+ A
A -
ودمدني- الوطن - محمد نجيب



على مدى أربعة أيام أحيت مدينة ودمدني بولاية الجزيرة بالسودان ممثلة في رابطة الجزيرة للآداب ووزارة الثقافة ونادي الخريجين الذكرى الأولى لرحيل الشاعر والقاص والمسرحي الكبير محمد محيي الدين، وأعلنت وزيرة الثقافة بالولاية إنعام حسن عبد الحفيظ عن جائزة شعرية باسم الشاعر محمد محيي الدين، وتضمنت الفعاليات قراءات من اشعار الشاعر الراحل، وليلة غنائية شارك فيها عدد من الفنانين في أداء بعض الأغنيات من كلمات الشاعر، بجانب مسرحة لبعض قصائده، وعقدت جلسة نقدية قدمت فيها أوراق حول التجربة الإبداعية للراحل محمد محيي الدين.
يقول الناقد مجذوب عيدروس في ورقته التي قدمها بعنوان قراءة في مقام الشهادة عن تجربة محمد محيي الدين أن شعره يظهر فيه جليا أثر سياحته في ديوان الشعر العربي قديمه وحديثه، وكما يتجلى فيه إبداع الموروث الثقافي السوداني برمزيته ورموزه وسيره الشعبية الحافلة، ويجد المتأمل في كتاباته التصاقه الحميم بالمكان والبيئة المحلية، فشخوصه كائنات حية ومتحركة داخل مدينة ودمدني ويضيف الشاعر الراحل أمسك بدءا بقصيدة التفعيلة بعد أن أسقط شعره العمودي ثم القصيدة المدورة مع الاهتمام الواضح بموسيقى الشعر الداخلية والخارجية، حاشدا قصيدته بإيقاعات متدافعة تنطلق بالقصيدة نحو بناء صوتي متكامل تندمج فيه الكلمة والتعبير والجملة الشعرية والقافية وصولا إلى نسق إيقاعي شعري متماسك.
ويشير عيدروس إلى أن الشاعر استفاد من تجربته في الكتابة للمسرح وكتابة القصة والسيناريو في استخدام التقنيات، واستفاد من إمكانات الفنون الأخرى، خاصة التشكيل والدراما والموسيقى، فاستخدامه للحوار والإعلان والملصق والسرد والتلوين والإيقاعات الموسيقية، هذا من إنجازات الحداثة التي لا تعتمد الفواصل الصارمة بين الأجناس الإبداعية، وتؤكد الورقة أن قصائد محمد محي الدين إضافة حقيقية لتجارب الشعر السوداني، وهي تخرج من شرنقة المحافظة والتقليد إلى فضاءات التجديد والحداثة، بينما جاءت ورقة الناقد جابر حسين بعنوان «ثلاث لوحات لمحمد محي الدين، إذ ينهضنا لنرى الوطن لنكون فيه» يقول: في قصيدته وضع الحقيقة، والرياح والبحر والمدى الممتد، الفقراء والناس الذين عليهم عبء التساؤل والثبات، وأرخى السدول على قصيدته، أكسبها غموضا لينا وجسارة في اللون فتوهج المعنى، وأشرقت العبارة، يذهب في اللوحة الأولى القول «رأيته تلك الأيام، ممسكا بلحظة الشعر ويسير حثيثا فيه، لكنه في ذات الوقت اشتغل على المسرح، على الكتابة فيه وإعداد السيناريوهات والإخراج، ومن أعماله المسرحية التي أنجزها كتابة وإخراجا وتمثيلا أحيانا كتب «القطر صفر» و«مطر الليل» و«هبوط الجراد» و«الرجل الذي صمت»، وإلى جانب مؤلفاته المسرحية كتب سيناريوهات مسرحية وإذاعية وسينمائية عديدة ويشير الكاتب في هذه اللوحة إلى أن قصيدة محمد محي الدين فيها الموهبة الكبيرة والمخيلة المجنحة بلغة تخاطب اليومي وتجالسه بينما يتناول في اللوحة الثانية قصيدة الشاعر الموسومة بعنوان «عشر لوحات للمدينة» وهي تخرج من النهر» والتي كتبها منفعلا بانتفاضة الجماهير بودمدني في العاشر من يناير 1982والمدينة تشيع شهيدها الفنان التشكيلي طه يوسف عبيد باعتبارها كتابة للمدينة وللنهر وللشهيد لكنها في ذات الوقت خلاصة مكثفة لمشهده الشخصي وهو في بلبال ذلك النضال الجسور يقول فيها:
