+ A
A -
تحقيق- أكرم الفرجابي
أكد عدد من أساتذة الشريعة وعلماء الدين، على أهمية سداد أموال الزكاة، باعتبارها واجبا شرعيا يلزم الشركات والأفراد، التي تنطبق عليها الشروط القيام بتأديتها، وأشاروا في تصريحاتهم لـ الوطن إلى أنها فريضة يجب أن يلتفت إليها جميع المسلمين، لما لها من أثر اجتماعي وديني عظيم على المجتمع ككل، مطالبين بضرورة جعلها أحد اشتراطات تجديد السجل التجاري سنوياً، حتى لا يستطيع أصحاب المؤسسات التجارية والشركات، التهرب من أداء هذه الفريضة.
حيث يلجأ بعض رجال الأعمال إلى العبث بحساباتهم المالية، لإخفاء المعلومات المالية، التي قد تفيد بأنهم قادرون على دفع الزكاة، ومنهم من يلجأ إلى توزيع الزكاة بأساليب غير شرعية، من باب المراوغة والتلاعب، الأمر الذي دعا العلماء إلى ضرورة حث أصحاب هذه الشركات، على دفعها من خلال تقوية الوازع الديني لديهم، وليس عن طريق إجبارهم بإجراءات قانونية ربما يتهرب منها البعض، مشيرين إلى أن فريضة الزكاة تمثل أهمية كبرى لترابط المجتمعات الإسلامية ويجب الالتزام بها.
وما يجدر الإشارة إليه، أن صندوق الزكاة هو الجهة الرسمية الوحيدة، المؤهلة لجمع أموال الزكاة في قطر، إذ تتوافر لديه أدوات البحث التي تؤهله لاكتشاف الحاجة الحقيقية لطلاب المساعدة، حيث يطلب الصندوق من المتقدمين لطلب المساعدة، عددا من المستندات تتوافر في جميع المؤسسات العامة والخاصة، وبعضها يتم الحصول عليه من مواقع بعض المؤسسات على الإنترنت، وتتم الموافقة على الملف المعروض في حالة استكمال المستندات المطلوبة، والتي تشير إلى وجود حالات استحقاق مؤكدة، أما عدم الموافقة فيتعلق بعدم انطباق الشروط الشرعية والقانونية التي تقتضي تقديم هذه المساعدات، وثمة خصوصية للملفات ذات الطبيعة العاجلة، حيث تصرف مساعداتها في أسرع وقت، وإلا ازدادت مشكلة صاحبها تعقيدا، على غرار حالات العلاج وتوقف الراتب، لمن ليس له بديل، وقطع الماء والكهرباء، بسبب عدم القدرة على السداد، لذلك تتم مناقشة هذه الحالات فور استقبالها، ومن ثم صرف المبالغ المقررة لكل حالة، كما أن صندوق الزكاة ومن خلال حرصه على تحقيق المسؤولية الاجتماعية، يقدم مساعدات موسمية، وهي غير الشهرية والمقطوعة والعاجلة، مثل مساعدات كسوتي الشتاء والصيف وسلة الخير، إضافة إلى مساعدات التموين والعلاج والعينيات والمؤلفة قلوبهم والغارمين وغيرها مما تتطلبه حاجة المستحقين.
التهرب وارد
بداية يتحدث لـ الوطن، أحد المصادر المطلعة في صندوق الزكاة، مفضلاً حجب اسمه، قائلاً: التهرب من دفع الزكاة وارد، لأنه ليس هنالك إلزامية، حيث تقوم الشركات بدفع زكاتها بصورة اختيارية، وذلك من خلال إرسال موازنتها العامة، إلى صندوق الزكاة، حتى يقوم الصندوق بحساب الزكاة المترتبة عليها، موضحاً أن عملية حساب الزكاة لا تزيد على (48) ساعة، ويتم تقديم الطلب عن طريق شعبة البحوث والدراسات التابعة لقسم خدمات الزكاة بالصندوق، حيث يقوم باستقبال الميزانيات العمومية للشركات، ويعمل على حساب الزكاة المترتبة عليها، وفي ظرف يوم أو يومين يقوم بتسليم هذه الشركات كتابا رسميا من الصندوق بقيمة الزكاة المترتبة عليها، لافتاً إلى أن المطالبات بإلزامية دفع الزكاة في الدولة، تكررت في أكثر من مناسبة خلال الندوات والمؤتمرات المتعلقة بالزكاة، حيث يطمح الكثيرون في إصدار قانون من الدولة يلزم الشركات والأفراد بدفع أموال الزكاة أسوة بالمملكة العربية السعودية، إذ يساعد مثل هذا القانون الشركات على القيام بواجبها تجاه المجتمع، مقترحاً أن يكون سداد الزكاة كأحد اشتراطات تجديد السجل التجاري سنوياً، حتى لا يستطيع أصحاب المؤسسات التجارية والشركات التهرب من أداء هذه الفريضة، أو من الممكن أن تقوم الدولة بتقديم تسهيلات للشركات التي تداوم على أداء فريضة الزكاة حتى يساهم ذلك في تشجيع الشركات الأخرى للقيام بذلك.
