+ A
A -
هو رياض الأسعد، حفيد رئيس وزراء لبنان السابق رياض بك الصلح وابن سلالة علي بك الأسعد، جدّه لأمّه سنّي، وجدّه لأبيه شيعي، وزوجته مسيحية مارونية، لذلك تجده من القلائل الذين يتحدّثون بروح وطنيّة حقيقية بعيداً عن لغة الغرائز.
في الحوار مع السياسي الليبرالي المثقّف والمنفتح رياض الأسعد لابدّ من قول «لا يملّ»؛ نظراً لسعة مدارك الرجل في السياسة والاقتصاد؛ إذ يأخذك خلال ساعة من الزمن في جولة تفصيلية حول العالم محلّلاً المعلن وكاشفاً المستور بلغة طريفة، ولذلك قد لا تجد سياسياً سواه يصارحك بأنّ السياسة في لبنان «لعبة كشاتبين» والسياسيين «زعران»، كما لن تجد سياسياً سواه يقول لك إنّ هناك شخصاً «مهضوماً» في القصر كتب عناوين كبيرة وملأها بأسماء وزراء دولة، وطبعاً لن يمتلك سواه جرأة التوجّه لرئيس الحكومة سعد الحريري بالقول «بلاها» شعارات النأي بالنفس، وحتماً لن تسمع من سواه وبلغة ساخرة بأنّ قاسم سليماني كان في زيارة سياحية لقلعة حلب، وأنّ جورج بوش «بلّ يده» بالمسلمين، وأنّ المسيحي «لعب الكفّ برقبته» بعد العام 1992.
الحوار مع السياسي رياض الأسعد عميق وطريف في آن؛ فأفكار الرجل غزيرة ودلالات ما يقوله كثيرة، ولكنه يضع كلماته في قالب طريف تجعلها قريبة من القارئ، وفي ما يلي نصّ الحوار:

انتهى «الجهاد الأكبر» بولادة حكومة بدينة.. حكومة LARGE لدولة SMALL.. فهل لبنان بحاجة فعلاً لحكومة من 30 وزيراً؟
- الحكومة الوليدة تعكس حال التوازنات بين القوى السياسية، ولا تعكس حال الواقع السياسي المطلوب معالجته، ولا حال المطالب الخدماتية المطلوب مواجهتها، ولذلك هي حكومة محاصصات..
أهم ما في هذه الحكومة هي أنّها تعكس واقع المحاصصة بين القوى السياسية، والقوى السياسية ممثّلة بقوى مذهبية وطائفية، وهذه القوى المذهبية والطائفية مُصادرة من قبل أشخاص معينين، ولذلك هي تعكس واقع الحال السياسي في البلد، والحال السياسي في البلد يقول حالياً إنّ هناك طائفة أقوى من غيرها، وطائفة أضعف من غيرها، وطائفة ثالثة تحاول أن تكون طائفة، هناك اختلال كبير جداً في الواقع الطائفي في البلد، وهذا الاختلال الكبير سببه نظرتنا إلى الواقع السياسي من منظار طائفي، من المنظار الحالي، الطائفة الشيعية هي الأقوى لعدّة أسباب، والسبب الأهم هو وجود «حزب الله» في لبنان وخارجه.
تضمّ حكومة الحريري الأولى في العهد العوني 6 وزراء شيعة موزّعين بين «حركة أمل» و«حزب الله»، بينهم وزير واحد للحزب «السوري القومي الاجتماعي»..
- (مقاطعاً): هناك مفارقة وحيدة تتمثّل بالدكتورة عناية عزّ الدين؛ فهي صديقة ومحترمة، ولكن أشكّ بأن تتمكّن من تقديم شيء في التنمية الإدارية، كما أشكّ في الحقيبة المستحدثة لمكافحة الفساد، وتلك الخاصة بحقوق الإنسان و.. و.. هناك شخص «مهضوم» في القصر، كتب عناوين كبيرة وملأها بأسماء وزراء دولة، أمّا لماذا 30 وزيراً وليس 20، فهو لأنّهم لا يريدون لطائفة بعينها أن تتحكّم بطائفة أخرى، ويريدون في الوقت نفسه الحفاظ على «تقليد» الثلث المعطّل.
