+ A
A -
عشرُ سنوات مضت على بدء الحرب في سوريا، ولا يزال الوضع على ما هو عليه من دون التوصل لحل سياسي ينهي هذا الصراع الدامي؛ حيث تقول الإحصائيات الصادرة حديثًا عن الوكالات الأممية بوجود أكثر من 6.6 مليون لاجئ يتوزعون على دول الجوار ومصر والسودان ودول الاتحاد الأوروبي وكندا، أما النازحون داخليًّا فيصل عددهم إلى 6.7 مليون.
كما يعاني المدنيون داخل سوريا اليوم من الآثار الاقتصادية للنزاع؛ بسبب الانخفاض الحاد في مقدار صرف الليرة السورية مقابل الدولار، وفقدانها قيمتها الشرائية، كما ازدادت نسبة التضخم وارتفعت الأسعار، ولم تعد المواد الأساسية متوافرة بشكل كافٍ وسط انقطاع متواصل للتيار الكهربائي، ترافق ذلك مع خسائر كارثية للاقتصاد السوري قُدِّرت بحوالي 530 مليار دولار أميركي وهو ما يعادل 9.7 ضعف الناتج المحلي الإجمالي لسوريا قبل بدء الحرب.
كما يوجد أكثر من 13.5 مليون شخص سوري بحاجة للمساعدة الإنسانية، ويواجه أكثر من 60 % خطر الجوع خلال العام 2021، كما اعتُبِرت سوريا في العام 2021 من أكثر البلدان فقرًا حول العالم، وفاقم تفشي فيروس كورونا الواقع، ليصبح أكثر مأساويةً؛ نتيجة الوضع الكارثي الهش للقطاع الصحي.
وسط هذا الدمار الهائل في مقدرات الدولة السورية، وتداعيات النزاع على رأس المال البشري، وغياب الحل السياسي لهذا الصراع الدامي، فإن الحديث عن عودة المهجَّرين إلى منازلهم يصبح أمرًا في غاية التعقيد، ويحوِّل هذه الأزمة الإنسانية إلى ملف شائك تتقاذفه الدول، ويصبح ورقة للتفاوض عند الحديث عن تسويات الملف السوري.
المهجَّرون في سياق الحرب
وقعت خلال السنوات الماضية، ونتيجة للحرب، موجات نزوح وهجرة قسرية هربًا من الملاحقات الأمنية والعمليات العسكرية وبحثًا عن ملاذ آمن.
منذ الأيام الأولى التي تلت انطلاقة الثورة السورية، وبسبب الاقتحامات التي قام بها جيش النظام السوري وأجهزته الأمنية للمناطق الثائرة، حدثت موجات نزوح متفرقة، كان أولها لجوء مجموعة مكونة من 252 شخصًا من ريفي إدلب واللاذقية إلى داخل الأراضي التركية، تلتها حملاتُ نزوح متفرقة في بعض المحافظات السورية.
وازدادت حملات التهجير القسري في الفترة الممتدة من منتصف العام 2012 حتى أواخر العام 2015، استخدم فيها النظام مقاربتين من أجل قمع الانتفاضة: الأولى عسكرية؛ حاول فيها قمع الاحتجاجات بكل ما أوتي من قوة؛ حيث تستهدف آلته العسكرية المناطق الخارجة عن سيطرته بطريقة تدميرية مكثفة لجعل الحياة فيها أشبه بالمستحيل، والثانية عقابية؛ يعاقب فيها كل من انتفض ضده، فهو يستهدف المدنيين- أولًا- على اعتبارهم بيئة حاضنة للمعارضة، ويستهدف المنشآت الحيوية- ثانيًا- كمحطات المياه والكهرباء وشبكة الطرق والمواصلات، ويحاصر تلك المنطقة- ثالثًا- حيث يمنع عنها قوافل الإغاثة التي تحمل المساعدات الطبية والغذائية، وهو ما يدفع المدنيين للهرب بسبب صعوبة البقاء في مثل هذه الظروف، وبذلك ترتفع أعداد النازحين واللاجئين.
