+ A
A -
حوار - أكرم الفرجابي
للعلماء والدعاة ذكريات خاصة مع شهر رمضان المبارك، فهو الشهر الذي يتوحد فيه الناس اجتماعيا ووجدانيا من خلال تلك العادات والتقاليد المصاحبة للشهر الفضيل، والتي يحبها ويمارسها وينتظرها ويعيشها كل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، باعتبار أن شهر الصيام في الماضي كان يمتاز بالحميمية والصلة الوثيقة بين الجميع جيراناً وأقارب، كما أن مغريات الدنيا وملهياتها لم تكن موجودة كما هي الآن، فقد بدأت تنتشر مظاهر التناقض في حياة المسلمين، على الرغم من أن الإسلام دين الانسجام والتكامل.. بدورها قامت الوطن بإجراء حوار رمضاني مع المفكر والداعية الإسلامي المعروف الدكتور محمد العوضي، الذي اشتهر ببرامجه الدينية التي كان لها أثر شديد على نفوس الشباب وتدينهم، فلا يهتم فقط بتعليم العبادات الدينية، وإنما يهتم بالأخلاق الحميدة التي تقوِّم النفوس وتصلحها.
وحمل على عاتقه تعليم الشباب الدين وتوجيههم إلى الطريق الصحيح.. طرحنا عليه عددا من الأسئلة حول الاستقبال الأمثل لشهر رمضان، وفي أي سن بدأ فضيلته الصيام، وأي ذكرى تركها ذلك اليوم في ذهنه، بالإضافة إلى العادات والتقاليد التي يحرص على إحيائها في الشهر الفضيل، وكذلك معرفة الفرص المتاحة لتقوية أواصر القربى والأخوة بين المسلمين في رمضان، والرسالة أو النصيحة التي يرغب في توجهها إلى الشباب في هذا الشهر، وأيضا رسالته إلى سيدات البيوت، ثم استعراضه لأبرز الأمور التي تذهب بأجر الصيام وتقلل من تأثيره على النفس، والطريقة المثلى للتعامل مع القرآن الكريم في شهر رمضان، وغيرها من المحاور التي سيتطرق إليها في هذا الحوار:
مواقف وذكريات
{ بدايةً كيف يكون الاستقبال الأمثل للشهر الكريم...؟
من المسلمات التي يقرها العقل ويشهد لها الواقع أن أي عمل جاد وكل إصلاح حقيقي يتطلب أولاً إرادة صادقة لتحقيق تلك الغاية المنشودة، والإسلام جعل من إخلاص النية واستحضارها وتجديدها في مقدمات كل عبادات العباد وأصل جميع الأعمال، لذا فإن درجة صدق المقبلين على الصيام تتوقف على مدى صدق إرادتهم في تحقيق عبودية الصيام، وتحرير هذه العبادة الدورية من رق العادات الاجتماعية وسطوة الغريزة إلى العبودية الربانية، أما الأمر الآخر بالنسبة لاستقبال الشهر الكريم هو التذكير به والاستبشار وإشاعة جو الفرح بمقدمه وهكذا كان الاسلاف من الإسلام، حيث يعدون شهر الصيام من أعظم الزائرين.
- هل تتذكر أول يوم صيام لك وأي ذكرى تركها ذلك اليوم في ذهنك...؟
بالنسبة لأول يوم صيام بالضبط فإن الذاكرة لم تسعفني لكني أذكر الوالدين وهما يمهدان لنا الصيام بتحبيبه لنا وتدريبنا عليه، كانا يقولان لنا منذ المرحلة الابتدائية أنتم صومكم إلى الظهر وفطوركم عندما تتعبون، وفعلا كنا نمارس ساعات من الامتناع عن الطعام ثم إذا ما أحسسنا بالجوع هجمنا على ما نحب منه، والمقصود من ذلك إشراك الأبناء مع الأسرة كلها بأجواء الشهر الفضيل.
عادات وتقاليد
{ما العادات والتقاليد التي تحرص على إحيائها في هذا الشهر الفضيل...؟
لعل استذكار وزيارة الأقارب خاصة كبار السن الذين شغلتنا عنهم الحياة من أهم النشاطات الحاضرة في أجندتي الرمضانية، والاتصال ببعض أهل الفضل ممن لهم في رقابنا أفضال، وتفقد بعض المعسرين المتعففين ومحاولة إعانتهم… وهذه النشاطات حتى وان أُطلق عليها عادات إلا أنها عبادات اجتماعية راقية، كما أنني أحاول مجاهدة نفسي بأن أعفو عمن أساء إليّ لاسيما من كانت بيننا أيام جميلة أو صداقات أو شركات وإذا ما حصل لقاء فإني أبادر بالترحيب.
{ ما الفرص المتاحة لتقوية أواصر القربى والأخوة بين المسلمين في رمضان...؟
سؤال جوهري خاصة أننا نشاهد الأمة تعصف بها حوادث جسام وخلافات سياسية متتابعة انعكست على الشعوب وجعلت الاستقطاب حادا بينها، وقد ساهم استغلال البعض لوسائل التواصل في نقل الخصومات السياسية الخاصة بالنخب والأنظمة إلى تفجير العصبيات والاتخاذ من الشعوب وقودا جاهزا في معركة لا دخل لهم فيها، لا في إشعالها ولا في إطفائها، فالحذر من الوقوع في فخ النافخين في نار الفتن بين عامة الناس واستحضار مبادئ العدالة والإنصاف ورفع شعار «إنما المؤمنون إخوة»، ولو كنت موجها في التعليم أو الأوقاف لفرضت قراءة وتأمل مقالة أديب العربية مصطفى صادق الرافعي المعنون «فلسفة الصيام» في كتابه «وحي القلم» لما يحويه من المعاني واللفتات الرائعة حول ما يخص اللحمة التي يحييها رمضان في الضمير الجمعي للأمة.
