+ A
A -
‏ماهر حسن شاويش
‏ كاتب صحفي فلسطيني مقيم في هولندا
‏«لا أحد يريد أن يبقى لاجئاً بعد 70 عاماً من التشرد. القلق والكرب كبيران. واعتماد لاجئي فلسطين على الأونروا حقيقي جداً».. حرفياً هذا ما جاء في المؤتمر الصحفي للمفوض العام للأونروا السيد فيليب لازاريني بعد اجتماعه مع ممثلي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة حيث أطلعهم على مقترح ميزانية الأونروا لعام 2022، والتي تحتاج إلى 1.6 مليار دولار لتتمكن من إدارة عملياتها على نحو كامل.
‏وفي ذات السياق تحدث عن استثمار الأونروا في مفهوم الاستقرار الإقليمي، كما عرّج على مساهمة الأونروا في كسر اليأس لدى اللاجئين الفلسطينيين.
‏بالفعل لا يريد أحد منا كفلسطينيين أن يبقى لاجئاً، وحتى تزول هذه الصفة عنّا ثمّة تحديات ومعوقات جمّة أمام العالم بأسره، هذا العالم الذي منح الأونروا تفويضاً تم تجديده حتى العام 2023، حيث صوتت 170 دولة لصالح القرار، وذلك خلافاً لما كانت تأمله «إسرائيل» وإدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي واجهت الأونروا في عهده أشرس وأعتى هجمة منظمة ومدروسة لشطبها نهائياً ؟! كأبرز تحدي ومعوق يمكن تسجيله في تاريخها منذ نشأتها وتأسيسها.
‏إذن وبداية لا بد من مواجهة هذه الحملات الشرسة التي لم تتوقف لاستهداف الأونروا، والتي تأخذ طرقاً وأشكالاً مختلفة سواء عبر وقف التمويل أو الضغوط السياسية التي لم تعد خافية على أحد.
‏وهذه المواجهة حقيقة هي مسوؤلية جماعية لكل الجهات المعنية باللاجئين الفلسطينيين فلسطينياً وعربياً ودولياً أفراداً ومؤسسات.
‏ونقطة البدء في ذلك بتقديرنا تنطلق من استشعار الجميع بأن دعم الأونروا هو استثمار في الاستقرار الإقليمي الذي تحدث عنه السيد لازاريني لمنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص وللعالم أجمع بشكل عام، لاسيما أن وجود هذه المؤسسة مرتبط بحل عادل لقضية اللاجئين يضمن لهم عودتهم إلى ديارهم وممتلكاتهم وقراهم التي هجّروا منها بفعل ما ارتكبه ومازال يرتكبه الاحتلال الاسرائيلي من جرائم ومجازر وانتهاكات بحقهم.
‏وإن قراءة متأنية لنداء الطوارئ للعام 2022 الخاص بدعم لاجئي فلسطين في لبنان الذين تزداد معاناتهم وحاجاتهم يوماً بعد يوم. ولاجئي فلسطين من سوريا في لبنان المتضررين جراء الأزمات الاجتماعية والاقتصادية العميقة وأزمة جائحة كوفيد 19. حيث ازدادت احتياجاتهم بشكل كبير مع وصول معدلات الفقر إلى 87 % في أوساط لاجئي فلسطين من سوريا. يُبرِز هذا النداء اليوم الحاجة الملحة إلى برنامج عمل نوعي لضمان حياة كريمة لهم، وهو في ذات الوقت يُنذر بخطر كارثة حقيقية في حال عدم الاستجابة ستنعكس سلباً بشكل كبير على مفهوم الاستقرار الإقليمي، ما يستدعي أن يتنبه الجميع لهذا الإنذار ويلتقط جيداً نتائجه السلبية ؟!
‏والخطوة الأساسية في التقاط هذا الإنذار تكمن في رفع مستوى الاستجابة السريعة وليس تقليص الخدمات المقدمة للاجئين أو وقف وتخفيض التمويل، لأن هذا السلوك يحولهم إلى قنابل مجتمعية موقوتة قد تنفجر في أي وقت فتطال ليس فقط مفهوم الاستقرار الاقليمي وإنما كل مفاهيم الأمن السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المجتمعات والبيئات والجغرافيات للبلدان الحاضنة والمضيفة لهم.
‏فضلاً عن ذلك فإننا نتفق على أن تعطيل خدمات الأونروا سيؤدي إلى زيادة الإحباط واليأس بين اللاجئين الفلسطينيين، وإن التخلي عن الأونروا وعدم تمويل ميزانيتها بالكامل لن يساعدها في كسر حلقة اليأس بينهم، مايعني موجات جديدة من الهجرة؟! وعدم توقف لعداد الضحايا جراء قوارب الموت التي شهدنا إحدى مآلاتها المفجعة خلال وداع شهداء الغرق في الجزر اليونانية، ثلة من شباب وزهرات وطاقات وكفاءات شعبنا وأهلنا من فلسطينيي سورية خسرناهم أمام بصر العالم وتحت سمعه ؟! ستبقى مأساتهم وذويهم وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء.
‏بقي القول الرقم الذي طرحته الأونروا كميزانية لهذا العام تستطيع دولة عربية واحدة أن تقدمه، ويمكن أن تتقاسمه مجموعة من الدول العربية والإسلامية، وبوسع الاتحاد الأوروبي أن يوعز لدوله بأن تتضافر جهودها لسداد هذا المبلغ إذا كانت حريصة على وقف موجات الهجرة إليها، وإذا كانت فعلاً جادة في أن تضطلع بدور في إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفق القرارات ذات الصلة التي تم التأكيد والمصادقة عليها عشرات المرات، ولحسم كل هذا الجدل في قضية التمويل وإنهائه مرة واحدة وإلى الأبد تستطيع الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تخصص للأونروا ميزانية سنوية ثابتة كغيرها من المؤسسات التابعة لها، وتبعدها عن سيف المال السياسي المشروط المسلط عليها والمتحكم بمصيرها.
copy short url   نسخ
24/01/2022
443