+ A
A -
حوار أكرم الفرجابي
أكد الأستاذ الدكتور نورالدين الخادمي، أستاذ الفقه وأصوله بكلية الشريعة في جامعة قطر، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن الأجر يتعاظم في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، ويزداد الفضل من الله تعالى، منوهاً بأن الصدقة من أعظم القُربات والأعمال الصالحات، وهي سُنّة النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يُعرف بأنّه «كان أجود النّاس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان»، ومن فضل الصدقة في رمضان وسائر الزمان، تحصيل الأجر والتواصل مع الناس وتعظيم الصِّلَة بالله تعالى.
واسترجع الخادمي في حوار خاص لـ «الوطن» شريط ذكرياته مع رمضان، متناولا العادات والتقاليد التي يحرص على إحيائها في الشهر الفضيل، مؤكداً أنه محطّة من المحطّات العظيمة في تقوية أواصر القربى بين الأرحام وأواصر الأخوة بين المسلمين، وذلك لعظمة روحانيّته وشعائره وكونِه يتجدّد فيها الإيمان وتَعظُم فيه العزيمة ويُقبِل فيه الإنسان على أبواب الخير والبِرّ والإحسان، كما أنه يتيح فُرصة الإنفاق والإطعام والتّهادي والتّزاور، وفُرصة الاجتماع على العبادات كالتراويح والجمعة والعيد، وفُرصة التّغافر والتّجاوز طمعاً في مغفرة الله وفضله، وكذلك فُرصة تقديم الخِدمة والمساعدة ومشاركة أهل الخير في الإفطار الجماعي وتوزيع سَلّة رمضان وتذكير الناس بحُرمة الشّهر وأحكامه ومقاصده.. وغيرها من التفاصيل التي تطرق لها في هذا الحوار الرمضاني:
{ بدايةً نرجو أن تحدثنا عن أعظم الأعمال في العشر الأواخر من رمضان...؟
الصدقة هي من أعظم القُربات والأعمال الصالحات، وهي سُنّة النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يُعرف بأنّه «كان أجود النّاس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان»، ومن فضل الصدقة في رمضان وسائر الزمان تحصيل الأجر والتواصل مع الناس وتعظيم الصِّلَة بالله تعالى، ويتعاظم الأجر في العشر الأواخر ويزداد الفضل من الله تعالى.
{ من وجهة نظركم كيف يكون الاستثمار الأمثل للشهر الكريم...؟
يكون باعتماد برنامج لِلشهر يُمكن تسميته بـ «برنامج تنفيذي» أو «خُطّة عمل الشهر» يكون فيها مجموع الأعمال التي سينجزها الصائم على حسب وضعه وإمكانياته. وهذه الأعمال هي: تلاوة القرآن والصلوات الخمس والتراويح ودروس العِلم، وأعمال الخير وصِلة الرّحم، فضلا عن أعماله في الأسرة والوظيفة وغيرها... ويبنى مجموع عمل رمضان على النية الصادقة والقصد الصحيح، بناء على الحديث: إنما الأعمال بالنيات، وكل واحد يقدر موازنة عمله ويجتهد فيها بالوسع والصدق، وهو أعرف بحال نفسه وعناصر قوته وضعفه.
مواقف وذكريات
{ هل تتذكر أول يوم صيام لك وأي ذكرى تركها ذلك اليوم في ذهنك...؟
الذي أذكره وأنا طفل أنّ العائلة كانت تُدرّبنا على الصيام المؤقت لبعض الساعات، وهو ما يُردّده الناس على سبيل الدعابة «صائم على زَرْسَة (أي على ضرس) وفاطر على خَمْسَة (أي على باقي الأضراس». ثم بدأنا صوم اليوم كلّه خلال الشهر، وتمثل بداية الصيام لمن بلغ سن التكليف مناسبة فرحة وحديث العائلة والجيران وفيها كلمات التشجيع والتحفيز، وكان لذلك أثر عظيم في ترسيخ محبّة الصوم في نفوسنا واسترجاع ذكرياته الجميلة، وكذلك في تسهيله عبر السنين، وهو التوجّه نفسه الذي كان الأجداد يوجّهون به الأولاد والأحفاد، والحمد لله على نِعمة الإسلام وسنده الموصول وعمقه وعراقته في نفوس المسلمين جيلا بعد جيل.