وبمجيء التدخل الروسي أواخر العام 2015، ازدادت حملات التهجير القسري وأصبحت بشكل جماعي وبأرقام كبيرة؛ حيث شهدت الفترة الممتدة من التدخل الروسي حتى يومنا هذا، حصول 16 حالة تهجير جماعي للمدنيين في المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة المسلحة، بدءًا من داريا في أغسطس 2016، وصولًا إلى تهجير عدد من أهالي بلدة أم باطنة في ريف القنيطرة في مايو 2021.
كان يسبق حملات التهجير القسري هذه قصف عنيف من قبل النظام وحلفائه؛ بغرض الضغط على أهالي تلك المناطق للقبول بالشروط التي يفرضها، وهي إما استعادة سيطرته هو على تلك المدن، أو التهجير كعقاب جماعي لمن لا يقبل بشروط التسوية والمصالحة معه. وفي الغالب، كانت وجهة هؤلاء المهجَّرين هي مناطق سيطرة المعارضة السورية المسلحة في الشمال السوري.
بالإضافة إلى تلك الموجات من النزوح وحملات التهجير الجماعي، شهدت بقية المناطق في سوريا التي تُسيطر عليها الميليشيات و«المجموعات المتطرفة» كحزب الله اللبناني وقوات سوريا الديمقراطية وتنظيم الدولة، حملات تهجير قسري، كما حدث في مناطق القصير ودير الزور والرقة وتل رفعت ومنبج، وذلك بحسب سيطرة تلك المجموعات، والتي غالبًا ما تقوم بأعمال تطهير وقتل ممنهج بحق المدنيين.
كما سعى النظام السوري إلى فرض ما يسمى حالة «التجانس»، وهي شكل من أشكال الإبادة (urbicide) تقوم بها عادةً الميليشيات أو أنظمة الحكم الديكتاتورية، وتهدف منها إلى القضاء على كل من يحتج ويرفض حكمها. ومن هنا، تحدث عملية التغيير، بحيث يصبح التجانس متوافقًا مع سياسات النظام القمعية، وهذا ما يتطابقُ قولًا وفعلًا مع خطاب رئيس النظام السوري، بشار الأسد، والتي ذكر فيها ما يُسمَّى بمصطلح «سوريا المتجانسة»، بحيث تكون فيها سوريا لمن يدافع عن نظام حكمه، وفي ذلك معادلة أمنية صفرية لا تقبل الآخر على الإطلاق. كما اتهم بشار الأسد مواطنيه، اللاجئ منهم والنازح، بقوله: «الشعب الذي لا يدافع عن وطنه، لا وطن له ولا يستحق أن يكون له وطن».
توزع الديمغرافيا والسياق السياسي
بعد اتفاق سوتشي بين الرئيسين، التركي رجب طيب أردوغان والروسي بوتين، في مارس 2020، انخفضت وتيرة الأعمال العسكرية بشكل ملحوظ، ومع تثبيت خطوط القتال، أصبحت سوريا تُقسَّم إلى أربع مناطق نفوذ رئيسية، تسيطر عليها أطراف النزاع التالية: النظام السوري، وقوات سوريا الديمقراطية، وهيئة تحرير الشام، وفصائل الجيش الوطني المدعوم من تركيا، مع وجود بعض الخلايا لتنظيم الدولة (داعش)، الذي ينشط في البادية السورية. كما توجد قواعد عسكرية يُقدَّر عددها بحوالي 476 قاعدة أجنبية تتوزع على الأراضي السورية لأربع دول رئيسة، هي: روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة الأميركية.
