+ A
A -
بقلم: د. بثينة حسن الأنصاري
خبيرة تطوير التخطيط
الاستراتيجي والموارد البشرية
لماذا لم تتحول معظم البلدان النامية إلى بلدان متقدمة؟، سؤال وجيه ومشروع، وبالتأكيد خطر على بال الكثير منا، بل بعض خبراء الاقتصاد جعلوه عناوين لمؤلفاتهم، لأن الله لم يكتب على دول بعينها أن تكون نامية، وعلى أخرى أن تكون متقدمة، وإنما يعود هذا التفاوت إلى طبائع البشر وصنيع أفعالهم.
الإجابة عن هذا السؤال تستدعي تقديم توصيف دقيق للدول المتقدمة، والوقوف على الوسائل التي استخدمتها فتقدمت، وتجاهلتها الدول النامية فتخلفت، وتجدر الإشارة هنا إلى أن المختصين أنفسهم قد اختلفوا في وجهات النظر حول بعض هذه الوسائل، فهناك من قال إن الدول المتقدمة تتمتع بوفرة مالية، ولكن هذا الرأي مردود عليه من البعض بأن من بين الدول النامية دول لديها وفرة مالية تفوق ما لدى الدول المتقدمة، لكن لا تديرها بنظم إدارية علمية وسليمة، ولهذا ظلت قابعة ضمن قائمة الدول النامية، وهناك من أشار إلى دور الموقع الجغرافي كسبب أساسي للتقدم الدول، ومن هؤلاء، ديفيد لاندز، أحد المؤرخين الاقتصاديين من جامعة هارفارد في كتابه «ثروة وفقر الأمم: لماذا البعض بهذا الثراء، والبعض الآخر بهذا الفقر؟» والصادر عام 1998، لكن هذا الرأي مردود عليه هو الآخر بحالة سنغافورة التي لا تملك غير ميناء واحد ولا تملك حدودا برية مع أية دولة، ومساحة أرض ربما تعادل فقط مساحة قرية في واحدة من الدول النامية، ومع ذلك تقدمت وصُنِّفت أهم رابع مركز مالي في العالم، وحصلت على الدرجة الأولى في آسيا والمرتبة الحادية عشرة على مستوى العالم في مؤشر جودة الحياة الذي تنشره وحدة الاستخبارات الاقتصادية في مجلة «الايكونوميست»، كما تمتلك تاسع أعلى احتياطي نقد أجنبي في العالم.
حتى إن الذين أرجعوا سبب التقدم إلى النظم الديمقراطية والتمتع بالحرية خرج عليهم من يجابه رأيهم ويمقت الديمقراطية ويجزم بأنها توفر غطاء شرعيا لسلب الفقراء أموال الأغنياء، فها هو الألماني هانزهيرمان هوبا قد شمَّر عن ساعديه ووضع كتابا بهذا المعنى اشتمل على آراء صادمة وكارثية وينذر بزوال الأنظمة الديمقراطية.
وبما أن الأمر كذلك فإن الإجابة الصحيحة عن السؤال إياه بحسب ما قدمه تاريخ الاقتصاد، ومعايير لجنة الأمم المتحدة التي تجتمع كل ثلاث سنوات لتقييم تصنيف للدول بين متقدمة ونامية وفقيرة، هي وجود إرادة سياسية واستعداد من المجتمع للانتقال إلى مصاف الدول المتقدمة، فالقرار الجاد بالانتقال إلى مرحلة التقدم لا بد أن يواكب تأكيدا وعزما وإرادة قوية لتحقيق أرقى مؤشرات التقدم، ولا يمكن تحقيقه إلا بتمازج كل القطاعات من القاعدة إلى القمة، ومن جميع الأفراد والشركات والمؤسسات التي تمثل كل أطياف المجتمع دون استثناء.
فالدول النامية لم تتحول إلى متقدمة كونها لم تتخذ خطوات جادة للتقدم، ولأنها لم تؤسس اقتصادا متقدما قائما على التصنيع التقني والتنوع في المصادر، كما تعزف عن الالتزام باقتصاديات السوق الحرة، أو الاقتصادات القائمة على قانون العرض والطلب، أي يتم تحديد الأسعار من خلال العلاقة بين توافر السلع (العرض) ورغبة المستهلكين في الحصول على تلك السلع (الطلب)، ففي الدول النامية تصدر قرارات برفع سلعة ما لارتفاع سعرها عالميا، ولكن عندما ينخفض السعر العالمي لنفس السلعة يتم تجاهل هذا، وهكذا يبقى الشعب مثقلا كاهله بالغلاء محروما من الرفاهية.
الدول النامية أيضا لا تعير أهمية لرفع مؤشر التنمية البشرية الذي يقيس رفاهية مواطنيها من حيث مستوى المعيشة، ومعدلات التعليم ومحو الأمية، ومتوسط العمر المتوقع، وعالميا يجب أن يكون لدى الدول المتقدمة تصنيف دليل التنمية البشرية لا يقل عن 0.8.
تتهاون الدول النامية كذلك في إدخال التكنولوجيا الحديثة إلى مؤسساتها التعليمية ومصانعها المتواضعة، بحجة عدم توفر رأس المال الكافي، ولا يقصد بإدخال التكنولوجيا الحديثة مجرد اقتنائها واستخدامها فقط، ومع أهمية هذا لابد من الانتقال إلى مرحلة تصنيعها، فمع التكنولوجيا المتطورة تتطور كل القطاعات من مرافق البنية التحتية والنقل والمواصلات والمرافق الأمنية، كما تتطور المرافق الصحية كالمستشفيات وما بها من الأطقم الطبية، وهذه كلها من مقومات التقدم.
وخلاصة الإجابة أن الدول النامية لم تسع إلى جعل مستوى الصادرات أعلى من مستوى الواردات، ولم تسع إلى خفض نسبة البطالة ورفع مؤشر التنمية البشرية، وعندما تسعى إلى هذا وتحققه دون أن تلقي اللوم على الآخرين تتحول إلى دول متقدمة.إدخال التكنولوجيا وتحديث المرافق ورفاهية المواطن عوامل حاسمةالتحول من دول نامية إلى متقدمة يتم بإرادة سياسية وعزيمة مجتمعية
copy short url   نسخ
09/12/2021
676