+ A
A -
يستكمل الوطن الاقتصادي في الحلقة الثانية والأخيرة، استعراض كتاب «رواد الكحيل»، للباحث الدكتور إبراهيم عبدالكريم كريديه، والذي يؤرخ لبدايات استكشاف وظهور النفط في دولة قطر والكثير من دول العالم، وسلطنا الضوء أمس على أن الشيخ حمد بن عبدالله آل ثاني هو رائد ومؤسس صناعة النفط في دولة قطر دون منازع، حيث كان بمثابة وزير للطاقة بالإضافة إلى منصبه وليا للعهد فقد ساعد الجيولوجيين بكافة رحلات الاستكشاف والتنقيب وسهل لهم أعمالهم ورافقهم في اغلبها، وبعد تلك المرحلة ساهم بشكل كبير في عملية الاستخراج، حيث سافر بنفسه إلى عدة دول إقليمية لاستجلاب المعدات اللازمة على نفقته، علما بأن جده الشيخ محمد وجده المؤسس الشيخ جاسم كانا من الأثرياء وهذا ما ساعده لإنجاح مشروعه الطموح، وهو استخراج الذهب الأسود من حقول بلاده، حيث استعان بأرصدتهم المالية لتطوير مراحل الاستكشاف والاستخراج والتكرير، فقد أشرف شخصيا على بناء مدينة دخان النفطية وميناء زكريت اللوجستي البترولي وطرق المواصلات منها إلى الدوحة. كما ننشر صورا خاصة حصل عليها الباحث وتنشر لأول مرة عن تاريخ صناعة النفط القطري، والتي بدأت في 23 مارس 1922. وقد وصلنا أمس تاريخياً حتى 31 يوليو 1928.. ونستكمل الجزء الثاني والأخير من الكتاب:

بتاريخ 24/10/1929 انهارت بورصة وول ستريت التي عرفت بالخميس الأسود وبعدها كانت كارثة الثلاثاء الأسود بتاريخ 29/10/1929 حيث تراجعت قيمة الأسهم الصناعية «الداو جونز» وأسواق المال التي نتج عنها انهيار قيمة السلع الثمينة في العالم، وكانت تلك كارثة بالنسبة للاقتصاد العالمي آنذاك حيث ساد الكساد وتباطؤ النمو في آسيا والهند وتأثرت دول المنطقة كونها تتعامل وتحتفظ بالعملة الهندية، وهذا كان سببا آخر رئيسيا جعل الشيخ حمد بن عبدالله يسعى بكل إمكاناته لاستخلاص ملف النفط بأسرع وقت ممكن.
وبتاريخ 1/10/1930 وصل رجل الأعمال الأميركي تشارلز كرين والمهندس الجيولوجي كارل توتشيل قادمين برا من المنطقة الشرقية السعودية وقد اجتمعوا مع الشيخ حمد بن عبدالله وعرضوا عليه المساعدة في عمليات البحث والتنقيب والاستكشاف وتحدثوا بطريقة غير مباشرة باسم شركة ستاندرد اويل أوف كاليفورنيا التي اكتشفت واستخرجت لاحقا أحواض النفط السعودية، وقالوا إن العرض قائم في أي وقت ترى الحكومة القطرية أنه مناسب لها، ولكن الشيخ حمد تريث حتى تستكمل النتائج مع الجهات الرسمية الإنجليزية علما بأن شركة ستاندرد اويل أوف كاليفورنيا كان بإمكانها العمل ضمن الخط الأحمر الاحتكاري كونها تمتلك 25 بالمائة من شركة نفط العراق وبتاريخ 28/10/1931 وصل من البصرة المدير التنفيذي لشركة النفط الأنجلو فارسية البارون جون كادمان الذي حمل لاحقا لقب سفير النفط على رأس بعثة من الإداريين والحقوقيين للبحث عن إمكانية فتح مكتب اتصال مع الدوحة، وقد ذكر البارون للشيخ حمد الصعوبات والمشاكل التي يواجهها أهل الكويت والبصرة أثناء محاولتهم بيع أو تصريف محصولهم من اللؤلؤ الطبيعي بسبب ظهور اللؤلؤ الصناعي الياباني وانه يجب البحث عن مصادر مالية واقتصادية أخرى فأقتنع الشيخ حمد بوجهة نظره واصبح اكثر إصرارا على أنهاء ملف الذهب الأسود واستخراجه وبدأ يفكر جديا في إقامة مقر إداري دائم للجيولوجيين والعاملين في مجال صناعة النفط ليتباحث ويتواصل معهم باستمرار والعمل للوصول إلى منابعه.