وبحسب إحصائيات برنامج الأمم المتحدة HNAP في التقرير الأخير الصادر في شهر أكتوبر الأول 2021، يعيش في سوريا الآن 20 مليونًا و975 ألفًا و446 سوريًّا، يتوزعون الآن ضمن أربع مناطق نفوذ مختلفة داخل سوريا، العدد الأكبر منهم في منطقة نفوذ النظام بنسبة 66 %، تليها منطقتا المعارضة المسلحة (14 % و7 % تواليًا)، وأخيرًا مناطق سيطرة القوات الكردية بنسبة 13 %.
ولأول مرة منذ تشكُّل الدولة السورية، يصبح هناك شتات سوري بالمعنى الحقيقي للكلمة، وهو أمر لم تعهده سوريا بتاريخها الحديث. وبحسب الإحصائيات، فإن السوريين يشكِّلون أكبر عدد من اللاجئين في العالم، وهم يتوزعون في أكثر من 127 دولة حول العالم. وبحسب مؤشر السلام العالمي GPI، لا تزال سوريا تُعدُّ ثاني أقل البلدان سلمًا حول العالم، ولا تزال تُصنَّف بلدًا غير آمن لعودة اللاجئين، وفق تصنيف المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، كما اعتبر القرار البرلماني الصادر عن الاتحاد الأوروبي في مارس 2021 أن ظروف البيئة الآمنة لهم لم تتوافر بعد.
يمكن القول من خلال البيانات والتقارير الصادرة عن الوكالات الأممية والمنظمات الإنسانية: إن العودة الطوعية لم تسجل أعدادًا مرتفعة، بل إنها بقيت منخفضة، وبحسب التقرير الأخير لبرنامج الأمم المتحدة HNAP الصادر في شهر أكتوبر، فإن نسبة العائدين إلى سوريا تشكِّل أقل من واحد بالمائة من نسبة السكان الحاليين في سوريا، وهو ما يؤكد أن ظروف العودة الطوعية لم تتحقق بعد، وذلك يعني غياب البيئة الآمنة لعودة المهجرين.
وعلى صعيد الموقف من اللاجئين، يمكن تقسيم الدول المعنية بالديمغرافيا السورية إلى ثلاثة أقسام، منها قسمان رئيسان: دول التهجير على رأسها النظام نفسه، ثم الدول المستضيفة للاجئين. أما سياساتها ومواقفها جميعًا من الديمغرافيا فتختلف بحسب موقفها من النزاع، ومدى انخراطها فيه، كما تختلف باختلاف سياقاتها الداخلية وموضع هذا الملف منها. أما القسم الثالث، فيتعلق بالمعارضة السورية نفسها والوكالات الحقوقية.
أولًا: مواقف الدول المنخرطة في النزاع
أهمها النظام السوري نفسه، فهو يستخدم ملف اللاجئين ورقة سياسية فقط، فهو لا يريد عودة اللاجئين لأسباب كثيرة أبرزها: أولًا: أن الغالبية العظمى من المهجَّرين هم معارضون له، وبالتالي إن عادوا فسيشكِّلون خطرًا عليه، وفي ظل عدم التوصل إلى حل سياسي، أي بقاء الأسد وبقاء الوضع على ما هو عليه، ستؤدي عودتهم إلى انفجار الأوضاع مجدَّدًا. ثانيًا: أن عودة عدد كبير من اللاجئين يتطلب توفير مزيد من الخدمات والمواد الغذائية والطبية من قبل مؤسسات الدولة في سوريا، وهذا شيء ليس بمقدور النظام السوري القيام به. ثالثًا: النظام السوري سيُبقي على أجهزته الأمنية وسطوتها على المدنيين هناك، وبالتالي لن يقدِّم أي تنازل أو تعهد بعدم التعرض للعائدين حتى لو قاموا بالمصالحات والتسويات الأمنية على طريقته.
