+ A
A -
يوسف غيشان
ربما أكون قد ولدت أو كنت على وشك، لما طرح الرئيس الأميركي أيزنهاور مشروعه الاستعماري في تعبئة الفراغ الذي حصل في العالم العربي بعد انحسار الاستعمار القديم وتحرر الدول واستقلالها، وقد ثارت ثائرة الجماهير العربية في ارجاء الوطن العربي ضد أيزنهاور وامتلأت الشوارع بالمظاهرات المنددة بمشروع تعبئة الفراغ، حيث أطلق المرحوم عبداللطيف ابو جبارة شعار المرحلة الذي صرخت به الحناجر العربية من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، وهو شعار:
- الفراغ في رأس أيزنهاور!!!!
وقد تكاثرت الأشعار والزجليات التي شاركت في المعركة، منها زجلية محمد الكايد (العرندس) التي تقول:
ايزنهاور يـــــا مهبـــــول
مشروعك ما هو مقــبول
يلعن كسمك عرض وطول
بصرمــــاية خلـيـلــــــــية
ومن المؤكد أن المصريين أبدعوا أكثر منا، والسوريين شهقوا أكثر منا، والعراقيين سحلوا اكثر منا، والسودانيين عرقوا أكثر منا، والمغاربة كسكسوا (تناولوا أكلة الكسكسي) أكثر منا... وربما مات البعض تحت بساطير العسكر أثناء المظاهرات. انتهى المشهد.
نقفز الآن نصف قرن ونيفاً عن ذلك الحدث الجلل، خصوصا نحن الذين كنا قد ولدنا أو كنا على وشك. لنشهد ونبصم بالأصابع العشرين، بأن تلك الفقاعات الصوتية التي اطلقها الآباء والاجداد آنذاك، لم تكن سوى فراغ في فراغ في فراغ... وان الفراغ الحقيقي كان في رؤوسنا وليس في رأس ايزنهاور كما اعتقد الآباء والاجداد عن طيبة أو سذاجة أو غباء.
الفراغ لم يكن في الشرق الاوسط فحسب بل داخل أدمغتنا ذاتها التي اغلقت باب الاجتهاد من القرن السابع الهجري، حتى صار الباب صدئا ولم نعد نفرقه عن الجدار....!!
المشكلة اننا نواجه حاليا مشاكل متشابهة لكننا نقابلها بذات الطريقة وبذات الرئة المنتفخة الهادرة مثل ماكينة تطحن قرونا.
هذا ما فعلنا في مواجهة الاحتلال الأميركي للعراق!
وما واجهنا به الجدار العازل!!
وتهويد القدس وبناء المستوطنات
وهذا ما نفعله كل يوم.. تماما مثل ذلك الثوري المعتاد على المظاهرات الصاخبة، حيث ظل ليلة دخلته على عروسه يهتف:
- بدنا (.......) بدنا(....)!!
وقد أعجبته القصة فصار كل ليلة يهتف بذات الطريقة وذات الحماس ثم ينام متعبا دون أن يدخل على عروسه. عروسه التي سئمت من هتافاته وجدت من يملأ الفراغ... فحبلت من الكثيرين عداه، وأنجبت دزينة من البنين والبنات ملؤوا فراغ حياتها.
وما زال الزوج الثوري يهتف بذات الطريقة وذات الرئة.
إنها خماسين الفراغ
خماسين الهتاف الساذج!!
خماسين النهاية!!
copy short url   نسخ
30/05/2016
728