الأحجام والتركيبات والأسماء ليست هي الأساس، والأساس الحقيقي هو هل هذه الطبقة السياسية قادرة أن ترى أبعد من أنفها وتريد أن تصنع التغيير أم لا؟ والجواب هو أنّها ستصنع ما يصبّ في مصلحتها ليس أكثر.
تطرّقت إلى الثلث المعطّل ولكن هذه الحكومة تفتقر إلى الثلث المعطّل..
- سعد الحريري هو الثلث المعطّل هذه المرّة.
لا يصل الحريري إلى عتبة الثلث المعطّل إلاّ بتقرّبه من «القوّات»..
- التعطيل يتمّ إمّا من خلال عدد الوزراء وإمّا ميثاقياً، والطائفة الوحيدة التي تستطيع أن تنسحب بكلّيتها من هذه الحكومة هي الطائفة الشيعية؛ فالطائفة السنية مخروقة بطارق الخطيب، والطائفة المارونية مخروقة بسليمان فرنجية، والدروز لديهم ثنائية، أمّا سائر المسيحيين فغير معترف بهم.. من يملك مفتاح تعطيل هذه الحكومة هو جو قريب من المقاومة ومن سوريا..
«حزب الله» لا يملك فقط الثلث المعطّل في هذه الحكومة وإنّما هناك «قوة ضاربة» على يمينه قوامها أربعة وزراء بالحدّ الأدنى..
- معلوم هناك «قوة ضاربة» لصالح «حزب الله» في هذه الحكومة، ولكن الحزب ليس بحاجة إلى «قوة ضاربة» على يمينه، لا نستطيع أن ننظر إلى «حزب الله» من المنظار اللبناني، لأنّه ببساطة تخطّى ذلك.
هل سرّعت عودة حلب إلى أحضان النظام السوري بولادة الحكومة؟
- معركة حلب لم تؤثّر على تشكيل الحكومة؛ حلب سقطت منذ زمن ولم تسقط حديثاً، حلب سقطت منذ خمسة أشهر يوم أُحكم الطوق حولها، ويوم حاولت روسيا منع تركيا من الوصول إلى منطقة الباب.
فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية هو الذي سرّع بانتخاب رئيس للجمهورية وبتشكيل الحكومة، من خلال أجندته غير الواضحة؛ فترامب مقاول وتاجر يبيع ويشتري بالمفرّق، وليس عقائدياً كجورج دبليو بوش الذي «بلّ» يده بالمسلمين لفرض ديمقراطيته، علاقة ترامب مع روسيا مهمّة، ولكن علاقته مع إيران مختلفة، ولذلك سعت «8 آذار» لتثبيت موقعها عبر ترتيب بيتها الداخلي في ظلّ هذه المتغيّرات الكبرى..
هل تريد أن تقول إنّ «حزب الله» يتخوّف من توجيه ضربة أميركية لإيران في لبنان؟
- كلا.. كلا.. لن تكون هناك ضربة لإيران، ولكن من الواضح أنّ ترامب سيلعب بـ «المفرّق» في المنطقة؛ فقد يسلّم فتح الله غولن إلى تركيا ولكن مقابل تنفيذ أردوغان لمطالب معيّنة، وقد يدعم السيسي ويساعده في تقليم أظافر «الإخوان» ولكن مقابل تحقيق مصر لبعض الرغبات الأميركية في ليبيا، وصحيح أنّ لبنان ليس على رادار أحد، وأنّ فيه مجموعة من الخطوط الحمر المتّفق عليها دولياً، ولكن قد يرغب ترامب برؤية بعض المتغيّرات على الساحة اللبنانية، كمثل تحويلها إلى صندوق بريد إذا ما قرّر فرض عقوبات على إيران.