رسائل ونصائح
{ ما الرسالة أو النصيحة التي توجهها إلى الشباب في هذا الشهر...؟
الشباب وما أدراك ما الشباب خاصة في زمن سقطت فيه الحواجز واختلطت فيه المفاهيم وتمت فيه عولمة القيم عبر هيمنة الأقوى الذي يتمركز حول ثقافة الجسد والاستهلاك والفكر المادي وازدراء الأديان ونسبية الأخلاق وتعزيز الحرية الفردية المنفلتة على حساب الروح الجماعية المنضبطة بتقديم المصلحة المشتركة على حظوظ الأفراد، كل ذلك عبر وسائل الاعلام وموادها الساحرة الفاتنة وناعمة الاختراق والتأثير، في هذه الأجواء الملهية للشباب والمختزلة لاهتماماته علينا أن نقول لشبابنا إن رمضان محطة تربوية لإعادة البناء النفسي والرشد العقلي التي تتم عبر محاسبة النفس والتوبة الصادقة وحذف كلمة (لا أستطيع) و(لا أقدر) من قاموس مفرداتهم التي يرددونها كثيرا عند أي توجيه لهم بترك العادات السيئة أو الإقبال على عبادات مهجورة وواجبات مهدرة، لأن رمضان شهر لتقوية عضلات الإرادة التي تجعلك (تستطيع) و(تقدر) أن تغير حالك إلى الأفضل وتتحكم في إرادتك وتستغني عن ما ظننت أنك أسير له فالصيام مدرسة كبرى يفتح فيها الاسلام باب التوبة الجميلة للشباب الذي قد توسوس له نفسه باليأس من التغيير والتعديل.
{ ما هي أهم النتائج السلبية التي تنشأ عن التشكيك في ثوابت الدين لدى شريحة الشباب...؟
هذه التشكيكات في ثوابت الدين قد ساهم فيها كثير من المستشرقين ممن درسوا تاريخ الإسلام بغية التشكيك فيه، وإثاره الشبهة حول المسلَّمات الأصيلة في الدين الحنيف، وننبَّه إلى أن هذا الخطر وتلك الشبهات تستهدف شريحة الشباب على وجه الخصوص لما تتسم به هذه المرحلة من عاطفة واندفاع نحو الأفكار الجديدة دون تمحيص ورويَّة، لذلك يجب علينا توعية الشباب بالمراكز البحثية والرموز التي تعني بالدراسات الفكرية المتينة، حيث يوجد في الساحة عدد لا بأس به من المؤسسات والمراكز البحثية التي تقوم بالرد على مثل هؤلاء، ويجب ألا يكون الإنسان صاحب هوى فيختار من كل شخص ما يناسبه ويميل إليه دون البحث عن الدليل، فإن تتبع الرخص والتساهل في قضايا الدين قد يخرج الناس من الدين وهنا يأتي دورنا في تعريف الناس بالثقات من أهل العلم.
{ ما الرسالة التي ترغب في إرسالها إلى سيدات البيوت في رمضان...؟
أولاً: أن لا ينسين إشراك الأطفال من الإخوة والأخوات أو الأبناء من التعريف بهذا الشهر ثم ما ذكرته في جواب السؤال الأول من إشراكهم في الصيام ولو رمزيا، وثانياً: أقول الملاحظ هناك اهتمام بالغ من بعض ربات البيوت في طعام الإفطار بما يخالف المقصد من الصيام فتتحول بعض ربات البيوت وكأنهن مديرات مطعم لا أمهات في مطبخ بسبب المبالغات في أصناف الطعام بما يهدر الأوقات ويتعب الجهاز الهضمي وأخواته من مكونات هذا البدن، وأنصح ربات البيوت بمتابعة أو الاشتراك في الدورات الإيمانية المنتقاة بعناية التي ترتقي بالروح في هذا الشهر الكريم لمواجهة ثقافة التمركز حول الجسد التي جرفت النساء بعجائب هوس التجميل الصناعي الذي وصل إلى سن المراهقات، لا بد من إعادة التوازن بين الروح والجسد، ورمضان أروع فرصة لذلك.
ثواب وعقاب
{ ما هي أبرز الأمور التي تذهب بأجر الصيام وتقلل من تأثيره على النفس...؟
لعل الغضب وعموم الانفعالات الحادة تذهب بصيام العباد إذا فقد الإنسان الكوابح لضبط النفس وتقدير المآلات، وثانياً: هذه المتابعة للإنتاج الغزير والتنافس المحموم التافه والماجن والمضلل لكثير من محطات وقنوات عربية، جربوا في رمضان الاستغناء عن هذا الغثاء واستبدلوه بتجاذب الحديث الطيب العفوي بينكم ستجدون الفرق كبيرا، ومن الأمور التي يغفل عنها الناس من المعاصي هو عدم الالتفات لأمراض القلوب كالحسد والاحتقار وانتقاص الخلق.
- حدثنا عن الطريقة المثلى للتعامل مع القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك...؟
بالنسبة للقرآن الكريم فالأمر يختلف بحسب الناس في طاقاتهم وتفاوتهم من القراءة الماهرة بالقرآن وانشغالاتهم… لكن المطلوب ألا يترك المسلم كتاب ربه ولو ما تيسر من صفحات يوميا والعبرة بالتدبر والتأثر، وكما أشار الإمام النووي في كتابه الأذكار بأن التدبر أهم من قراءة «الهذرمة»، وهو بهذا يؤكد على نوع القراءة ويقدمها على كمها.
copy short url   نسخ
05/04/2022
830