طريقة الجمع
من جانبه أوضح فضيلة الشيخ الدكتور علي محي الدين القره داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن الزكاة بلا شك، هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وأن جمعها يقتضي رعاية خاصة لتحقيق التكافل الاجتماعي، داخل المجتمع الإسلامي، لافتاً إلى أن الإسلام أنزلها كمؤسسة وليس كحق فردي، مستدلاً بقوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ)، وأضاف القره داغي أن الزكاة في مجملها كانت تحت إشراف الدولة، إلى أن جاء الاستعمار وأزاح أنظمتنا الإسلامية، ثم بعد ذلك تغيرت الأمور، وأصبحت مسؤولية الفرد، مؤكداً على أهمية سداد أموال الزكاة، باعتبارها واجبا شرعيا يلزم الشركات والأفراد، موضحاً أن جمع الزكوات وصرفها بالعدل، وإعطاء الفقراء داخل الإقليم ثم خارجه، حتى تتحقق التنمية الشاملة ويزول الفقر، لافتاً إلى أن دولة قطر تنتهج حلاً وسطياً في مسألة جمع الزكاة، بحيث إنها وفرت صندوق الزكاة لمن أراد أن يدفعها عن طريق الدولة، وفي ذات الوقت أعطت الشركات والأفراد حق إيتاء الزكاة بصورة مستقلة دون تدخل من الدولة، مشيراً إلى الحالات التي يجب على الشركات الخاصة أن تدفع فيها الزكاة عن طريق الدولة، وهي أن يكون النظام الأساسي للشركة قد أولى عملية تحصيل الزكاة للدولة، أو أن هنالك قانونا في الدولة يحتم على الشركات دفعها عن طريق صندوق الزكاة، أو هنالك تفويض من المساهمين في الشركة بدفعها للدولة، أو الجمعية العمومية للشركة تكون قد أقرت هذا الأمر، دون ذلك يحق للشركات دفع الزكاة بصورة مستقلة.
قانونية الجمع
في مقابل ذلك يقول الدكتور عبدالحميد الأنصاري، أستاذ السياسة الشرعية في كلية القانون بجامعة قطر، وعميد كلية الشريعة والقانون سابقاً: لا يُلزم القانون بقطر أصحاب الشركات أن يدفعوا الزكاة لجهة بعينها، والجزم بأن رجال الأعمال لا يدفعون زكاة مالهم أمر غير دقيق إطلاقاً، فالكثيرون يدفعون أموال زكاتهم حسب ما يرونه من محتاجين، أو أوجه صرف الزكاة الثمانية التي نص عليها القرآن الكريم، موضحاً: طالما لا يوجد القانون الذي يلزم الشركات بدفع الزكاة؛ فمن الناحية الدينية أيضاً؛ ليس هناك أي إلزام لأن الزكاة شأن خاص بالشركة، أما في حال استصدار قانون معني بجمعها ودفعها فيمكن محاسبة المتهربين من هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، وتابع: صندوق الزكاة لا يمثل الجهة الوحيدة التي تقبل أموال الزكاة في قطر، ومن ثم فالكثير من رجال الأعمال يدفعون زكاتهم للجمعيات الخيرية حسب ما يرونه من برامج تصب في صالح المسلمين سواء داخلياً أو خارجياً، ولا يمكن محاسبة رجل الأعمال عن عدم دفعه لجهة بعينها، فالواجب هو دفع الزكاة وليس الجهة التي تدفع إليها الأموال، مشيراً إلى أن استصدار قانون يلزم الشركات، بدفع الزكاة أو ربطها بالإجراءات القانونية السنوية، التي تقوم بها الشركات كالسجل التجاري أمر محبب يصب في صالح جمع الزكاة، من الجهات الواجبة عليها وصرفها في مصارفها الشرعية، لافتاً إلى أن وجود قانون يحدد الجهات التي تدفع إليها الزكاة، وتشديد الرقابة على كل من ينبغي عليه دفعها ستكون فكرة جيدة، خاصة أن بعض الدول المجاورة تتبع هذا النظام، وهو قادر على تقليل عدد المتهربين من دفع الزكاة، قائلاً: إن الوقت حان لإصدار مثل هذه التشريعات التي تصب في صالح المجتمع ككل، وعلى الشركات الوطنية أن تعلن عن قيمة زكاتها سنوياً، وعن الجهات التي تدفع بمبلغها فيها، فالمؤسسات القطرية يجب أن تكون قدوة لنظيراتها الخاصة، والميزانية السنوية يجب أن تتضمن بند الزكاة شأنه شأن باقي البنود الرئيسية، التي تحرص الشركات على توضيحها سنوياً، ولكن هذا كله يجب أن يكون وفق قانون تصدره الدولة لتعمل كافة المؤسسات خاصة كانت أو وطنية وفقه.
فلسفة الزكاة
بدوره يؤكد فضيلة الداعية عبد الله السادة الداعية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، على ضرورة الاهتمام بـ«جوهر» فلسلفة الزكاة القائم على تمليك المحتاج مشروعا مهما صغر حجمه ليجني منه قوت يومه، بدلا من إطعامه لأن «قليلا دائما خير من كثير منقطع»، مشيراً إلى أن (70 %) من فقراء العالم مسلمون، لأن أغنياء المسلمين مقصرون في دفع الزكاة، موضحاً أن امتناع الشركات أو الأغنياء بوجه عام عن دفع الزكاة يضر بنسيج المجتمع المترابط، ويلحق أضراراً بالغة بالمجتمع ككل، فالغني الذي يمتنع عن دفع الزكاة يجب أن يعلم أن هذا التصرف سيعود عليه هو قبل غيره بالمشكلات، فلا يمكن أن تضمن سلوك الفقير الذي لا يحصل على حق وهبه الله سبحانه وتعالى له، مشدداً على أهل الإسلام الاهتمام بهذا الركن المهم، مبيناً أن مشاكل ومعوقات إدارة عملية الزكاة في هذا الزمان، لا تتمثل فقط في عدم إخراجها من البعض، ولكن سوء إدارتها وتنميتها والاستفادة منها وحسن توزيعها، لافتاً إلى أن العديد من الدول لا تملك القوانين التي تجبر الأفراد أو المؤسسات على أداء الزكاة وتتركهم أحرارا في ممارسة هذه العبادة كل حسب ضميره.
copy short url   نسخ
29/12/2016
1681