+ A
A -
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
القرآن كلام الله، وفضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، وقراءته أفضل ما تحّرك به اللسان. فمن فضائل تعلم القرآن وتعليمه وقراءته: أجر تعليمه: قال صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمهُ»، «مَنْ عَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ كَانَ لَهُ ثُوَابُهَا مَا تُلِيَتْ». وأجر قراءتـه: قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بهِ حَسَنَةٌ والحَسَنَةُ بعَشْرِ أمْثَالِهَا»، قال ابن رجب: فمضاعفة الحسنة بعشر أمثالها لازم لكل الحسنات، وقد دل عليه قوله تعالى: ‍(مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)، وأما زيادة المضاعفة على العَشْر فهي لمن شاء الله أن يضاعف له، وقد تصل الزيادة إلى سبعمائة ضعف وأكثر، وسبب ذلك بعد فضل الله خشوع القلب والتدبر والفهم ونحوه.
أما فضيلة تعلّم القرآن وحفظه والمهارة بقراءته: فقال ‍ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الذيْ يَقْرَأ القُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَمَثَلِ الذيْ يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيْدٌ فَلَهُ أجْرَانِ» (والسفرة: الملائكة). وقال صلى الله عليه وسلم: «يُقَالُ لِصَاحِبِ القُرْآنِ: اقْرَأ وارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلْ في الدُّنيا فَإنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بهَا». وقال الخطابي: جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على قدر دَرَجِ الجنة، فيقال للقارئ: ارقَ في الدرج على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن، فمن استوفى قراءة جميع القرآن؛ استولى على أقصى درج الجنة في الآخرة، ومن قرأ جُزءًا منه كان رقيّهُ في الدرج على قدر ذلك، فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة. أما أجر من تعلَّم وَلَدُه القرآن: قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ وَتَعَلَّمَهُ وَعَمِلَ بهِ أُلبسَ وَالِدَاهُ يَوْمَ القِيَامَةِ تَاجًا مِنْ نُوْرٍ ضَوْؤُهُ مِثْلُ ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَينِ لا يَقُوْمُ لَهُمَا الدُّنيا، فَيَقُوْلانِ: بمَ كُسِيْنَا هَذِهِ؟ فَيُقَالُ: بأَخْذِ وَلَدِكُمَا القُرْآنَ».
بينما شفاعة القرآن لصاحبه في الآخرة: قال صلى الله عليه وسلم: «اقْرَءُوْا القُرْآنَ فِإنَّهُ يَأتِي يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيْعًا لأَصْحَابهِ». وقال صلى الله عليه وسلم: «الصِّيَامُ وَالقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلعَبْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ».
وأجر الاجتماع لتلاوته وتدارسه: قال صلى الله عليه وسلم: «مَا اجْتَمَعَ قُوْمٌ في بَيْتٍ مِنْ بُيُوْتِ الله تَعَالَى يَتْلُوْنَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُوْنَهُ بَيْنَهُمْ إِلا نَزَلَتْ عَلَيْهُمُ السَّكِيْنَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الملائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ الله فِيْمَنْ عِنْدَهُ».
ومِنْ أَحكام القراءة: آداب القراءة: ذكر ابن كثير آدابًا منها: ألا يمسَّ القرآن ولا يقرأه إلا وهو طاهر، وأن يسَتاك قبل تلاوته، وأن يلبس أحسن لباسه، وأن يستقبل القبلة، وأن يمسك عن القراءة إذا تثاءب، وألاّ يقطع القراءة بكلام إلا لحاجة، وأن يكون حاضر الذهن، وأن يقف على آية الوعد فيسأل وآية الوعيد فيستعيذ، وألا يضع المصحف منشورًا ولا يضع فوقه شيئا، وألا يجهر القراء بعضهم على بعض في القراءة، وألا يقرأ في الأسواق وأماكن اللغط.
أما كيفيّة القراءة: قراءة القرآن والذكر في الصلاة وغيرها لا يُعتدُّ به حتى يتَلفّظ به بحيث يُسمع نفسه، دون تشويشٍ على غيره.
وينبغي أن يتمهَّل في قراءته. سُئِل أنس رضي الله عنه عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «كَانَ يمُدُّ مَدَّاً، إِذَا قَرَأَ: بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ؛ يمُدُّ بسْمِ اللهِ، ويمُدُّ الرَّحْمَنِ، وَيمُدُّ الرَّحِيْمِ».
ومقدارها: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يجعلون لأنفسهم نصيبًا من القرآن كل يوم، ولم يداوم أحدٌ منهم على ختمهِ في أقلّ من سبعة أيام، بل ورد النهي عن ختمه في أقل من ثلاثة أيام.
والقراءة حفظًا: إذا كان القارئ للقرآن من حفظه يحصل له من التدبر والتفكر وجمع القلب والبصر أكثر مما يحصل له من المصحف فالقراءة من الحفظ أفضل، وإن استَوَيَا فمن المصحف أفضل.
لذا احرص أيها المسلم على قضاء وقتك في قراءة القرآن، واجعل لنفسك قدرًا يوميًا لا تتركه مهما كان الأمر، وقليل دائم خير من كثير منقطع. فإن غفلت أو نمت فاقضه من الغد. قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبهِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرَأَهُ فِيْمَا بَينَ صَلاةِ ألفَجْر وَصَلاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ الَّليْلِ»، ولا تكن ممّن هجر القرآن ونسِيهُ بأي نوع كان، كهجر قراءته، أو ترتيله، أو تدبّره، أو العمل به، أو الاستشفاء به.د. فاطمة سعد النعيمي
عضو هيئة التدريس بقسم القرآن والسنة
في جامعة قطر
copy short url   نسخ
22/04/2022
229