+ A
A -
مدريد- الوطن- زينب بومديان
رغم مرور أكثر من خمسة قرون على سقوط غرناطة عام 1492م، - آخر ولايات الأندلس-، إلا أن الأسماء العربية ظلت باقية في «كنيات» وأنساب العديد من المواطنين الأسبان، واغلبهم من أصول عربية، بل ومازال نسبة كبيرة منهم يفتخرون بانتمائهم إلى أصول عربية وخاصة أبناء الأمراء والأعيان في حقبة الأندلس، أعرق وأزهى فترات أسبانيا على الإطلاق، بحسب اعتراف الحكومة الأسبانية عام 1992، كما يحرص الأسبانيون المتفاخرون بأنسابهم العربية على أن يبنوا منازلهم على الطراز الأندلسي خاصة في ولايات الجنوب الأسباني «غرناطة ومالقا وسيفيلا».
تقول إلينا بونيتا، الباحثة في علم الاجتماع بجامعة برشلونة لـ الوطن، أن هناك عائلات كثيرة في أسبانيا مازالت تحتفظ بألقابها العربية «الكنية»، لكنها بالطبع حرفت إلى طريقة النطق باللغة الأسبانية، ويسكن أغلبهم في مدن الجنوب الأسباني مثل «غرناطة ومالقا وسيفيلا»، ومدن الضفة الأخري في إفريقيا «سبته وميليلة» الواقعة تحت السيادة الأسبانية، ويبلغ عددهم تقريبا بحسب إحصائية عام 2007 حوالي ثلاثة ملايين نسمة، مسجلة «كنياتهم» كأصول عربية صريحة، وهؤلاء الأسبانيون من أصول عربية يتفاخرون بأنسابهم، ونسبة كبيرة منهم يحتفظون بسجل نسب، وبعضهم يعود نسبه لأمراء الأندلس بمختلف عصور الحكم العربي– انذاك- طوال ثمانية قرون تقريبا، وقد تلاحظ خلال بحث أجرته باحثة تدعى «جينيتي غارسيا» بجامعة مدريد عام 2010، أن العائلات الأسبانية من أصول عربية الذين ينحدرون عن أصل من الأعيان أو الأمراء حريصون جدا على نسبهم، فلا يتزوجون إلا من بعضهم– داخل العائلة- وأغلبهم يحرصون على الإقامة في غرناطة بشكل متجاور، ورغم أن أغلبهم يدين بالمسيحية إلا أنهم توارثوا الكثير من العادات العربية، ومنهم مثلا عائلة «بني السراج» – ABENCERRAJES- وهم من أصول شامية جاؤوا من دمشق في القرن الثامن الميلادي ضمن الجيوش العربية، وأصبحوا فيما بعد من أمراء غرناطة، والآن هم من أثرياء غرناطة، ومازالوا يحرصون على تاريخهم ونسبهم ويتفاخرون به، حتى منازلهم مازالت تحمل الطابع الأندلسي بالرغم من أنها حديثة، وكذلك عائلة «القائد –ALCALDE- هم أبناء القائد محمد بن العاصي، قائد أحد فيالق الجيش في عهد المنصور بن أبي عامر، وبعد تركه لإمارة الجيش استقطعه المنصور إقطاع، وأصبح القائد محمد العاصي من أعيان الأندلس، واشتهر باسم القائد ومنزله بمنزل القائد، واستمرت عائلته تحمل نفس الكنية حتى الآن، ليس ذلك فحسب، بل مازال أحفاد بني أمية يعيشون في أسبانيا متمسكين بالكنية العربية ويتفاخرون بها حتى الآن، مثل حفيد محمد ابن أمية أو «فرناندو دو بالور»، الذي قام ملكان الكاثوليك بعد استرداد قرطبة عام 1492م بمنحه جده إقطاع بالور «LOS VALORES»، بعد أن تحول للمسيحية وأطلق عليه اسم هرناندو، وأصبح اسمه «هرناندو دي قرطبة»، ثم أصبحت مع الوقت بحكم اللغة الأسبانية «LOS VALORIES»، ثم ورثها حفيده «رودولفو»، وهو كاتب ومؤرخ أسباني شهير، من أحفاد ابن أمية ولد بمنطقة أندوخار، بمدينة جيان في 5 يونيو 1901م وتوفي بمدريد سنة 1975م، وهو من أشهر أحفاد بني أمية، وابنه «خافيير ابن أمية بويسيربر»، وهو مؤسس الشركة الأندلسية العملاقة «ABENGOA» ولد بأشبيلية سنة 1915م، وهو من أكثر الشخصيات الأندلسية نفوذا في أسبانيا، وحصل على العديد من المناصب والتشريفات وتوفي عام 2002م، ومازال أحفادهم يعيشون في منطقة اندوخار حتى الآن، ويحتفظون بعاداتهم وتقاليدهم الأندلسية في حياتهم اليومية وحتى في شكل وطراز المنازل.