قد يبدأ ترامب حرباً باردة في ساحات مختلفة، وبما أنّ مصلحة إسرائيل أولوية بالنسبة للإدارة الأميركية، علينا أن نراقب أكراد العراق وأقباط مصر لمحاولة فهم المخطّط الذي ينتظر المنطقة.
عندما كان لبنان مغيّباً عن الرادارات الخارجية في العامين المنصرمين، كان لـ «حزب الله» مصلحة بأن ينهي فرضه ويعود إلى بيته، والآن «حزب الله» في طريق العودة إلى منزله وتثبيت وضعه..
(مقاطعة): وهل نعتقد أن فرضه في سوريا انتهى؟
- هناك أكثر من فرض لدى «حزب الله»، وأنا هنا لا أتحدّث عن الفرض السوري، ولكن نعم الفرض السوري شارف على الانتهاء، و«حزب الله» لن يبقى إلى ما لا نهاية في هذا الوضع العسكري.
هل يعني ذلك بأنّ حلب محطّة مفصلية في الحرب السورية وأنّ ما بعدها لن يكون كما قبلها؟
- الدولة السورية التي دُمّرت وهُجّرت وأُفرغت من أهلها لن تعود إلى سابق عهدها، حتّى لو سيطر النظام بنفس رموزه على كامل التراب السوري، وقد يعني مصطلح كامل التراب السوري الجديد سوريا المفيدة التي هي سوريا الزراعية والاقتصادية والبشرية، أي قد يستثني سوريا الصحراوية، التي هي سوريا «داعش» راهناً، ولكن بغضّ النظر عن تعريف كامل التراب السوري وما إذا كان يشمل كلّ الأراضي السورية أم لا، الأكيد هو أنّ «حزب الله» ثبّت أقدام النظام في سوريا، وتمكّن من إبعاد الكأس المرّة عن لبنان، وجعل من الواقع الإيراني ممتداً من المتوسط إلى الخليج.. إيران باتت الأقوى في المنطقة، والعرب انتهوا، والعالم العربي الحالي ليس عالماً عربياً، لأنّه لم يعد عالم النهضة والثقافة، بل بات عالماً مادياً.
هل يعني كلامك عن سوريا المفيدة أنّ سوريا ذاهبة إلى التقسيم؟
- المخاض السوري لايزال طويلاً، وأرى سوريا ذاهبة نحو مزيد من الدمار والقتل والتشريد ولكن ليس بنفس الحدّة السابقة، وأرى سوريا الموحّدة ولكن ليس الآن، وأستطيع أن أرى تثبيتاً للوضع السياسي القائم إذا تمّ الإخراج الروسي- الأميركي في الأشهر الأربعة المقبلة، وهذا يكفي للنظام كي يقول إنّه انتصر، وبرأيي حتّى الآن النظام انتصر.
ما قراءتك لطبيعة الاندفاعة الروسية في سوريا.. هل يبحث بوتين عن انتصار أم عن حل؟
- سوريا مسرح وساحة لتظهير صورة روسيا الجديدة، ولا يظنّ أحد أنّ هناك قناعة روسية بأنّ هذا الإرهاب الإسلامي من أنغوش وشيشان وغيرهما يستطيع أن يشكّل تهديداً جدياً للإمبراطورية الروسية. بالطبع هناك إزعاج، ومؤكّد أنّ روسيا تهتمّ لأمنها، ولكن الضرورات الأمنية الروسية لا تستوجب إرسال حاملة طائرات إلى سوريا و60 سوخوي و6 آلاف مقاتل، ومن يقول لنا ذلك نقول له بثقة إنّ هذا الكلام غير مقنع، والمقنع هو أنّ روسيا من خلال الساحة السورية، ومن خلال الغياب الأميركي عن المنطقة، دخلت على هذا الفراغ وعملت على تعبئته، وعبّأته، وذهب الروسي إلى حدّ لعب دور محوري خلال اجتماع «أوبك» الأخير الذي كان مصيرياً، وساهم من خلال وساطته بتأمين اتّفاق سعودي إيراني، كما تمكّن الروسي مؤخّراً من انتزاع تركيا التي هي جزء من «الناتو» من الفلك الأميركي المباشر ووضعها في الفلك الروسي المباشر.
