+ A
A -
علي ضياء الدين كاتب عراقي
من عجائب الديمقراطية في العراق أن الخاسر في الانتخابات البرلمانية ممن لم يثق به المواطن ولم يمنحه صوته لايريد الاعتراف بخسارته وهو مستعد لإشعال الحرائق في طول البلاد وعرضها كي لا يغادر مواقعه في السلطة التي ظل متشبثا بها طيلة الثمانية عشر عاماً العجاف من عمر هذا البلد المبتلى دائماً بسقط المتاع. لم يؤمن سياسيو الإسلام السياسي يوماً بشيء اسمه ديمقراطية لكنهم تماشوا مع هذا المسار تحت حكم الأمر الواقع المشوه الذي فرضه الاحتلال. يقول جهاراً نهاراً وبدون تردد إن الديمقراطية ثقافة غريبة لا مكان لها في حياة شعوبنا التي عليها فقط تقديم فروض السمع والطاعة لأمراء الملل والنحل.
عندما يتحدث هؤلاء عن الديمقراطية فإنهم يثيرون الضحك والسخرية وإلا هل سمع أحد أو قرأ يوماً أن الخاسر في الانتخابات يجب أن يكون فائزاً ورغم أنف الجميع؟ ألا ما أتعسها من ديمقراطية عندما يصرخ الخاسر قائلاً لا تحدثوني عن الديمقراطية رجاء.. أنا لا أؤمن بها. انتخاباتكم مزورة وقد تم التلاعب بها من ملائكة أو شياطين غير مرئيين وأنا لا أعترف بها، الخلاصة أني أريد حصتي التي اعتدت عليها، لن أغادر مواقعي في السلطة ولن أكون معارضة تحت قبة البرلمان فأنا بالأساس لا أؤمن بشيء اسمه معارضة طالما هي مجردة من المنافع والاستحواذ والنفوذ والحصانة.
ولعل ماهو أكثر غرابة أن يخرج علينا من حسبناه لوقت طويل أحد الساسة المؤمنين بالنظام الديمقراطي وبالتداول السلمي للسلطة وبالدولة المدنية العادلة فيذهب في اتجاه معاكس لكل ذلك عندما يقدم وبالعلن ومن على أثير الفضائيات اقتراحاً هو مثال على الاستخفاف بالديمقراطية ومخرجاتها وكل ما كان يدعو اليه ويقول لا بأس لو مُنح الخاسرون مقاعد تعويضية في البرلمان، أما كيف يكون هذا ولماذا؟ وأي من الفائزين سيئ الحظ ستسلب منه أصوات ناخبيه وتمنح لخاسر؟ فإن هذا ليس مهماً.
هذه هي الطبقة المستهترة بأسس النظام الديمقراطي وبمبادئ الدستور الذي تعزف على نغماته عندما تحتاج مصالحها اليه. هذه هي الطبقة التي كتب على العراق أن يرزح تحت ثقافتها المظلمة ولا أفق يبشر بضوء الا بالإصرار على ثقافة ديمقراطية غير مشوهة ولا ناقصة ولا قابلة للتلاعب بها: على الخاسر أن يقر بخسارته بروح رياضية، وأن يذهب إلى المعارضة من تحت قبة البرلمان في انتظار الفرصة الثانية.}الزمان العراقية
copy short url   نسخ
03/12/2021
129