+ A
A -
محمد هنيد
أستاذ مشارك بجامعة السوربون
مع إنهاء مدّة حكم المجلس السيادي الذي تقاسم فيه المدنيون الحكم مع أعضاء المجلس العسكري يبدو أن السودان يتجه نحو ما اتجهت إليه تجارب عربية أخرى من تركيز الحكم خارج الأطر الدستورية. لكن هل يعني ذلك أنّ الربيع العربي قد انتهى؟ هل صودرت كل مطالب الشعوب السلمية في الحرية والعدالة والمشاركة السياسية؟
يبدو أنّ المنطقة العربية تتجه نحو طور جديد من أطوارها المعاصرة حيث يستعيد النظام الرسمي العربي كامل عافيته التي كانت له قبل 2011 وانفجار ثورات الربيع. لكن المشكل الأساسي هو أن مطالب الثورات واستحقاقات الشعوب لا تزال قائمة إذ لا يعني قمعها بالقوّة المادية أنها ألغيت. يضاف إلى ذلك مجموع التراكمات الواعية بقمع النظام للاحتجاجات السلمية وقدرة السلطة على تحويل المطالب المشروعة إلى فوضى وحروب أهلية.
صحيح أن النظام الرسمي العربي قد حقق على هذا المستوى نجاحات كبيرة في قمع المتظاهرين وفي إظهار الثورات على أنها محاولات عبثية لا تجلب غير الدمار والخراب. وهي الخطة التي أقنعت جزءا كبيرا من الشعوب بأنّ الديمقراطية ليست ممكنة التحقيق عربيا وأن الواقع الاستبدادي العربي قدرٌ لا خلاص منه على الأقل في المستوى القريب.
إن نجاح السلطة العربية في قمع المطالب الشعبية من جهة وإبقاءها على شروط الاستبداد قائمة دون تنفيذ أي شرط من شروط التنمية أو محاربة الفساد أو فتح باب الحريات من جهة أخرى هو الأمر الذي سيجعل من شروط تجدد الاحتجاجات الشعبية أمرا قائما. إنه من الطبيعي أن تهدأ موجة الاحتجاجات بفعل الزمن وفعل القمع وأيضا بفعل عجز الثورات عن تحقيق جزء من مطالب الجماهير لأسباب عديدة، لكن ذلك قد لا يعني مطلقا أنها قد تبخرت.
هذا الواقع الجديد هو الذي يجعل من التنبؤ بمستقبل المنطقة أمرا عسيرا لكنه يحمل مؤشرات سلبية عن احتمال انخفاض منسوب الاحتقان الاجتماعي خاصة بسبب التداعيات الكارثية للأزمة الصحية وما خلفته من أزمات اقتصادية واجتماعية. أمام هذا الوضع وأمام تراجع ثروات البلدان العربية بفعل التداين وبفعل الفساد سيكون من الملحّ تقديم حلول عملية لامتصاص الاحتقان الشعبي واستباق احتمالات الانفجار التي تهدد عددا من الأقطار العربية.

[email protected]
copy short url   نسخ
28/10/2021
328