هل هناك شهر عسل روسي– إيراني في سوريا؟ وهل سيتمكّن الغرب من إبعاد إيران عن المكاسب الاستراتيجية؟
- لن يتمكّن أيّ طرف من إبعاد إيران عن سوريا، هناك حاجة للطيران الروسي، كما أنّ هناك حاجة للحرس الثوري، وعليه، إيران شريك أساسي بمستقبل الدولة السورية.
وماذا عن «حزب الله»؟ هل سيكون شريكاً على طاولة المفاوضات كما كان شريكاً في ساحات القتال؟
- لا أعلم ما إذا كان الدور الإقليمي لـ «حزب الله» بارزاً إلى هذه الدرجة.
(مقاطعة): هل يفوّض إيران مهمّة المفاوضة باسمه؟
- كلا.. أنت تفصلين بين إيران و«حزب الله»، ولكن أنا لا أفصل، في المعركة في سوريا إيران و«حزب الله» واحد، وفي النهاية اللعبة في سوريا لعبة دول وليست لعبة أحزاب أو ميليشيات..
ولكن استعراض القصير أظهر «حزب الله» بحجم دولة وليس بحجم فصيل مسلّح..
- وهل انتظرتِ استعراض القصير لتعلمي أنّ «حزب الله» بحجم دولة؟!
هل كانت رسالة القصير إلى الداخل اللبناني؟
- من ركّع إسرائيل في العام 2006 ليس بحاجة للقصير، رسالة القصير ليست لي ولكِ ومعلومة الوجهة، ومن يستطيع حرق 100 دبابة دفعة واحدة دون أن يرفّ له جفن ليس بحاجة إلى استعراض القصير. هل «حزب الله» بحاجة لاستعراض القصير كي يقول أين هو؟ هو موجود في حلب، وموجود في الموصل، وموجود في اليمن..
ساذج هو من يظنّ أنّ «حزب الله» بحاجة لإيصال رسائل إلى الداخل اللبناني. تركيبة الحكومة اللبنانية تُظهر لنا كيف أنّ هذا الداخل اللبناني راضٍ بهمّه، لذا دعيني من الداخل اللبناني، ولا تحدّثيني لا بمحكمة دولية ولا بدم شهيد..
وهل تعتقد أنّ الرئيس الحريري طوى صفحة اغتيال والده؟
- لم يطوها ولكن هكذا يظهر للعيان، هذه المرحلة هي مرحلة كهرباء وماء وخلق بعض فرص العمل، أمّا الشعارات الكبيرة من مكافحة فساد ونأي بالنفس «بلاها». فهذه الشعارات ليست للحريري وليست لسواه، ولذلك «حزب الله» لم يكن في وارد إرسال رسائل لا للحكومة ولا لأمّهات قتلاه. أمّهات القتلى أرسلن أبناءهن ليقاتلوا في الساحة الإيمانية الموجودة لدى «حزب الله»، وإذا قال النصر الله لعناصره اذهبوا وموتوا في الجبشة، يذهب هؤلاء إلى الحبشة ليموتوا هناك، وتأكّدي تماماً أنّ أمهات القتلى يرسلن الابن الثاني إلى صفوف «حزب الله» عندما يخسرن الابن الأوّل، من لا يفهم هذا المنطق، يرى أنّه يقارب الجنون ولكنّه حقيقة معيوشة، وما يعلنه نصر الله عن حجم المطالبين بالذهاب إلى سوريا صحيح، وبرأيي الرسالة الأساسية التي يجب التوقّف عندها هي صورة قاسم سليماني في قلعة حلب..