{ ما العادات والتقاليد التي تحرص على إحيائها في هذا الشهر الفضيل...؟
في رمضان الفضيل عادات كثيرة حسنة وجميلة، وهي لا تتعارض مع حقيقة الصوم التعبدية وقدسيته وبركته، وهو في فنون الطعام والتواصل والحديث والتعاون، ومن ذلك: عادات الاستعداد لرمضان وتحضير مستلزماته وإعادة ترتيب البيت وتجهيزها بأثاث جديد على حسب الوسع وانتظار المدفع في أول ليلة من ليالي رمضان إيذانا ببداية الشهر، وانتظار المسحراتي الذي يبدأ جولته الليلية قبل الفجر بساعتين أو ثلاث ليوقظ الناس إلى السحور أو يذكرهم به، وكذلك عادات أكلٍ وشُربٍ، مثل شُرْبَة الشّعيرِ أو (تَشِيشَةِ المِرْمِزْ) باللّهجة العاميّة التونسيّة، و(البرِيكَة)، وهي من الفطائر المحشوة بِبَيْضَةٍ وببعض البقدونس والبَطاطا والتُّونَة والكَبَّارِ، وكذلك شُرب القهوة التركيّة التي نُسمّيها (قهوة زَزْوَةٌ) أو (قهوة عربي)، وهي تُطبخ على نار هادئة ويوضع فيها الزّهر، وهي عادة الكثير بعد الإفطار وفي اللّيل.
ومن العادات كذلك اقتناء مُستلزمات العيد وهداياه وما يُدخل السرور في الأسرة والأقارب، وأيضا إعداد حلويات العيد وتصنيفها أصنافا كثيرة وبأسماء تونسيّة جميلة (البقلاوة، الصَّمْصَةُ، المَقْروضُ، كَعْكُ الوَرْقَةِ، الغَرَيْبَةُ،).... هذا فضلا عن انتصاب بائعي الحلويات في شارع المدينة منذ صلاة العصر وبخاصة بعد الإفطار، وكذلك اجتماع الناس بعد صلاة العشاء والتراويح في المقاهي وعلى امتداد الشارع وأمام البيوت ومحلات التجارة التيس تشهد تزايد الإقبال عليها لاقتناء ملابس العيد وحلوياته ومأكولاته وألعاب الأطفال وأمتعة الهدايا.
ومن الأعمال التي اعتدنا عليها أيضا وهي عِبادةٌ وقُربةٌ: مُدارسة بعض المسائل العِلميّة والفِقهيّة، وتخصيص الأوقات للعبادة والذّكر والقرآن وإقامة حفل ختم القرآن في مساجد المدينة بحضور مكثف ومتنوع وبابتسامات وذكريات، ومتابعة بعض الدروس والمحاضرات في التليفزيون، والتعاون في مجال الخير كما هو معروف.
ومن عادات كثير من الناس إخراج ما يسمى (عشاء الميت) وهو صدقة طعام يخرجها الحي عن الميت، وكانت تلك العادة منتظمة بشكل كبير، ويحافظ عليها الناس كل سنة وبخاصة في يوم السابع والعشرين من رمضان، حرصا منهم على تذكر الأموات والدعاء لهم وتقديم ما ينفعهم في الآخرة. وكان مما يقال للأطفال إن الأموات يحضرون معنا فرحا بما نقدمه إليهم من الطعام والصدقة والهدية والعطاء، وأن ذلك ينفعهم في الآخرة، وكان لذلك أثره في تحقيق الصورة الذهنية الطفولية في تذكر الأموات وترسيخ العطاء وتحبيب الدين في النفوس.
ومن العادات الاجتماعيّة والعائليّة تناول الإفطار مع الأقارب والأرحام على حسب الوسع، والاستعداد لدخول رمضان والعيد بتبادل التّحايا والتّهاني والدّعاء.
وهنالك عادة طيبة هي تقديم الهدية للمرأة نظير جهدها العظيم المكثف في إعداد طعام الصائمين... وكما نقول في تونس: (كل قدير وقدرو) بمعنى كل واحد يقدم هدية لزوجته أو أمه أو أخته أو بنته لما قدمته من إطعام في رمضان.