كما أصدر النظام السوري القانون رقم 10 الخاص بالتملُّك، والذي يقضي بجواز إحداث مناطق تنظيمية ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية، وهو ما يعني بحسب مختصين، وفي حال تطبيق القانون، تجريد عدد كبير من اللاجئين والمهجَّرين من أملاكهم، إن لم يثبتوا ملكيتها خلال فترة زمنية قصيرة حددها القانون؛ حيث إن النظام السوري يستخدم إطارًا قانونيًّا للاستيلاء على ممتلكات المهاجرين، والاستبدال بسكان تلك المناطق، ولاسيما المعارضين منهم، الموالين والأجانب الذين جلبهم من الخارج، وهو ما يسمح له بهندسة ديمغرافية تتماشى مع سياساته الإقصائية، وهذا يُعدُّ من العقبات التي تواجه تحقيق السلام مستقبلًا في سوريا.
أيضًا، وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد سيطر النظام السوري على ما لا يقل عن 440 ألف دونم من الأراضي الزراعية في ريفي حماة وإدلب، في عامي 2019 و2020؛ وهذا يعني سياسة قسرية يستخدمها النظام السوري ضد معارضيه الذين هم خارج سوريا، وقد يعمل من خلالها على إحداث تغيير ديمغرافي في المناطق التي كانت تنادي بإسقاطه كحمص ودير الزور وريف دمشق والقصير، وأحياء عدة في العاصمة دمشق، التي استقرت فيها عوائل «شيعية» قادمة من لبنان والعراق وأفغانستان، في سياق مشاركة «الميليشيات» المدعومة من إيران في الحرب السورية وبشعارات مذهبية.
ويتطابق الموقف الإيراني بشكل كبير مع موقف النظام السوري، فطهران استغلت آلية التهجير التي يعتمدها النظام، وتحاول العبث بالنسيج الاجتماعي السوري من خلال عمليات التغيير الديمغرافي في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات التابعة لها، كمحافظة دير الزور، التي تقسَّم إلى منطقتي نفوذ، الأولى: تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية قسد، والثانية: تسيطر عليها قوات النظام السوري والميليشيات المدعومة إيرانيًّا. ولكن الأمر المهم الذي تمكن ملاحظته هو عدم عودة السكان الأصليين إلى المناطق التي تسيطر عليه الميليشيات المدعومة إيرانيًّا، وهي المدن الواقعة على الطريق الواصل بين إيران ولبنان مرورًا بالأراضي العراقية والسورية، كدير الزور المدينة، والبوكمال، والميادين، وأريافهما. ويلاحظ انخفاض الكثافة السكانية في مناطق تلك الميليشيات بالمقارنة مع الكثافة السكانية المرتفعة في الطرف الثاني من نهر الفرات والذي تسيطر عليه قسد. ومن الأمثلة الأخرى على التغيير الديمغرافي مع الحدود اللبنانية، بلدة القصير التابعة لريف حمص التي استولى عليها حزب الله اللبناني في العام 2013 بعد معارك مع فصائل المعارضة السورية المسلحة، انتهت بتهجير أهالي القصير قسريًّا. وبحسب بعض الإحصائيات، فإن حزب الله استولى على عدد كبير من الأراضي الزراعية في القصير ولم يسمح إلا لعدد قليل جدًّا من السكان الأصليين بالعودة إليها، لحوالي خمسة آلاف من أصل 60 ألف شخص. وبهذا، فالهدف الإيراني هو المحافظة على النفوذ وديمومته وبالتالي لا مصلحة لطهران بعودة اللاجئين إلى مناطقهم.
بالنسبة لموسكو التي تحاول فك العزلة عن النظام السوري من خلال التنسيق مع بعض الدول العربية، فهي تستخدم ورقة اللاجئين للضغط على الدول التي تستضيفهم، كدول الاتحاد الأوروبي، مقابل أن تقوم الأخيرة برفع تدريجي للعقوبات المفروضة على النظام السوري، لأن هذه العقوبات، وبحسب وجهة النظر الروسية، لا تسمح للاقتصاد السوري المنهار بالتعافي، وهو ما يؤثر سلبًا على موضوع عودة اللاجئين. وضمن نفس المسعى، وبرعاية روسية عُقد في العاصمة السورية، دمشق، أواخر العام 2020، «المؤتمر الدولي لعودة اللاجئين»، ولكن الحضور اقتصر على عدد قليل من الدول التي لا تستضيف اللاجئين السوريين أساسًا كنيجيريا وكوبا وقرغيزستان والجزائر والصين وروسيا وإيران، وبمقاطعة شبه تامة من الدول الأوروبية والدول التي تستضيف اللاجئين.