(مقاطعة): هل هي ترسيم لحدود نفوذ إيران؟
- (أجاب ضاحكاً): كلا.. كلا.. مجرّد زيارة سياحية.
حرائق «الربيع العربي» كشفت عن انسحاب الظل الأميركي من المنطقة، وهذا الانسحاب أسقط حصانة التوازنات التاريخية وحصانة الحدود الدولية، وجعل الغياب الأميركي معضلة بعدما كان الحضور مشكلة بسبب الانحياز التام إلى إسرائيل، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف يمكن للمنطقة أن تستعيد توازنها؟
- لدى أميركا 4 قواعد استراتيجية في المنطقة، أوّلها وأهمّها النفط، وما يهمّها اليوم ليس السيطرة على منابع النفط، وإنّما السيطرة على خطوط إمداد النفط إلى الاقتصادات العالمية، وأكثر تحديداً اقتصادات الصين والهند، وثانيها إسرائيل بوليص المنطقة ومموّل الحملات الأميركية، وثالثها أصدقاء أميركا العرب، ورابعها مكافحة الإرهاب المتطرّف.
في النقطة الأولى، إذا سيطرت أميركا على خطوط الغاز والنفط، تسيطر بذلك على اقتصادات العالم ولا ننسى أنّ أميركا بدأت تنتج النفط الصخري، وحركة إنتاجها وصلت إلى 16 مليون برميل، وصحيح أنّ كلفة الإنتاج مرتفعة الآن ولكنها تعمل على تخفيضها من خلال التكنولوجيا المتطورة، وفي القاعدة الاستراتيجية الثانية، إسرائيل حاجة لأميركا وتبقى حاجة، أمّا أصدقاء أميركا العرب، فباتت كلفتهم مرتفعة على واشنطن بسبب توليدهم للعقم في مجتمعاتهم؛ فقد كرّر الأميركيون أكثر من مرّة بأنّ على أصدقائهم العرب أن يطوّروا مناهج التعليم، وأن يوقفوا حملات التبشير في نيجيريا وإفريقيا الوسطى والبوسنة والتركيز على المحبة ولكن دون جدوى، ومع تطوّر السلفية الجهادية التي برزت بأبشع صورها في العراق وسوريا، بدأت واشنطن تتحسّس الخطر أكثر، في معظم البلدان باستثناء العراق، تخلّت أميركا عن الجنرالات وبقيت متمسّكة بالجيوش، والملاحظ أنّه في البلدان التي تمسّكت فيها أميركا بالجيوش لم تتغيّر الخرائط ولم تتبدّل، وليبيا أكبر مثال على ذلك، علماً أنّ الجيش الليبي لم يكن يملك قدرة السيطرة على الأرض ما بعد ربيع ليبيا، بل كان مجرّد ميليشيا مسلّحة كبرى أنفق عليها النظام السابق مئات المليارات في سبيل حمايته، بينما في الأماكن التي تخلّت فيها واشنطن عن الجيوش تآكلت الخرائط. شهدت الأردن مثلاً مظاهرات أسبوعية معارضة للنظام طيلة عام كامل، والنظام استوعبها ولم يشتبك معها، وهذا دليل على أنّه في الأمكنة التي فيها دولة وجيش، تمّ استيعاب الحركات الساعية لإزالة الخرائط، بينما في الأماكن التي فيها مشكلة عميقة مثل سوريا التي لم يتمكّن جيشها من خلع عباءة النظام والتحوّل إلى جيش سوري، اشتبك الجيش مع الناس.
