+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
عضو هيئة التدريس بقسم القرآن
والسنة في جامعة قطر
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الضلال مصدر قولهم: ضلّ يضلّ، وهو مأخوذ من مادّة (ض ل ل) الّتي تدلّ على ضياع الشّيء وذهابه في غير حقّه، وكلّ جائر عن القصد ضالّ، ورجل ضلّيل ومضلّل، إذا كان صاحب ضلال وباطل، وقال الرّاغب: الضّلال: العدول عن الطّريق المستقيم، ويضادّه الهداية، ويقال الضّلال (أيضا) لكلّ عدول عن المنهج عمدا كان أو سهوا يسيرا كان أو كثيرا، ولكونه كذلك صحّ أن يستعمل لفظ الضّلال ممّن يكون منه خطأ ما، ولذلك نسب إلى الأنبياء وإلى الكفّار، وإن كان بين الضّلالين بون بعيد، ولذلك قال تعالى: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) أي غير مهتد لما يساق إليك من النّبوّة، وقال في يعقوب عليه السّلام (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) إشارة إلى شغفه بيوسف عليه السّلام. وقال عن موسى عليه الصّلاة والسّلام (قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) تنبيه أنّ ذلك منه سهو. والضّلال: الهلاك في قوله تعالى: (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) والضّلال البعيد: إشارة إلى ما هو كفر كقوله (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً)، وقال ابن منظور: الضّلال والضّلالة: ضدّ الهدى والرّشاد، أي جار عن دين أو حقّ أو طريق. ضللت تضلّ، هذه اللّغة الفصيحة، وضللت تضلّ ضلالا وضلالة. وبنو تميم يقولون: ضللت أضلّ، فهو من باب ضرب وعلم، وقد قرأ بهما جميعا قوله عزّ وجلّ:( قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي). وأهل العالية يقولون: ضللت بالكسر، أضلّ وهو ضالّ تالّ، وهي الضّلالة والتّلالة. وأضلّه: جعله ضالّا. والإضلال في كلام العرب ضدّ الهداية والإرشاد. وفي قوله تعالى: (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ). وقيل: الضّلال فقد ما يوصّل إلى المطلوب، وقيل سلوك طريق لا يوصّل إلى المطلوب وهو عدول عن المنهج (منهج الله)، عمدا كان أو سهوا قليلا كان أو كثيرا.
أما الفرق بين الضلال والغي، قال الكفويّ: الضّلال يكون في مقابلة الهدى والغيّ في مقابلة الرّشد. والضّلال: ألّا يجد السّالك إلى مقصده طريقا أصلا، والغواية: ألّا يكون له إلى المقصد طريق مستقيم.
والإضلال ضربان: أحدهما أن يكون سببه الضّلال كقولك: أضللت البعير؛ أي ضلّ عنّي. وإمّا أن يحكم بضلاله.
والضّرب الثّاني: أن يكون الإضلال سببا للضّلال، وهو أن يزيّن للإنسان الباطل ليضلّ، كقوله تعالى: (لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) أي يتحرّون أفعالا يقصدون بها أن تضلّ، فلا يحصل من فعلهم ذلك إلّا ما فيه ضلال أنفسهم.
وإضلال الله تعالى للإنسان على وجهين: أحدهما: أن يكون سببه الضّلال وهو أن يضلّ الإنسان فيحكم الله عليه بذلك في الدّنيا، ويعدل به عن طريق الجنّة إلى النّار في الآخرة، وذلك الإضلال هو حقّ وعدل، فإنّ الحكم على الضّالّ بضلاله، والعدول به عن طريق الجنّة إلى النّار حقّ وعدل.
والثّاني من إضلال الله: هو أنّ الله تعالى وضع جبلّة الإنسان على هيئة، إذا راعى طريقا محمودا كان أو مذموما ألفه واستطابه، وتعسّر عليه صرفه وانصرافه عنه. ويصير ذلك كالطّبع الّذي يأبى على النّاقل، ولذلك قيل: العادة طبع ثان. وهذه القوّة فينا فعل إلهيّ. وإذا كان كذلك، يصحّ أن ينسب ضلال العبد إلى الله من هذا الوجه، فيقال: أضلّه الله، لا على الوجه الّذي يتصوّره الجهلة. ولذا قلنا جعل الإضلال المنسوب إلى نفسه للكافر والفاسق دون المؤمن، بل نفى عن نفسه إضلال المؤمن فقال: (وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ)، (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) وقال في الكافرين: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ)، (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ).
ومن معاني كلمة الضلال في القرآن الكريم: الغواية: ومنه قوله تعالى في (يس): (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً). كذلك الخسران: ومنه قوله تعالى في (سورة غافر): (وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ). والشّقاء: ومنه قوله تعالى في (سورة القمر):(إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ). والبطلان: ومنه قوله تعالى في (سورة محمّد): (فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ). كذلك الخطأ: ومنه قوله تعالى في (سورة: القلم): (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ* فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ). والهلاك (الموت): ومنه قوله تعالى في (سورة السّجدة):( أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ). والنّسيان: ومنه قوله تعالى في (سورة البقرة): (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى). والجهل: ومنه قوله تعالى في (سورة الشّعراء): (قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ). أيضاً الضّلال الّذي هو ضدّ الهدى: ومنه قوله تعالى: (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ).
وإذا كان الضّلال ترك الطّريق المستقيم عمدا كان أو سهوا قليلا كان أو كثيرا، صحّ أن يستعمل لفظ الضّلال فيمن يكون منه خطأ ما.
فالضّلال طريق يوصل صاحبه إلى النّار، وكثيرا ما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: يستعيذ بعزّة الله من الضّلال، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه إلى يوم القيامة، فالضّالّ قد يعمل أعمالا أمثال الجبال ولكنّها لا تقبل منه لانحرافه عن سبيل الهدى.
copy short url   نسخ
15/01/2022
1352