نؤوم ليصحو، وكل كسول لينشط؟
الوقت نعمة، والنعمة تشكر ولا تكفر، ولا تشكر النعمة إلا بإنفاقها فيما خُلِقَتْ له.
ولعل المؤمن البصير يستشعر هذا من قوله تعالى:
( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) الفرقان(62)
وصدق الرسول الكريم : (نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناسِ: الصحةُ والفراغُ) .. رواه الشيخان.
إن نبضات القلب في تتابعها، والأنفاس في دخولها وخروجها مذكراتٌ فيك ــ أيها الإنسان ـــ ولك بأن الحركة هي الحياة وأن التوقف والخمول هو الموت.
الوقت أمانة استودعنا الله تعالى إِياها، وأمانات الخلق واجبة الأداء، فكيف بأمانة الخلاَّق العليم جلَّ وعلا؟
( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الحديد(4)
يسجل لكم الوفاء فيجازيكم به، ويحصي عليكم التفريط فيسألكم عنه.
أفلا يخشى المفرطون في أوقاتهم.
(أَحْصَاهُ اللَّـهُ وَنَسُوهُ وَاللَّـهُ عَلَى? كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)؟ المجادلة(6)
copy short url   نسخ
27/02/2017
2434