ثانيًا: مواقف الدولة المستضيفة للاجئين
توزَّعَ السوريون على مختلف دول العالم، ولكن تتناول الورقة الدول التي تستضيف الأعداد الأكبر من اللاجئين السوريين. تستضيف تركيا العدد الأكبر من اللاجئين السوريين على أراضيها ويُقدَّر عددهم بحوالي 3 ملايين و718 ألفًا و332 سوريًّا (36)، ما فتح المجال أمام حالة من الاستقطاب غير المسبوق بين الأحزاب السياسية التركية؛ حيث غدا ملف اللاجئين السوريين محورًا رئيسًا في خطاب الساسة الأتراك، وازداد الخطاب العنصري عمومًا نتيجة للتجاذبات السياسية ولتدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسب التضخم في تركيا. وعزز من ذلك طول فترة النزاع السوري؛ حيث لم يكن بالحسبان استمرار الحرب لعقد من الزمن، كما أن استمرار النزاع من دون تسوية سياسية يعني استمرار الوجود السوري هناك إلى ما لا نهاية. وعلى الرغم من محاولات الحكومة التركية دمج اللاجئين السوريين في المجتمعات المحلية بوسائل مختلفة، كان آخرها تجنيس السوريين، لكن السياق الداخلي التركي وتطوراته تنعكس بشكل مباشر على سياسة الحكومة التركية في تعاطيها مع ملف اللاجئين، كخسارة الحزب الحاكم لانتخابات البلدية الأخيرة في كلٍّ من أنقرة وإسطنبول، وهو ما دفع الحكومة التركية لاتخاذ إجراءات أكثر تشددًا تجاه الوجود السوري.
أما الأردن، وعلى الرغم من أنه لم يصادق على اتفاقية اللاجئين لعام 1951، لكنه أبرم مذكرة تفاهم في العام 1998، مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لحماية اللاجئين من العودة القسرية. ولذلك تحاول عَمَّان الموازنة بين الشقين، الإنساني والأمني، في تعاملها مع اللاجئين السوريين؛ حيث يصل تعدادهم إلى 670 ألفًا و364 سوريًّا.
وعلى الرغم من الحملة التي يقودها الأردن للتقارب مع النظام السوري مؤخرًا، إلا أن عَمَّان لم تغير من سياساتها تجاه اللاجئين السوريين، ولم تطالب بعودتهم إلى سوريا إلا بعد توافر الظروف المناسبة لذلك.
بالنسبة للبنان الذي يعاني أساسًا من مشكلات داخلية مختلفة، سياسية واقتصادية وأمنية، تدفع الحكومة اللبنانية للمطالبة بشكل مستمر بعودة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم، وتتخذ البلديات اللبنانية في المناطق التي يقيم فيها اللاجئون السوريون تشريعات صارمة بحقهم، كفرض حظر التجوال والتدقيق الأمني المستمر، وعدم إعطائهم التصاريح اللازمة للعمل، فضلًا عن قرارات الترحيل المستمرة لمن لا يمتلك الأوراق الثبوتية أو لمن دخل الأراضي اللبنانية بشكل غير شرعي. وفي منتصف العام الماضي (2020)، أصدرت الحكومة اللبنانية «خطة عودة» جديدة أعلنت فيها أن أجزاء من سوريا أصبحت آمنة، ولذلك يتوجب على اللاجئين العودة إلى سوريا، بحسب رؤية الحكومة اللبنانية. وبحسب تقديرات أممية، يصل عدد اللاجئين السوريين في لبنان إلى 851 ألفًا و717 سوريًّا.