على الرغم من الصورة التي رست عليها المنطقة، من الخطأ أن نحمّل كلّ ما حصل لربيع الشعوب، ومن الخطأ أن نقول إن هناك من يرسم لنا «سايكس بيكو 2». هناك واقع اجتماعي اقتصادي فرض نفسه على المجموعات السياسية البشرية في المنطقة، وعليه، تآكل الحدود لم يكن «الربيع العربي» سببه، وإنّما ضعف مقوّمات الدول التي لم تُنتج لا في الاقتصاد، ولا في الثقافة، واكتفت بإنتاج بطالة وكساد.. ربطاً بما سبق، أنا أخشى كثيراً على ما تبقّى من أنظمة عربية، لأنّ هذه الأنظمة ألف رحمة في مقابل المستفيد من انهيارها، والذي سيكون عبارة عن واقع متطرّف أعمى، وهو دون شكّ نكبة لمجتمعاتنا.
بالعودة إلى لبنان، هل توّج الحريري مسلسل هزائمه السياسية بحكومة لـ «8 آذار» تضمّ أكثرية خصومه ولا يملك فيها الثلث المعطّل؟ ولماذا قدّم الحريري كلّ هذه التنازلات طالما «حزب الله» هو الذي أراد ترتيب بيته الداخلي وتشكيل حكومة؟
- لا شكّ أنّ الحريري اليوم اختلف من حيث الحجم عن الحريري الذي كان في الـ 2005 و2006 و2009، وأصبح أكثر براغماتية من ذي قبل، كما أنّ الظروف الداخلية للقوى الأخرى تغيّرت، وأنا لا أستطيع أن أقول إنّ الحريري توّج خسائره بهذه الحكومة، وأميل أكثر للقول إنّه في حقبة سياسية ثانية مختلفة عن الحقبة الأولى، وسيسعى من خلالها لـ «فرملة» المسار الانحداري الذي سلكه فريقه السياسي.
هل ستتمكّن حكومة الحريري من إقرار قانون انتخابي جديد؟
- لن تتمكّن هذه الحكومة من إقرار قانون جديد للانتخابات، والانتخابات إذا حصلت لن تكون على أساس «قانون الستين» لأنّ إجراء الانتخابات على أساسه سيؤدّي إلى تفجير.
الأساس برأيي هو من سيمسك بالمجلس النيابي القادم. في المجلس الحالي كان وليد جنبلاط بيضة القبان بين كتلتين متناحرتين ولعب دور العاقل، والسؤال من سيلعب دور بيضة القبان في المجلس المقبل؟
قد يفرز المجلس القادم كتلة تلعب دور بيضة القبّان، وقد يفرز مجموعة كتل نيابية متساوية من حيث الحجم.
رئيس للجمهورية حليف لـ «حزب الله» وصديق لبشار الأسد، والحكومة تضمّ 17 وزيراً لصالح خطّ «بعبدا– الضاحية- دمشق».. فهل ترى أنّ ترجيح الكفّة هنا سيُترجم في القانون الانتخابي؟
- يجب أن نخرج من هذا الـ «كليشيه». ميشال عون لم يصل إلى رئاسة الجمهورية ولم يتوافق مع سمير جعجع تحت هذا الشعار.
وهل سمير جعجع لا يزال «آذارياً»؟
- «14 آذار» انتهت، ولكن لدينا مفهوم سياسي جديد يقسم السياسيين بين معارضين وموالين لسوريا، الكتلة السياسية الأكبر لا تنظر إلى سوريا بنظرة العداء، وهذا أمر جيّد، ولكن الظرف السوري اليوم لا يشبه الظرف السوري السابق، ولا أتصوّر اليوم بأنّ سوريا تملي على ميشال عون تصرّفاته، لذا فلنكفّ عن تصويرها كبعبع، والأهم هو أن يكفّ السياسيون عن التجييش والتهييج الطائفي لتحسين مواقعهم السياسية، فالمسيحي الذي «لعب الكفّ برقبته» بعد الـ 1992، يرفع اليوم شعار استرجاع حقوقه، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ممن سيسترجع المسيحي حقوقه والطوائف لا تعطي «إعاشات» من كيسها؟
لا يسترجع المسيحيون دورهم من خلال سياسة شدّ العصب.. المسيحي تخلّى عن دوره يوم وضع يده بيد إسرائيل، وفي اليوم الذي تخلّى فيه المسيحي عن دوره انتهى البلد، وقبل ذلك كان المسيحي الماروني ضمانة تقدّم البلد نحو الأمام.
