+ A
A -
حضرت حفلا «مدرسيا» لطلاب الصف الخامس والسادس في باريس كان الاحتفال رائعا» ولكن ما جعل الدم يتجمد في عروقي حين أخذ الطلاب وهم من جنسيات مختلفة يغنون أغنية بالفرنسية عن إسرائيل وفلسطين وباختصار كلمات الأغنية تقول: «نحن أطفال فلسطين وأطفال إسرائيل لنضع السلاح جانبا ونصبح أصدقاء».
عبارة تبدو قمة في الإنسانية والرقة بل الشاعرية أيضا، لكنني وجدت نفسي أتساءل وهل يعلم بقية الأطفال أن فلسطين أرض مُغتصبة ومُحتلة، وأن إسرائيل هي المغتصبة والمحتلة. وسألت مدرسة التاريخ إن كانوا يذكرون الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين ويقدمون التاريخ بنزاهة للطلاب؟ فأجابت أن قطعا لا. وبأنهم يريدون أن ينشؤوا جيلا «قائما» على المحبة وتقبل الآخر والتعايش معه. ووجدتني أصرخ: أين الحقيقة. لا يوجد أي منطق في العالم يُبرر ضياع الحقيقة، ففلسطين أرض مغتصبة من قبل الاستعمار الإسرائيلي وقد هُجر معظم أهلها ولا يزالون يطالبون بحق العودة. نقاش عقيم دار بيني وبين مسؤولي الحفل المدرسي كانت خلاصته عقيمة. وبعبارة واحدة ختمت مُدرسة التاريخ النقاش بأن هذه هي إنسانية الغرب! يا للعبارة الطنانة التي تبدو قمة في الإنسانية! فإنسانية الغرب تعني أن تُغيب تماما حقيقة العدوان الإسرائيلي على فلسطين وبأن يجهل هؤلاء الأطفال الأبرياء من جنسيات مختلفة أن إسرائيل عدو مُغتصب والفلسطينيين شعب مشرد من وطنه ضاع في بلاد الله الواسعة منتظرا العودة إلى وطنه. هكذا يُكتب ويُزور التاريخ في الغرب وأميركا! هذه هي إنسانية الغرب القائمة على طمس الحقيقة وتلميع صورة إسرائيل وحشو عقول ووجدان الطلاب بمعلومات ناقصة ومزورة تحت شعار إنسانية الغرب.
منظر جميل لكنه مُنافق وكاذب بل مجرم أن ترى أطفالا أبرياء، لا يعرفون من الحقيقة شيئا، يغنون: «نحن أطفال فلسطين وإسرائيل لنضع السلاح جانبا»! وثمة أطفال إسرائيليين كانوا يرسمون العلم الإسرائيلي على رأس الصاروخ الذي سيقصف غزة أو جنين أو أية منطقة فلسطينية، وثمة جرافات تقتلع بيوت الفلسطينيين من جذورها وتهدمها فوق سكانها ثم تُطالبهم بدفع أجور الهدم التي تعادل آلاف الدولارات.
لكن اللوم لا يقع كله على الغرب فكم من دول عربية انبطحت أمام إسرائيليين وأقامت سفارات لها على أرضها وزارها، كم من حاكم عربي مات مئات الألوف من شعبه ولم يعز واحدا منهم.
أكرر أن إنسانية الغرب كاذبة ومنافقة وعلى المهتمين بأمانة التاريخ وصدقه والمدافعين عن القضية الفلسطينية أن يبرروا ويقاوموا «إنسانية» الغرب المنافقة التي تزور ذاكرة أطفال.
شهدت ذات مرة حوارا تليفزيونيا مع كاتب عربي كبير كان زبدة ما يقوله بأنه تناول موضوع القضية الفلسطينية من جانب إنساني وبأنه ذات يوم قريب أو بعيد سوف يتم التعايش بين الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية. مع احترامي لحرية رأي أي إنسان بما فيهم هذا الكاتب فأنا لا أقبل ولا بأي شكل من الأشكال أن أفسر ما يحصل في فلسطين إلا على أساس واحد ووحيد بأن فلسطين أرض ووطن مُغتصب وإسرائيل مُغتصبة، ويستحيل أن يتصالح القاتل مع الضحية ويغنيان أغنية: نحن أطفال فلسطين أطفال الحجارة والسكين وتدمير بيوتنا سوف نلقي السلاح جانبا ونتصالح.
إنسانية الغرب إنسانية منافقة علينا نحن العرب أن ندافع عن حقنا في الوجود وعن حق قضيتنا. على الأقل كي لا تتشوه ذاكرة جيل من الأطفال تُقدم لهم المعلومات مسمومة وخاطئة على وقع أغاني ساحرة الموسيقى. الحق هو القيمة العليا التي يجب على الجميع أن يعرفها ويتربى عليها. فكلمة الحق هي ذاتها الإنسانية الحقة.
copy short url   نسخ
30/05/2016
1041