وبتاريخ 20/8/1932 وصلت أهم البعثات وفيها الحاج عبدالله ويليمسون والبارون كادمان ومستر ميلز وبعد مباحثات شاقة وعدة اجتماعات مطولة مع الوفد القطري بقيادة الشيخ حمد بن عبدالله استطاعوا الحصول على حق امتياز لمدة سنتين بتاريخ 25/8/1932 مدد لاحقا ثمانية اشهر، حيث وصلت طلائع فرق البحث والتنقيب اللوجستية إلى قطر بقيادة المهندس آرثر نوبل بتاريخ 14/9/1932.
ثم التحقت بهم بعثة استكشافية جيولوجية أخرى مجهزة بتقنيات عالية بتاريخ 28/1/1933 بقيادة بيتر كوكس وسالي شاو حيث وجدوا الصخور المتماسكة والرسوبية المتكاملة والمتحولة والعناصر الجيرية والتركيبة الترابية الكلسية تشابه في مجملها العناصر الترابية في جبل دخان البحريني حيث تم اكتشاف النفط هناك سنة 1931.
وبتاريخ 27/2/1933 وصلت البعثة الثالثة الملحقة للبعثة السابقة بقيادة جورج مارتن لي والفرد بونص وجاك ويليام سون حيث جالت على مناطق الريان والجميلية وصولا إلى منطقة دخان والخطية وزكريت وتنقلت ما بين الغرافة وأم صلال وصولا لأم العمد شمالا كما استكشف فريق الباحثين جنوب البلاد من أبو فنطاس والوكرة وصولا لصحراء مسيعيد وبعد 8 اشهر رفعوا تقريرهم الذي يؤكد أن التركيبة الجيرية الأيوسينية الطوبوغرافية والجوموفرلوجية للصخور الفتاتية والرسوبية المطفية والتربة العضوية الطفيلية الطينية الصلصالية في منطقة دخان هي مطابقة تماما لمنطقة جبل دخان في البحرين التي ظهرت بها حقول النفط وان إمكانية وجود الكحيل أصبحت مؤكدة بنسبة كبيرة جدا.
هذا وقد أوكل الشيخ عبد الله بن جاسم ملف النفط كاملا لابنه حمد - وحول هذا الموضوع يقول حصين العامري وهو من أبناء بلدة الجميلية الغربية القطرية: «أصبح الشيخ حمد بن عبد الله آل ثاني بمثابة وزير للنفط بالإضافة لمنصبه وليا للعهد فهو من يستقبل الجيولوجيين ومهندسي البترول والإداريين والقانونين والموفدين الأجانب ويتناقش معهم لأيام طويلة في أمور استكشاف واستخراج النفط ويسهل لهم أمور التنقل والسلامة والسكن والمشتريات اللازمة للبحث والتنقيب وإحضار المترجمين من الخارج وكتاب الأرشيف وحفظ المراسلات ولوازم الإدارة وأجهزة الاتصال الخ..».
هذا وقد ساهم الشيخ حمد بن عبدالله بمال أسرته الخاص في سبيل إنجاح مشروع النفط كاستثمار استراتيجي له أبعاد اقتصادية واجتماعية ستنعكس إيجابيا على مستقبل بلاده وشعبه وأسرته علما بأن جده الشيخ محمد بن ثاني بن ثامر كان من كبار أثرياء المنطقة وكذلك الأمر بالنسبة لجده المؤسس الفعلي لدولة قطر الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني حيث كان من كبار تجار السفن واللؤلؤ الطبيعي في منطقة الخليج وقد جمع ثروة كبيرة، جراء ذلك استغل حفيده حمد القسم الأكبر منها لاستخراج النفط.