أواصر القربى
{ ما الفرص المتاحة لتقوية أواصر القربى والأخوة بين المسلمين في رمضان؟
تُعدّ محطّة رمضان من المحطّات العظيمة في تقوية أواصر القربى بين الأرحام وأواصر الأخوة بين المسلمين، وذلك لعظمة روحانيّته وشعائره وكونِه محطّة كبيرة يتجدّد فيها الإيمان وتَعظُم فيها العزيمة ويُقبِل فيها الإنسان على أبواب الخير والبِرّ والإحسان، ومن فُرص هذه المحطّة فُرصة الإنفاق والإطعام والتّهادي والتّزاور، وفُرصة الاجتماع على العبادات كالتراويح والجمعة والعيد، وفُرصة التّغافر والتّجاوز طمعًا في مغفرة الله وفضله... وفُرصة تقديم الخِدمة والمساعدة ومشاركة أهل الخير في الإفطار الجماعي وتوزيع سَلّة رمضان وتذكير الناس بحُرمة الشّهر وأحكامه ومقاصده.
{ ما الرسالة أو النصيحة التي توجهها إلى الشباب في هذا الشهر...؟
هي نصيحة اغتنام الشهر واغتنام مرحلة الشباب التي هي من أفضل المراحل العمريّة من حيث القدرة على العِلم والعَمَل ومن حيث حِيازة صفة الشّاب الذي نشأ على عبادة الله، ونصيحتي كذلك أن يقيموا شهرهم على مُوازنَةٍ مَعقولةٍ يَجمعُ فيها عمل رمضان من جهة العبادة والدراسة والوظيفة وحاجيات الأسرة والمجتمع، وخاصة ما يُعزّز تكوينهم العِلمي بمُدارسة القرآن والسُّنّة في هذا الشّهر الفضيل.
وأذكر أننا أجرينا اختبارات كثيرة في الثانوية والتعليم الجامعي في حر الصيف ونحن صائمون لحوالي 16 ساعة، ومع ذلك كللت جهودنا بالنجاح والتوفيق والحمد لله.. ونصيحتي للشباب والطلاب أن يستعينوا بالصوم على العمل والاختبار والإنجاز، فالصوم فيه بركة العطاء وقوة العزيمة وتوفيق الله لعباده الصائمين الصادقين.
{ ما الرسالة التي ترغب في إرسالها إلى سيدات البيوت في رمضان...؟
الرسالة هي تذكيرهُنّ بما يلي: أنّ الّذي يُقدمنه من إعداد الفطور إنّما هو أجرٌ عظيمٌ، وعليهنّ عقد النيّة في ذلك ليحصل لهنّ الأجر والفضل، وأنّه لا ينبغي أن يشغلهنّ شُغل البيت عن أعمال رمضان وقراءة القرآن والتراويح والتصدّق والذّكر، وأنْ يتعهدنّ الأبناء والبنات بالتوجيه والإرشاد والتعليم فيما يتعلّق بأحكام الشّهر وآدابه، وألا يشغلهن نشاط رمضان عن حقوق الزوجية وآدابها. وعلى الأزواج مراعاة الحقوق والآداب في ذلك.
أجر الصيام
{ ما هي أبرز الأمور التي تذهب بأجر الصيام وتقلل من تأثيره على النفس...؟
من ذلك: الاكتفاء بصوم المعدة عن الطّعام والشّراب، أو السّباب والخصام وتضييع الأوقات في النّوم الزائد واللّغو والنظر إلى ما يُغضِب الله تعالى ويفسد السلوك، وعدم الإفادة من المدارسة العِلميّة الرمضانيّة للقرآن والسُّنّة، وضُعف العِلم بأحكام الصوم وبمقاصده وآثاره النّفسيّة والمجتمعيّة.
{ حدثنا عن الطريقة المثلى للتعامل مع القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك...؟
هي طريقة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهي المدارسة القرآنيّة بتدبّر الآيات مع تحرّي التّلاوة الصحيحة على قدر الإمكان، والحفاظ على الورد اليومي وختم القرآن الكريم على الأقلّ مرّة واحدة.
{ ما هي نصيحتكم لمواصلة الطاعات بعد انقضاء الشهر الكريم...؟
نصيحتي أن يتزود الصائمون في الشهر الفضيل بالتقوى والإيمان الذي يساعدهم على الاستمرار في الطّاعات بعد رمضان، وقد جاء في بعض الآثار: «بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان».هناك عادات كثيرة حسنة وجميلة لا تتعارض مع حقيقة الصوم التعبديةالمُدارسة القرآنيّة تكون بتدبّر الآيات مع تحرّي التّلاوة الصحيحة
copy short url   نسخ
20/04/2022
854