+ A
A -
رائد الحامدالأناضول
في أولى جلسات دورته الجديدة يوم 9 يناير الجاري، شهد مجلس النواب العراقي خلافات حادة وانقسامات غير مسبوقة داخل ما يُعرف بـ«البيت الشيعي»، في أجواء من التشكيك بشرعية مخرجات هذه الجلسة.
وأُعيد في تلك الجلسة انتخاب محمد الحلبوسي رئيسا للمجلس لدورة ثانية، وانتخاب نائبين له من الحزب الديمقراطي الكردستاني والكتلة الصدرية، فيما اتهمت قوى «الإطار التنسيقي»، وهي أجنحة سياسية لمجموعات مسلحة، كلا من العرب السنة والأكراد بالعمل على شق وحدة الصف الشيعي.
وانتخابات رئاسة مجلس النواب يُنظر إليها على أنها تكريس لمشهد جديد سيفرض هيمنته على السلطتين التشريعية والتنفيذية خلال السنوات الأربع القادمة، عبر تحالفات بين الكتلة الصدرية وتحالف «العزم» والحزب الديمقراطي الكردستاني، مع تراجع أدوار قوى من «الإطار التنسيقي» فازت بمقاعد برلمانية معتبرة، مثل ائتلاف دولة القانون، الذي حل ثالثا بـ33 مقعدا من أصل 329.
وأعادت المفاوضات بين الكتل السياسية صياغة المشهد على نطاق أوسع، عبر تحالفات غير معلنة رسميا بين قوى يبدو أنها تحاول لأول مرة أن تكون عابرة للطائفية، بعد أن بدا واضحا وجود تفاهمات غير معلنة بين الكيانات الثلاثة الفائزة بالمراتب الأولى على مستوى المكونات الأساسية الثلاث: الشيعة العرب ممثلون بالكتلة الصدرية، والسنة العرب ممثلون بتحالف «العزم»، والأكراد ممثلون بالحزب الديمقراطي.
ووفقا للدستور، عُقدت الجلسة الأولى، التي أثارت لغطا واسعا في شرعيتها، برئاسة النائب الأكبر سنا، رئيس مجلس النواب الأسبق العضو بتحالف «العزم»، محمود المشهداني، لانتخاب رئيس جديد للمجلس ونائبين له، بعد تأدية الأعضاء اليمين القانونية للدورة التشريعية الخامسة.
وشهدت الجلسة خلافات حادة ومشادات بين أعضاء الكتلة الصدرية ونواب من قوى «الإطار التنسيقي»، الذي شكك بشرعية الجلسة وأعلن عدم الاعتراف بمخرجاتها واللجوء إلى المحكمة الاتحادية للفصل في الخلاف بينهما.
ولا تزال الكتلة النيابية الأكثر عددا، والمخولة بتسمية رئيس الوزراء، غير محددة رسميا، في ظل ادعاءات بتقديم «الإطار التنسيقي» نفسه على أنه الكتلة الأكبر في الجلسة برئاسة المشهداني قبل انتخاب رئيس المجلس الجديد المخول دستوريا باستلام تواقيع أعضاء الكتلة، فيما تفيد تصريحات لقيادات في الكتلة الصدرية بأنها قدمت نفسها بعد انتخاب الحلبوسي على أنها الكتلة الأكبر.
ولم تحسم المحكمة الاتحادية بعد الخلافات بين «الإطار التنسيقي» و«الكتلة الصدرية».
وترفض الكتلة الصدرية الاعتراف بأن قوى «الإطار التنسيقي» تمثل تحالفا رسميا يمكنه أن يتقدم لتشكيل الكتلة النيابية الأكبر، وتعتبر أنه ليس أكثر من تجمع غير رسمي لعدد من الكيانات السياسية لأغراض تنسيق المواقف فيما بينها.
كما ترى الكتلة الصدرية أن تسليم «رئيس السن» (المشهداني) قائمة تواقيع أعضاء أو رؤساء الكيانات المتحالفة لإعلان نفسها بأنها الكتلة الأكبر، يفتقر إلى السند القانوني، فدور «رئيس السن» ينحصر دستوريا في إدارة الجلسة الأولى وتأدية الأعضاء اليمين الدستورية وفتح باب الترشيح لانتخاب رئيس المجلس ونائبيه، ثم يتولى الرئيس المنتخب مهامه القانونية التي تخوله استلام قائمة التحالفات التي تشكل الكتلة الأكبر.
ووفقا للمادة 50 من الدستور، ليس من صلاحيات «رئيس السن» تسلم أو تحديد الكتلة الأكبر، فهذا من اختصاص الرئيس المنتخب للمجلس، وهو ما يعني أن «الإطار التنسيقي» لن ينجح في تثبيت أنه الكتلة الأكبر حتى بعد نظر دعواه في المحكمة الاتحادية.
ويرى مراقبون أن حصول لحلبوسي على 200 صوت بعد انسحاب أعضاء «الإطار التنسيقي» يعني أن الكتلة الصدرية يمكنها حصد مثل هذه الأصوات لتمرير الحكومة المقبلة من دون التحالف مع قوى «الإطار التنسيقي» أو مع جزء منها.