أما دول الاتحاد الأوروبي، فهي ما زالت توصي بأن سوريا بلد غير آمن، وتجب عدم إعادة أي لاجئ إليها قسرًا، فقط الدنمارك هي من كسرت القاعدة، وألغت «الحماية المؤقتة» عن الأشخاص القادمين من دمشق وريفها، وحوَّلتهم إلى مراكز لجوء مؤقتة تمهيدًا لعودتهم إلى سوريا، كما قدمت بعض الدعم المادي لمن يرغب بالعودة مباشرةً إلى سوريا.
كانت ذروة اللجوء إلى دول الاتحاد الأوروبي عام 2015، وأصبح نصيبها من اللاجئين حوالي 1.2 مليون لاجئ، وعلى الرغم من توقيع اتفاقية بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي في العام 2016، للحد من هذه الهجرة غير الشرعية، التي انخفضت نسبيًّا، ولكن تدفقات اللاجئين لم تتوقف أبدًا، ودائمًا ما يكون هناك طرق جديدة للهجرة غير الشرعية.
وفي العام 2020، كان السوريون من بين أكثر الجنسيات طلبًا للجوء في دول الاتحاد الأوروبي؛ حيث وصل عدد طالبي اللجوء إلى 70000 سوري، وذلك حتى العام 2020.
ويُلاحَظ في السنوات الأخيرة صعود اليمين المتطرف في دول الاتحاد الأوروبي، ومن الواضح أن موضوع اللاجئين أصبح أمرًا مؤرِّقًا لدول الاتحاد الأوروبي؛ لذلك أعلن عن حزمة مساعدات مالية للدول المستضيفة للاجئين كالأردن وتركيا، وذلك ضمن مساعيه لتمديد الاتفاقية الموقَّعة مع تركيا، في مارس 2016، فيما يخص وقف تدفق اللاجئين إلى أراضيه.
ثالثًا: موقف المعارضة السورية والوكالات الحقوقية
الموقف الرسمي لمؤسسات المعارضة الرسمية، والوكالات الحقوقية، هو موقف ينطلق بشكل واضح من أساس العملية السياسية، كبيان جنيف رقم 1، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة (2118، 2254)، ويُترجَم ذلك من خلال خطاب المعارضة الرسمي الذي يؤكد على عدم إجبار اللاجئين على العودة إلى سوريا ما لم تتحقق الظروف الموضوعية لذلك، كما أن تحقيق البيئة الآمنة والمحايدة مرتبط بالتوصل إلى حل سلمي يضمن إنهاء الحرب في سوريا، ويسمح للاجئين بعودة طوعية من دون أن يتعرضوا للاعتقال أو التعذيب كما يحدث حاليًّا.
في الجولة الرابعة من مفاوضات اللجنة الدستورية، تطرَّق النظام إلى موضوع عودة اللاجئين من باب الاستهلاك الإعلامي ليس إلَّا، خصوصًا أن هذه الجولة عُقدت مباشرةً بعد انعقاد المؤتمر الدولي لعودة اللاجئين في دمشق في أواخر العام 2020.
أبدت المعارضة السورية استعدادها لمناقشة موضوع عودة اللاجئين، ولكن من خلفية المضمون الدستوري لهذا الأمر، لأن موضوع البيئة الآمنة والمحايدة هو سلة منفصلة كليًّا عن اللجنة الدستورية. وإلى الآن وبعد ست جولات من مفاوضات اللجنة الدستورية، لم يُتوصَّل إلى اتفاق حول الدستور نفسه؛ لأن النظام السوري بحسب تقدير المعارضة، هدفه الأساسي من هذه المفاوضات هو كسب الوقت، وهو غير معني بالتوصُّل إلى أي اتفاق، لا في سياق اللجنة الدستورية، ولا في موضوع تأمين البيئة الآمنة والمحايدة.
copy short url   نسخ
25/11/2021
486