+ A
A -
راشد آل سعد
لاشك أن التطور الهائل الحاصل في مجريات الحياة ومتطلباتها، فضلا عن الثورة الهائلة في تكنولوجيا الاتصالات، والانفتاح الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، قد أدى إلى ظهور نوع جديد من الجرائم لم يكن معروفاً خلال القرن العشرين وهي ما تسمى بالجرائم الاقتصادية، والمتعارف عليها بجرائم ذوي الياقات البيضاء.
فالجرائم الاقتصادية بشكل عام هي تلك الجرائم التي تمس سياسة الدولة الاقتصادية، والتي تخل بنظامها الاقتصادي، وبأهدافها وسياستها الاقتصادية، والتي تمس بالمصالح الاجتماعية للمجتمع، ومن المنظور القانوني يعرف البعض الجريمة الاقتصادية بأنها كل فعل أو امتناع عن فعل يضر بالسياسة الاقتصادية للدولة أو بالأمن الاقتصادي- يأتيه إنسان أهل لتحمل المسؤولية الجنائية - يحظره القانون ويقرر له عقوبة أو تدابير احترازية.
وهي تختلف عن الجرائم المالية العادية فالجرائم الاقتصادية هي في المقام الأول موجهة للسياسة الاقتصادية للدولة وتضر بمصالحها المالية ؛ بينما الجرائم المالية العادية يتأثر بها المجني عليه كسلب أموال الأفراد فلا يحقق تقدماً ونمواً اقتصادياً يفيده أو يفيد اقتصاد دولته.
فالجرائم الاقتصادية تتعدد وتتنوع وتختلف من مجتمع لآخر تبعاً لنظامه الاقتصادي وتطوره الحضاري؛ حيث تتطور تلك الأنواع من الجرائم الاقتصادية مع التطور السريع الذي يمر به العالم، إلا أن أخطر أنواع الجرائم الاقتصادية التي تمس أمن وسلامة الدول، وتهدد الائتمان الاقتصادي لها تتمثل في جرائم تزوير الشيكات المصرفية والعملات الأجنبية والمحلية، والبطاقات الائتمانية، وجرائم غسل الأموال وتوظيفها، والجرائم الالكترونية، وجرائم تمويل الإرهاب؛ فهذه النوعية من الجرائم تعد من الجرائم الأكثر خطورة والأبشع تأثيراً لما لها من أثار سلبية، وأضرار جمة علي الصالح العام واقتصاديات الدول وأفراد المجتمع بأسره.
وقد تزايدت الجرائم الاقتصادية في الآونة الأخيرة، وارتفعت معدلاتها في العالم نتيجة ما يشهده الاقتصاد الدولي من حرية في انتقال الأموال والبضائع والسلع والعمال وأصحاب الأعمال دون قيود جمركية أو سياسية أو إدارية، وعلي المستوي المحلي فقد زادت معدلات الجرائم الاقتصادية في قطر خلال الآونة الأخيرة نتيجة الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي شهدته الدوحة خلال السنوات الأخيرة.
وازاء ارتفاع معدلات الجرائم الاقتصادية على المستوى المحلى فقد لعبت الدولة دورا مهما في سبيل مكافحة الجرائم الاقتصادية باتخاذ العديد من التدابير الوقائية والآليات وسن التشريعات التي من شأنها الوقاية من الجرائم الاقتصادية. فقد قامت الدولة في سبيل مكافحة الجرائم الاقتصادية بعقد العديد من المؤتمرات والندوات التوعوية، التي تهدف إلى توعية أفراد المجتمع بنوعية الجرائم الاقتصادية وتطورها وأساليب ارتكابها وسبل مواجهتها ومكافحتها.
وقد سعت الدولة نحو مكافحة الجرائم الاقتصادية والحد منها؛ من خلال سن عدد من التشريعات التي استهدفت مواجهة عدد من الجرائم الاقتصادية التي تزايدت والتي لها خطورة على المجتمع القطري؛ حيث سن المشرع القطري القانون رقم 28 لسنة 2002 بشأن مكافحة غسيل الأموال، والذي حدد بدقة مفهوم هذه الجريمة وواجبات المؤسسات المالية والذي أورد العقوبات الرادعة والتي تصل إلى الحبس سبع سنوات والغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف ريال، وكذلك سن قانون مكافحة الإرهاب رقم 3 لسنة 2004. كما عدل أحكام القانون رقم 28 لسنة 2002 بإضافة جريمة تمويل الإرهاب إلى قائمة الجرائم المنصوص عليها في القانون، كما استحدث القانون رقم 14 لسنة 2014 بشأن مكافحة الجرائم الالكترونية. كما قرر قانون العقوبات في المواد من 370 حتى 387 عدد من العقوبات بهدف مكافحة جرائم الحاسب الآلي. وقد أنشأت الدولة في سبيل مكافحة الجرائم الاقتصادية اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وكذلك أنشأت إدارة مستقلة بالبحث الجنائي مختصة بالجرائم الاقتصادية.
بالإضافة إلى ما اتخذته الدولة من تدابير احترازية ووقائية وما أنشأته من آليات وما سنته من تشريعات في سبيل مكافحة الجرائم الاقتصادية، وإزاء تزايد معدلات الجريمة الاقتصادية وتطورها السريع نرى من جانبنا أنه من المهم انشاء محاكم متخصصة في النظر في الجرائم الاقتصادية وذلك لسرعة الفصل في هذه الجرائم ولتكريس الخبرات في هذه النوعية من القضايا الأمر الذي يساهم بشكل عام في توفير مناخ ملائم للتنمية الاقتصادية وتشجيع الاستثمارات.
copy short url   نسخ
04/02/2017
9599