هذا وبتاريخ 29/10/1933 دخلت حكومة قطر ممثلة بالشيخ حمد بن عبدالله في مفاوضات رسمية جدية طويلة جدا ومعمقة مع شركة نفط الأنجلو- فارسية استمرت سنتين توقفت خلالها جولات التفاوض بعد أن دخل عرض حق الامتياز التي قدمته شركة ستاندرد اويل أوف كاليفورنيا النفطية الأميركية على خطها مما دفع الجانب البريطاني لعرض توسيع معاهدة الحماية البحرية العسكرية الموقعة مع الشيخ عبدالله بن جاسم بتاريخ 2/11/1916، لتشمل جميع أراضي الدولة البرية والجوية والبحرية وعدة بنود أخرى، أهمها أن من حق حكومة قطر استبعاد أي موظف أو عامل لا ترغب بوجوده على أرضها وأن تحرر العقود باللغة العربية وتدريب وتوظيف الكوادر القطرية ويسمح لهم أيضا بالإشراف والمراقبة وتكون جميع الأعمال تحت السيادة القطرية وتخضع لقوانينها وبتاريخ 30/4/1935 تم الاتفاق الذي وقعه من جانب شركة النفط الأنجلو- إيرانية تشارلز كلارك مايلز، ومن بنوده حق امتياز بري مدته 75 عاما، وباركت حكومة لندن للشيخ حمد بن عبدالله آل ثاني بمنصب ولاية العهد علما بأن اتفاق الامتياز النفطي القطري البريطاني يعتبر بقيمته السياسية والاقتصادية الأهم والأكبر تاريخيا بين البلدين - وفي 24/5/1935 وقع الكولونيل «ترنشارد كرافن وليام فاول» المندوب السامي البريطاني في الخليج ويمثل حكومة بلاده تجديد اتفاقية معاهدة الحماية الشاملة لدولة قطر».
ويذكر الكاتب الشخصيات التي كانت شاهدة على عصر الشيخ حمد بن عبدالله وقابلهم، كالوزير القطري الراحل خالد بن عبدالله العطية وجابر بن راشد الشرقي المري، الذي انضم لعمليات صناعة النفط على منصات الحفر منذ تأسيسها سنة 1935، وصالح بن عبدالله المناعي الذي عمل بمجال المشتريات والتخزين في منطقة دخان وزايد الحمد والذي انتقل للعمل في وزارة الخارجية لاحقا وكان في فترة شبابه مساعد صالح بن سليمان المانع، وكان مرافقا دائما له وحصين العامري الذي كان من رجال الأمن. كما يتحدث الباحث عن الصعوبات التي رافقت مرحلة التأسيس وبناء منصات الحفر والتثبيت وبكرات الحديد وميزان التحكم والرافعات المتنقلة والثابتة وجميع المعدات اللازمة لاستخراج النفط، بالإضافة للمولدات الكهربائية وأنابيب الضخ العامودية والأفقية ودعائم الضغط الخارجي والداخلي وأحواض التخزين والنقل حسب المواصفات المطلوبة من شركة النفط الأنجلو- فارسية، في حين أنه سافر بنفسه إلى العراق والبحرين والكويت والسعودية للغرض ذاته. ويذكر أنه بعد تدفق النفط من البئر رقم واحد بتاريخ 14-10- 1938 تم اكتشاف البئر الثانية على بعد 16 كلم جنوب البئر الأولى لتدخل بعدها أوروبا بحرب ضروس توقف على أثرها العمل، ليعود من جديد سنة 1946 وبذلك أصبحت مدينة دخان التي أنشأها الشيخ حمد بن عبدالله بن جاسم آل ثاني هي مدينة استخراج وصناعة النفط في دولة قطر، كما أسس شركة بترولية جديدة تحت راية «شركة تنمية البترول المحدودة- قطر» وقد وافته المنية سنة 1948.
copy short url   نسخ
30/05/2016
4524