+ A
A -
تختلف الولايات المتحدة مع روسيا حول سياسة الرئيس بوتين في أوكرانيا وفي شبه جزيرة القرم، وحول سياسته في سوريا والشرق الأوسط. وتختلف الولايات المتحدة مع الصين حول سياستها التوسعية في بحر الصين الجنوبي واختلافاتها مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة: اليابان والفلبين وتايوان واندونيسيا وماليزيا، وفيتنام. غير ان الهم الأكبر الذي يشغل الولايات المتحدة هو تنامي القوة العسكرية لدى كوريا الشمالية. سواء من خلال انتاج السلاح النووي، وقد أجرت كوريا الشمالية حتى الآن أكثر من خمس تجارب نووية ناجحة، أو من خلال انتاج الصواريخ العابرة للقارات من غواصات في المحيط الباسيفيكي. وكانت آخر تجربة قد أجريت في شهر أغسطس الماضي.
وهذا يعني في الحسابات الأميركية ان التهديد النووي والصاروخي لكوريا الشمالية لم يعد تهديداً شفوياً أو مجرد حبر على ورق. بل اصبح أمراً حقيقياً. وبالتالي فانه بعد فشل التعامل معه بالإحتواء يقتضي الآن التعامل معه بوسائل أخرى.
ولكن ما هي هذه الوسائل الأخرى؟
لا تنتظر الاجابة على هذا السؤال نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجري في الاسبوع الأول من شهر نوفمبر القادم. فالرئيس المقبل، سواء كان دونالد ترامب، أو هيلاري كلينتون، سوف يجد أمامه في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض «ملف الخيارات» الممكنة لمواجهة التهديد الكوري الشمالي. ويعمل على إعداد هذا الملف فريق من الاختصاصيين والخبراء العسكريين والسياسيين الأميركيين. ولعل أهم وأخطر ما في هذا الملف استبعاد فكرة الاحتواء مرة جديدة. فقد أثبتت التجربة ان الاحتواء متمثلاً في رفع أو في تخفيف العقوبات والمقاطعة، وفي تقديم مساعدات إنسانية لمواجهة المجاعة بعد ان اجتاحت كوريا الشمالية الفيضانات المدمرة منذ عدة سنوات، لم تحقق الهدف السياسي منها. بل على العكس، استغلت كوريا الشمالية ذلك للمضي قدماً في مشروع تطوير برنامجها العسكري والنووي. وقد اصبحت قادرة الآن على توجيه ضربة عسكرية (نووية؟) من صواريخ بعيدة المدى، وتطلق من غواصات في المحيط الباسيفيكي لأهداف أميركية، في كاليفورنيا ذاتها!!
هذا يعني ان خطر التسلح النووي الكوري الشمالي لا يهدد فقط حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الاقصى ( اليابان وكوريا الجنوبية تحديداً) ولكنه يهدد الأرض الأميركية مباشرة هذه المرة.
واجهت الولايات المتحدة حالة من هذا النوع عندما تمكن الاتحاد السوفياتي السابق من تسريب صواريخ متوسطة المدى إلى كوبا في عهد الرئيس السابق فيدل كاسترو. وكادت تنشب بين واشنطن (جون كنيدي) وموسكو (نيكينا خروتشوف) حرب نووية مدمرة لو لم يتدارك الزعيمان الاميركي والسوفياتي الأمر في اللحظة الأخيرة. فسحبت الولايات المتحدة صواريخها الباليستية المحملة برؤوس نووية من تركيا (المجاورة للاتحاد السوفياتي) مقابل سحب الصواريخ الروسية من كوبا.
غير ان الأمر مختلف هذه المرة مع كوريا الشمالية. فعملية اتخاذ القرار لدى الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون تختلف عن عملية اتخاذ القرار لدى خروتشوف. وبيونغ يانغ ليست موسكو. كذلك فان صناعة القرار الكوري الشمالي تتحكم فيه ثقافة وطنية تقول ان الشعب الكوري تعرض للاضطهاد على ايدي الأميركيين، واليابانيين والصينيين. وان كوريا (الشمالية) تؤهل ذاتها لفرض الكرامة الكورية ولو بالقوة العسكرية. من هنا فانه في الوقت الذي تسعى الولايات المتحدة إلى تجريد كوريا الشمالية من السلاح النووي، تطالب كوريا الشمالية بانسحاب القوات الأميركية من كوريا الجنوبية. ويبلغ عدد هذه القوات 28 ألف جندي. وقد جرى تعزيزها مؤخراً بحاملات طائرات وغواصات نووية اضافية.
ربما يفسر هذا التصعيد العسكري الخطير بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، الليونة الأميركية غير المتوقعة في التعامل مع روسيا، سواء في أوروبة الشرقية أو في الشرق الأوسط. وربما يفسر أيضاً الليونة الأميركية في التعامل مع الصين في حركتها التوسعية في بحر الصين الجنوبي.
فالولايات المتحدة تحتاج إلى التعاون مع كل من الصين وروسيا لمواجهة الخطر النووي الكوري الشمالي. وهو خطر داهم وحقيقي.. ولم يعد مجرد تهديدات هوجاء وعشوائية يطلقها الرئيس كيم.. وهو -أي كيم- لم يعد ظاهرة كلامية.. لقد أصبح قوة نووية حقيقية تمتد ذراعه حتى إلى الولايات المتحدة ذاتها.
هذا التحول ادى إلى تغيير معادلات لعبة الأمم، وادى حتى إلى تغيير مبدأي في تحالفات لعبة الامم وخاصة بين القوى الثلاث الصين وروسيا والولايات المتحدة. والشرق الأوسط هو جزء من مسرح هذه اللعبة.. بما تقتضيه من مساومات ومن عمليات مقايضة.. ومن بيع وشراء!!.
copy short url   نسخ
27/10/2016
962