تحصيل الوظائف والمناصب لا يعيد المسيحي إلى دوره، فالطائف جعل المارونية السياسيّة في خبر كان، وأحلّ مكانها لعبة سياسية جديدة، وعندما يفتح المسيحي باب الغبن، سيطلّ الشيعي من كلّ نوافذ البلد ليقول له أنا أكثر غبناً منك. فليس خافياً أنّ الطائفة الشيعية استثمرت في التشبيحات منذ العام 1992 حتى الآن كي تلعب دوراً على الساحة السياسية.
«الطائف لم يطبّق، ولذلك أنا مع اعتراف الجميع بذلك، والسعي لكتابة دستور جديد، وبرأيي المؤتمر التأسيسي لا تقوم به هذه الطبقة السياسية المهترئة، وإنّما مجلس نيابي جديد منتخب بدورتين على أساس النسبية، أي مجلس بطبقة سياسية جديدة، وأنا أؤيّد مبدأ المداورة في رئاسة الجمهورية ورئاستي الحكومة والمجلس النيابي، وستبقى السياسة في لبنان لعبة «كشاتبين» طالما لا نقوم بإصلاحات سياسية جذرية.
هل ستجري الانتخابات النيابية في الموعد المقرّر لها؟
- أنا لا أرى انتخابات، وكما مدّد هؤلاء «الزعران» للمجلس النيابي أوّل مرّة وثاني مرّة بأعذار تافهة، باستطاعتهم ساعة يشاؤون أن يخلقوا حالة من اللا استقرار في البلد لتأجيل الانتخابات مرّة ثالثة.
الحكومة عبارة عن مجموعة من المتناقضات، فهل «تبشّرنا» تشكيلتها بإقبالنا على مرحلة جديدة من الكباش السياسي؟
- هذه حكومة الوجه الحقيقي لهذا البلد، الذي هو وجه التناقضات المطلقة، في هذه الحكومة وزير لمكافحة الفساد يجلس في وجه وزير زميل له هو عنوان الفساد، وفي هذه الحكومة رجل ليهتمّ بشؤون المرأة، وفي هذه الحكومة وزير لحقوق الإنسان ونحن يسيّرنا منطق «الخرفان»، وفي هذه الحكومة وزير يريد جلب المغتربين للتصويت له في الانتخابات النيابية وآخر يرفض إجراء تغيير ولو طفيف بقانون الانتخابات.
إذاً أنت لست متفائلاً بعهد الرئيس ميشال عون؟
- قال عون: إنّ هذه الحكومة ليست حكومته، وهو واقعي وينتظر الانتخابات لتشكيل حكومته، ولكن بنظري أنا، هذه الحكومة لن تنتج قانون انتخابات وتذهب إلى منزلها..
أي أنّ العهد ساقط من بدايته؟
- عندما قطعت طريق المطار بسبب توقيف تاجر سقط العهد هناك، وعندما أجرى وئام وهاب استعراضاً عسكرياً سقط العهد هناك.. العهد مكبّل بأجندة عصبية مسيحية مرعبة، وهذه الأجندة قاتلة، أضف إلى أنّ أجندة الرئيس مليئة بعناوين كبيرة لا تتماشى وطبيعة هذه المرحلة.
copy short url   نسخ
29/12/2016
897