+ A
A -
نهاد أبو غوش
كاتب فلسطيني
تنضاف جريمة الإعدام الميداني للصحفية الشهيدة شيرين أبو عاقلة، عند مداخل مخيم جنين، إلى سابقاتها من جرائم قتل وإعدام أكثر من 45 صحفيا وصحفية، فلسطينيين وأجانب، أعدمتهم قوات الجيش الإسرائيلي منذ العام 2000. جرى استهداف بعضهم في أثناء تغطيات المواجهات الميدانية، وبعضهم الآخر قضى في استهداف مكاتبهم بقصف جوي. وفي جميع هذه الحالات، لم تجر محاسبة أو مساءلة أي جندي أو ضابط أو مسؤول إسرائيلي، بل في جميع حالات القتل خارج نطاق القانون والإعدام الميداني للمدنيين الفلسطينيين لم يحاكم إلا جندي إسرائيلي واحد هو أليئور أزاريا، لإطلاقه النار على الشهيد عبد الفتاح الشريف الذي كان لحظتها ملقى على الأرض وبلا حراك، ولكن كاميرات الفيديو وثقت هذه الفعلة عام 2016. ولم يلبث القاتل في السجن سوى تسعة أشهر، وخرج مكللا بصفات البطولة والمجد من الإسرائيليين ووزرائهم وقادتهم قبل عوامّهم الذين شكلوا لجانا «وطنية» لدعمه والمطالبة بعفو عنه، وذلك ما جرى، حيث حصل على تخفيض بنصف مدة الحكم بسبب «حسن سلوكه».
تدرك إسرائيل الرسمية هول ما ارتكبت، وفظاعة جريمتها بحق صحفية عريقة ومعروفة عالميا. لذلك حاولت الدوائر الحكومية وغالبية وسائل الإعلام الإسرائيلي التعمية على جريمتها، وتصوير الحادثة أنها نتيجة «تبادل الاشتباكات» بين الجيش الإسرائيلي ومسلحين فلسطينيين. ولذلك عمدت إلى نشر صورة شيرين وإلى جانبها صورة مسلح فلسطيني. ولافت أن الصورة (صورتان متجاورتان) هي نفسها في جميع وسائل الإعلام الإسرائيلي الذي عادة ما يتجنّد مع حكومته وجيشه في الأزمات والملمّات، ما يؤكّد أن نشرها بهذه الطريقة جرى بناء على تعليمات أو توجيهات «مصادرعليا». ودعا وزير خارجية دولة الاحتلال يائير لبيد إلى تشكيل لجنة تحقيق مشتركة للإيحاء بأن القاتل مجهول، لكن شهادات موثقة لكل من مدير مكتب قناة الجزيرة في فلسطين وليد العمري، والصحافي الجريح علي السمودي، الذي هبّت شيرين لنجدته حين أصيب، والصحافية شذا حنايشة، زميلة شيرين في المهمة، وكانت على بعد مترين منها لحظة إصابتها، كلها أكدت أن شيرين استشهدت قبل بدء الاشتباكات برصاصة من قناص إسرائيلي أصابها في رأسها.
ليس من الصعب معرفة سبب استسهال الجيش الإسرائيلي قتل الصحفيين، على الرغم من ارتدائهم علامات مميزة، وسترة زرقاء واقية وخوذ عليها شارة الصحافة العالمية، فإسرائيل تريد بذلك اغتيال الحقيقة ومنع الصحفيين من نقل ما يجري ومن توثيق الانتهاكات، ثم احتكار نقل ما يجري في الأراضي المحتلة من خلال الوسائط الإسرائيلية المرتبطة بجيش الاحتلال وأجهزته الاستخبارية، حيث إن معظم عمليات الاجتياح يرافقها صحفيون إسرائيليون يستقلون المركبات العسكرية المصفحة. وسبق لإسرائيل أن عانت كثيرا من تأثير الصور والتقارير التي نَقلت إلى العالم ما يجري في فلسطين، مثل مشهد اغتيال الطفل محمد الدرّة عام 2000، وإعدام الشهيد عبد الفتاح الشريف في 2016، والحرب الرابعة على غزة التي خسرت فيها إسرائيل إعلاميا بشكل مؤكد، فشكلت لجنة رسمية للتحقيق في أسباب الفشل الإعلامي.
سبب آخر لسهولة ضغط جنود الاحتلال على الزناد، يتمثل في الحماية المطلقة التي توفرها الحكومة الإسرائيلية وجيشها، وحتى الجهاز القضائي الإسرائيلي المنحاز دائما للقتلة، ولم يكلف نفسه مرة إجراء تحقيق شفاف في مثل هذه الجرائم. وقد تجدّد هذا الدعم بعد اغتيال شيرين أبو عاقلة، على لسان رئيس الوزراء نفالي بينت، الذي هاجم الرئيس الفلسطيني محمود عباس لاتهامه الجيش الإسرائيلي بقتل الصحفية «من دون دليل»! وقال حرفيا «أدعم جنودنا وأقف خلفهم، واتهامات أبو مازن باطلة».
وثمّة سبب موضوعي آخر، يتمثل في حجم التعبئة العنصرية والمتطرّفة السائدة في أوساط الجيش الإسرائيلي، وتحديدا لدى الوحدات الخاصة، مثل «يمام» و«يسام» و«شكيد»، التي تتولى تنفيذ هذه المهمات الخطرة والخاصة، فهؤلاء يجري شحنهم مسبقا بقناعاتٍ أنك إن لم تبادر إلى قتل الفلسطيني سوف يقتلك.
دخلت شيرين بيوت جميع الفلسطينيين وعشرات ملايين العرب، جيل كامل من الفلسطينيين تفتح وعيه على تقاريرها وتقارير زملائها، وفلسطين تودعها بكل ما تستحقه من حب واحترام وتكريم واعتزاز وإجماع وطني، فعلى الطريق الطويل بين مخيم جنين ورام الله والقدس مرورا بنابلس وعشرات القرى، ترغب كل قرية بتكريمها على طريقتها الخاصة من حفاوة، لولا ضرورات الدفن والترتيبات العائلية والرسمية، وهذا ما يدفع الصحفيين الفلسطينيين، والجمهور الفلسطيني بشكل عام، إلى المطالبة بالعدالة لروح شيرين أبو عاقلة، من خلال محاسبة قتلتها، وعدم إفلاتهم من العقاب.{ العربي الجديد
copy short url   نسخ
14/05/2022
158