وخلال ثلاث لقاءات مع قوى من «الإطار التنسيقي»، حاول رئيس الكتلة الصدرية، مقتدى الصدر، عزل رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، والتحالف مع قوى من الإطار، الذي لا يزال يرفض الدخول في أي تحالف لا يضم جميع قواه، وهو ما يرفضه الصدر حتى الآن لأسباب أبعد من الخلافات الشخصية مع المالكي رئيس الوزراء الأسبق (2006-2014).
ويسعى الصدر لفرض رؤيته، التي حددها في 11 أكتوبر الماضي خلال ما بات يُعرف بـ«خطاب النصر»، والذي رسم فيه ملامح الدولة الجديدة، متمثلة بمحاربة الفساد والإصلاح وحصر السلاح بيد الدولة ومنع استخدامه حتى من جانب من يدعون «المقاومة»، في إشارة واضحة إلى المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران، وهو ما أثار غضبها وتهديدات باللجوء إلى خيار السلاح لفرض الأمر الواقع.
وخطاب الصدر تراوح بين تشكيل حكومة تقودها كتلته تحت مسمى حكومة أغلبية سياسية أو الذهاب إلى المعارضة، وبين حكومة يقودها مرشح مستقل لا ينتمي إلى أي من الأحزاب السياسية، قبل أن يستقر على تشكيل حكومة أغلبية وطنية عابرة للمحاصصة السياسية تتشكل من القوى الفائزة بالمراتب الأولى من الشيعة والسنة والأكراد.
واعتبر الصدر أن انتخاب الحلبوسي ونائبيه من الكتلة الصدرية والحزب الديمقراطي الكردستاني خطوة أولى على طريق تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية، التي يأمل من خلالها «بناء عراق حر ومستقل بعيد عن التبعية والطائفية والعرقية والفساد».
في مقابل ذلك، تبدو مباركة الصدر لانتخاب الحلبوسي تراجعا واضحا عن ثوابت الصدر المعلنة بعدم القبول بترشيح أي شخص من الطبقة السياسية للمناصب السيادية، بعد ما يقول إنه فشل إدارة الدولة لأكثر من 18 عاما، ودعواته إلى الإصلاح ومحاربة الفساد.
لذلك، فإن حظوظ إعادة تسمية مصطفى الكاظمي لرئاسة الحكومة المقبلة زادت بعد إعادة انتخاب الحلبوسي.
وترى الأوساط السياسية أن التيار الصدري يقف خلف اختيار الكاظمي لرئاسة الحكومة الانتقالية الراهنة، بعد أن أرغم المحتجون رئيس الوزراء السابق، عادل عبد المهدي، على الاستقالة نهاية نوفمبر 2019، وأن احتمالات إعادة تسميته قائمة على الرغم من اعتراضات متوقعة من قادة المجموعات المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي».
قلة الخيارات المتاحة أمام قوى «الإطار التنسيقي» يوما بعد آخر ستدفع القوى الراغبة في المشاركة بالحكومة إلى الالتحاق بالكتلة الصدرية أو البقاء في المعارضة المتوقع أن يقودها المالكي.
وسيكون على الكتلة الصدرية ضمان تحييد بعض قوى «الإطار التنسيقي» أو إدماجها في تشكيلة الحكومة المقبلة مقابل مكاسب سياسية ومناصب سيادية في السلطة التنفيذية، لتضييق الدائرة على قوى «الإطار التنسيقي» الأخرى المحتمل أن تظل متمسكة بمعارضة أي حكومة تشكلها الكتلة الصدرية.
ليس هناك أي تأكيدات لترشيح الكاظمي لرئاسة الحكومة المقبلة، لكنها قد تكون خطوة تقود البلاد إلى عدم الاستقرار والدخول في اضطرابات أمنية؛ جراء رفض مؤكد من المجموعات المسلحة الحليفة لإيران لترشيح الكاظمي.
وتعرض الكاظمي لأكثر من محاولة اغتيال على خلفية اتهامات ينفيها بالتواطؤ مع إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب (2017-2021)، في اغتيال كل من قائد «فيلق القدس» الإيراني، قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة «الحشد الشعبي» العراقية، أبو مهدي المهندس، عبر غارة جوية أميركية قرب مطار بغداد، في 3 يناير 2020.
ستنظر قيادات المجموعات المسلحة إلى إعلان ترشيح الكاظمي على أنه بمثابة «إعلان حرب» وتحدٍ سكتت عنه هذه المجموعات لتمرير الفترة الانتقالية، لكنها قد لا تسكت إذا جُددت ولايته لأربع سنوات قادمة، في أجواء التوتر بين القوتين الرئيستين في «البيت الشيعي»، وهما الكتلة الصدرية و«الإطار التنسيقي»، الذي يضم أجنحة سياسية لمعظم المجموعات المسلحة الحليفة لإيران، خاصة وأن هذه الأجنحة باتت تفتقد السيطرة على قرار تلك المجموعات بعد غياب سليماني.
copy short url   نسخ
15/01/2022
424