+ A
A -
مازن حماد
قد تبدو خارج السياق، دراسة صدرت قبل أيام وتحدثت عن اندماج الحضارات بعكس توقعات صمويل هنتنغتن صراع حضارات لا يبقي ولا يذر، غير أن الاطلاع على الدراسة التي كتبها كيشور محبوباني عميد كلية لي كوان يو للسياسة العامة في جامعة سنغافورة الوطنية، ولورنس سامرز الرئيس الفخري للاقتصاد في جامعة هارفارد ووزير الخزانة الأميركية السابق، تأخذنا بثقة إلى نصف الكوب الملآن الذي قد يمتلئ عن آخره إذا أحسن صناع القرار التدبير.
ورغم المزاج القاتم جراء اضطرابات الشرق الأوسط المنتجة لمئات آلاف القتلى وملايين اللاجئين، والهجمات الإرهابية في كل مكان، والتوترات السياسية في أوروبا وتباطؤ النمو في الصين وركود الاقتصاد في عدة بلدان .. ورغم الشعور بتشاؤم عميق إزاء الحاضر وتوقع الأسوأ إزاء المستقبل، فإن المقاييس الموضوعية لرفاه الإنسان تؤكد أن العقود الثلاثة الماضية هي الأفضل في التاريخ على الإطلاق!
يعزو المؤلفان نتائج هذه الدراسة القيمة التي تلقاها الباحثون والمؤرخون باهتمام لا يخلو من الدهشة، إلى تمازج الحضارات في الأجيال الأخيرة مما أسس قواسم مشتركة جمعت تحت يافطتها معظم الشعوب التي عبرت عن ذات التطلعات التي تتبناها الطبقات الوسطى في العالم الغربي كنشر العلم والتكنولوجيا وتحسين التعليم والصحة، والقبول بمبادئ التنوير والديمقراطية.
تناولت الدراسة بتركيز مفيد، تبني الصين للحداثة واعتمادها استراتيجية إيجابية في التعامل مع الثقافة الغربية، كما تناولت العوامل التي تدفع العالم للتلاحم في القرن الحالي، وهو ما سنتناوله في مقال آخر. لكننا سنتحدث في مقال اليوم عن مخاطر يفرضها إرهابيو داعش والقاعدة اللذين فشلا في الحد من توافق الإسلام مع الحداثة والاستنارة والعلم.
تؤكد الدراسة أن الـ «16» مليار مسلم يتقاسمون في غالبيتهم العظمى الطموحات العالمية المشتركة لتطوير مجتمعاتهم وتحقيق معايير حياتية سليمة ومرضية. وإذْ شيدت ماليزيا ودبي أبراج بتروناس وخليفة، وهما رمزان واضحان للحداثة، نهضت المجتمعات الإسلامية بتعليم البنات إلى درجة أن عددهن في مدارس ماليزيا مثلا «65 %» من مجموع الطلبة الذكور، مما يذكرنا بضرورة الإشارة إلى نهج جاهل ومحدود تطبقه حركة طالبان الإرهابية والمنغلقة التي تحظر تدريس البنات وتجبرهن منذ سن السابعة على لبس نقاب على شكل زنزانة، زاعمة في الوقت نفسه أن ما تفعله ــ ويرقى إلى درجة الجريمة ــ يتماشى وتعاليم الإسلام.
وتقول الدراسة إن اختيار عدد من الشباب المسلم الانضمام إلى المتطرفين لتدمير وقتل ما يستطيعون تدميره أو قتله، لا يؤثر ــ رغم تهديدهم الأمن العالمي ــ على التوجهات التحديثية، للأمة الإسلامية. فخمسون ألف إرهابي ليسوا سوى نقطة في بحر «1600» مليون مسلم.
وثمة ترحيب كبير من قبل الحريصين على نجاح تجربة اندماج الحضارات، بقرار دول كالسعودية وقطر والإمارات، بإنشاء مؤسسات تعليمية ذات منبع غربي، مع ضرورة تذكير القلة المنتقدة لهذا التوجه، أن هناك فرقاً كبيراً بين التحديث والتغريب، ذلك أن الحضارة الإسلامية بالغة الثراء بحيث يستحيل استيعابها من قبل أي مكون ثقافي آخر، وهو ما ينطبق أيضاً على حضارة الصين، التي فيها «50» مليون طفل عازف للكمان و«36» مليون طفل عازف للبيانو.
نقول في النهاية إن محاربة العالم لإرهابيي داعش والقاعدة وغيرهما، تقود في النهاية إلى تطهير الإسلام، والدنيا من شرورهم وساديتهم وعدائهم للحضارة والحداثة والعدالة .. وكذلك لرب الكون الجميل.
copy short url   نسخ
30/05/2016
660