شجر البان استعاد الريح
وارتاح على رقصته
النسوة يغسلن الجلابيب الثياب الخضر
أركان البيوت انتفضت
بالأرجل الراكضة
الطير انتشى
صفقت الزونيا
وضجت شجرة الجميز بالطير الصباحي
الحمامات تبرجن ونثرن على الأبراج ريشا أبيضا
والنهر أخفي لونه العادي
ثم تناول جابر حسين في لوحته الأخيرة كتابات محمد محيي الدين في أخريات سنين حياته عن دارفور وتاريخها في تداعيات نابضة بالحياة فكتب سيناريوهات عديدة مستلهما وجه التاريخ الهناك وقدم من بعده الدكتور الناقد عز الدين ميرغنى ورقته بعنوان «بنية اليقين والأمل عند الشاعر محمد محيي الدين- ديوان الرحيل» على صوت فاطمة نموذجا «متتبعا مراحل الشاعر المختلفة من خلال قصائده يقول ميرغني أن الشاعر الراحل يمتلك أكثر من بطاقة شخصية فهو قاص ومسرحي وقد استفاد الشعر عنده من كل هذه المواهب الابداعية الشاعر متحمس لفكرته ورسالته يسوغهما أحيانا في هنافية غير مزعجة وفي هذا يقلد محمود درويش وشعره ليس منغلقا وإنما منفتحا على عدة دلالات يمكننا ان نقول بأنه ينتمي لمدرسة الوضوح الشعري التي ينتمي اليها صلاح عبد الصبور وامل دنقل من مصر ومحمد المكي ابراهيم ومحمد نجيب من السودان وشعره يمتاز ببنية الأمل واليقين فجعل الوصل بين أناة وبين أنا المخاطب قوية ومقنعة وكلمات شعره تتحدى الموات والسكون فهي أكبر من أن يحتويها المكان والزمان ورغم المحن والاحتراق الداخلي فإنه يغني ويبعث الأمل رغم كل الأنواء والأدواء فروحه محلقة وليست ميتة ومستكينة وذاته متضخمة وممتلئة بالثقة وهو يكتبها دائما في شطر مستقل ليعطيها مقامها الذي تستحقه في حالة أقرب للتصوف.
والشاعر يبدأ قصيدته دائما بلا توازن نفسي حيث يكثر من الصراخ والشكوى ولكنه في النهاية يتوازن ويحمل نفسه إلى طريق الأمل واليقين.
أكثر الشاعر وأجاد استخدام أدوات الاستطراد التي يصل بها الجملة الشعرية مع الجملة الأخرى لاستكمال المعنى، والشاعر استفاد من معرفته بالقصة القصيرة لتكون قصيدته لها بداية ووسط ولحظة تنوير كبرى والقرية عنده تمثل النقاء والطهر والمدينة تمثل العكس والقرية هي الأمل والاخضرار، أما المدينة فهي المذلة واليباب. استظل الشاعر برومانسية كشجرة يستظل بها من العناء والحر وذل المدينة.
واختتمت الفعاليات بليلة شعرية ضخمة شارك فيها العديد من الشعراء منهم عالم عباس ومحمد الفاتح ابو عاقلة وعبد العظيم عبد القادر وعثمان بشرى ومحمد ابراهيم وغيرهم، وحضرها جمهور غفير.
copy short url   نسخ
29/05/2016
1377