وتشير بونيتا، وفي عام 2010 خلص الباحث «خوليو غارتي» بجامعة برشلونة، إلى أن حوالي 10 بالمائة من سكان أسبانيا البالغ عددهم حوالي 47 مليون نسمة عام 2014، مازالوا يحتفظون بكنياتهم العربية، منهم حوالي 11 بالمائة يحافظ على العادات والتقاليد العربية والطقوس اليومية وحتى طراز المنازل، فيما لا يهتم الباقون إلا بالاسم «اللقب»، كما يبلغ نسبة المسلمين بينهم حوالي 15 بالمائة، وفق بيانات الهيئة العامة للإحصاء – حكومية- الصادرة عام 2014، ويتمركز حوالي 61 بالمائة منهم في مدن جنوب أسبانيا «غرناطة ومالقا وسيفيلا وسبته ومليلة»، أما الباقون فمنتشرون في أغلب المدن وخاصة العاصمة مدريد لارتبطات تعلقت بالعمل، كما توصلت الدراسة إلى أن حوالي 41 بالمائة من العائلات الأسبانية المنحدرة من أصول عربية والبالغ عددها حوالي 71 ألاف عائلة حريصة على الزواج من داخل العائلة، وتكوين أفرع تنتمي لنفس «الكنية أو اللقب» العربي، وهذه المعلومات كانت قبل عام 1992 كفيلة بجلب المشاكل بل والكوارث إلى صاحبها لو أعلنت بشكل صريح، لكن بفضل القانون الذي حرص الحزب الاشتراكي على إقراره عام 1992 أصبحت الأمور أفضل، واعترفت أسبانيا صراحة بخطاها في حق المسلمين بعد سقوط الأندلس، ومنذ ذلك الحين يتم العمل على تعويض الأسبانيين أصحاب الأصول العربية مادياً ومعنوياً، وكذلك المورسكيون «عرب الأندلس المهجرين قسرا»، في دول شمال أفريقيا.
اعادة اعتبار
ويشير خالد عرابي، أستاذ التاريخ بجامعة برشلونة، وأمين عام جمعية «أحفاد الموسكيون» بغرناطة، أن البرلمان الأسباني قام عام 1992 بغلق ملف التاريخ الأسود لأسبانيا في حق المسلمين، وتم إقرار قانون باعتبار التاريخ الإسلامي في «الأندلس» تاريخ مشرف وحضارة عربية لا يمكن إنكارها، ومنذ عام 2002 تمكن المواطنون الأسبانيون من أصول عربية من التجمع وتكوين جمعيات أهلية للمطالبة بحقوقهم منها «جمعية أحفاد المورسكيون» بغرناطة، و«العروبة» و«عرب الأندلس» «والأندلسيون»، وغيرها من المنظمات والروابط المدنية، المطالبة بإعادة الاعتبار لأحفاد عرب الأندلس الذين نكل بهم بعد سقوط الأندلس، والمطالبة بتصحيح التاريخ المكتوب في أسبانيا وتدريس الحقبة العربية في الأندلس دون تحريف، وقام برلمانيون بالحزب الاشتراكي الأسباني بتبني مشروع قانون ينص على رد الاعتبار لأحفاد المورسكيون الذين طردوا من أسبانيا بشكل جماعي، وتم تمرير القانون وإقراره عام 2015، كما تمكن من الحصول على موافقة بإعادة النظر في مناهج التاريخ في المدارس والجامعات لإعادة صياغتها بما يوافق الواقع، وإزالة ما ألم بها من تحريف، لتدريس تاريخ الأندلس الصحيح والحضارة العربية كما كانت في الأندلس خلال ثمانية قرون، وربما قريبا يتم تنفيذه بعد الانتهاء من إعداد المناهج الجديدة، وغالبا– بحسب ما هو معلن- سيتم الانتهاء منها عام 2017، وتعميمها على المدارس اعتبارا من العام الدارسي 2017-2018، كما يتم العمل منذ عام 2015 على إعداد دراسة حقيقية وواقعية لأحفاد المورسكيون الذين هجروا قسرا عام 1492م إلى دول شمال إفريقيا «المغرب الجزائر وتونس»، لتعويضهم مادياً ومعنوياً بعد رد الاعتبار لهم ومنحهم الجنسية الأسبانية، والأمر نفسه يطالب به الأسبانيون من أصول عربية الذين عاشوا في أسبانيا بعد أن غيروا ديانتهم، ولكن الأمر يحتاج إلى العديد من الإجراءات لتنفيذه.
ويضيف عرابي، أن التاريخ العربي في أسبانيا – خلال حقبة الاندلس- تعرض للتشويه المتعمد، وتم تدريسه خلال ثمانية قرون مضت في المدارس والجامعات بشكل خاطئ ويتم حاليا العمل على تصحيح هذا الخطأ والتشوه من خلال الجمعيات الأهلية بالتعاون مع الجهات الحكومية المعنية، وخاصة وأنه خلال العقدين الماضيين ساهمت الجمعيات والمنظمات المدنية المعنية بشؤون الأندلس وأحفاد عرب الأندلس بمختلف أسمائها وتكويناتها من جمع أحفاد عرب الأندلس واتحادهم والمطالبة بحقوقهم بشكل منظم حقق الكثير من النجاح، أهمها اعتراف أسبانيا بهم وحقوقهم والإقرار بالخطأ في حقهم وإعادة تصحيح التاريخ العربي في الأندلس وتدريسه في المدارس، بالإضافة إلى رد الاعتبار والتعويض المادي وهي خطوات جار العمل على تنفيذها على أرض الواقع.
copy short url   نسخ
18/11/2016
22612