+ A
A -
محمد مطر
تدرك دولة قطر أهمية الحفاظ على البيئة، وتولي الجهات المعنية أولوية قصوى لهذا الجانب، وتحرص الدولة على أن يتناغم النمو الاقتصادي المتسارع للبلاد والتنمية الاجتماعية فيها مع المحافظة على البيئة، كما تعي جيدًا التحديات البيئية التي تمثلها صناعة النفط والغاز التي تحرك اقتصاد الدولة، كما أن الحفاظ على بيئتنا ليس مسؤولية شخصية أو واجبا وطنيا؛ بل هو نابع من الفطرة السليمة.
وقد ترجمت دولة قطر التزامها في تحقيق التنمية البيئية من خلال تصاميم العديد من المرافق والمشاريع المستدامة، وحسن سير إدارتها اليومية، وإنشاء المساحات الخضراء.
وتعد المسؤولية البيئية جزءا من ممارسة وطنية دأبت عليها الأجيال القطرية حتى صارت أمرا بديهيا تلتزم به كلّ فئات المجتمع، وتسعى إلى تعزيزه وغرسه في وجدان الناشئة وفي سلوكها اليومي.
وقد حث الدّين الإسلامي الإنسان على السير في الآفاق والنظر في الموجودات، والتعامل مع البيئة من أجل اكتشاف خيراتها واستخراج ثرواتها لعمران البشريّة، وقد كان التفكير في البيئة دافعا للإبداع العلمي، وهمزة وصل بين الإنسان وأخيه الإنسان من أجل التعارف.
وتحقيقًا للأهداف البيئية طويلة الأجل، وضعت دولة قطر مجموعة متكاملة من الأهداف الثابتة، أهمها تلك المتعلقة بالطاقة المتجددة لتوليد 200 ميغاواط من الطاقة الشمسية خلال العامين القادمين تزيد إلى 500 ميغاواط بعد ذلك.
وقد سنت قطر بالفعل تشريعات خاصة بحماية الموارد الطبيعية وتحقيق التنمية المستدامة، إلا أن الأهداف البيئية الطموحة الرامية للحفاظ على البيئة في المستقبل، والتي تقودها وزارة البيئة، من شأنها أن تعمل على تطوير الجهود المبذولة لهذا الغرض سواء داخل دولة قطر أو المنطقة بأسرها، كما تدرك الحكومة أهمية وضع الدولة بوصفها رائدة في رعاية البيئة.
ويرجع العمل البيئي المؤسسي في دولة قطر إلى عام 1981 عندما تم إنشاء اللجنة الدائمة للبيئة، وتوالي العمل على تطوير الأنظمة المؤسسية لحماية البيئة من خلال التوقيع والتصديق على العديد من الاتفاقيات البيئية الدولية.
وقد أنشئت وزارة البلدية والبيئة سابقاً (وزارة البيئة حالياً) بهدف تعزيز الاستدامة البيئية وتنسيق المبادرات البيئية في قطر، وتعمل الوزارة بشكل وثيق مع المسؤولين في عدد من الجهات الحكومية لتطوير سياسات بيئية مسؤولة وقيادة الجهود الرامية إلى توسيع نطاق بنوك المعرفة الخاصة بسجلات البيانات البيئية للدولة، كما تلعب الوزارة أيضًا دورًا متزايدًا في توسيع نطاق الجهود المبذولة للحفاظ على البيئة، وذلك عبر العديد من المحاور التي من بينها، استقدام الخبراء والعلماء والمتخصصين والفنيين للإشراف على نظم الرصد والتنظيم، وإنشاء لجنة للاستعداد لمواجهة حالات الطوارئ والاستجابة للكوارث البيئية، وكذلك إطلاق حملة وطنية لتنظيف الشواطئ في قطر، والتنسيق والحفاظ على بنوك المعرفة الخاصة بالبيانات البيئية، وإنشاء وإدارة قاعدة بيانات شاملة للتنوع الأحيائي بما في ذلك المناطق المحمية والموارد البحرية والتأثير البيئي.
شراكات استراتيجية
على الجانب الآخر تعتبر الشراكات الاستراتيجية القائمة بين الجهات الصناعية وحكومة دولة قطر ذات أهمية حاسمة بالنسبة لخطط الاستدامة البيئية، ويمكن للشركات أن تكون من ناحية مصدرًا للتلوث، ويمكنها من ناحية أخرى أن تدعم الابتكارات البيئية التي يمكن أن تعمل على استعادة التوازن البيئي، ويجب على الهيئات الإشرافية للشركات تقديم تقارير منتظمة تتضمن تفاصيل عن الأثر البيئي المستمر لعملياتها، في حين تفرض عقوبات صارمة على الشركات التي تخالف اللوائح التي تحددها وزارة البلدية والبيئة، ويفضل أن تقدم هذه الشركات براهين عملية على مدى تعاونها في هذا الصدد، فعلى سبيل المثال، تعتبر شراكة قطر للطاقة في حماية السلاحف البحرية مثالاً توضيحيًا على الدور الذي يمكن أن تلعبه الصناعة في تعزيز الاستدامة البيئية. وتدعو استراتيجية التنمية الوطنية إلى إقامة مشروعين للبيئة على الأقل بين القطاعين العام والخاص بحلول 2016.
مبادرات بيئية
أقامت قطر بعض المنشآت بهدف تقليص كمية المخلفات وحماية البيئة، ولعل أهم بعض المبادرات الملموسة في هذا الشأن هي جزيرة حالول، وهو مكان التخزين الرئيسي ومحطة لتصدير صناعات النفط والغاز، وقد تم تركيب محرقة لتدمير النفايات، وكذلك يوجد بها بعض أنواع الحيوانات مثل الغزلان وأنواع مختلفة من الطيور المهاجرة، وأيضاً هناك مدينة مسيعيد، والتي تعتبر واحدة من كبرى المدن الصناعية في قطر، ومركزًا للعديد من المبادرات البيئية، كما تضم المدينة مركزًا متكاملاً لإدارة المخلفات الصلبة المحلية، ويقوم بمعالجة المخلفات ومياه الصرف الصحي، والمركز هو حجر الزاوية في الخطط الرامية لزيادة قدرة قطر على إعادة التدوير.
إن التصدي للقضايا البيئية هو عملية عابرة للحدود لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، والتحديات البيئية التي تواجه قطر هي قاسم مشترك بينها وبين العديد من جيرانها، ودول مختلفة في العالم بدرجات متفاوتة، فعلى الصعيد الدولي، أقامت قطر شراكات مع بعض المنظمات الدولية، مثل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو»، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة الصحة العالمية، وغيرها، وتتيح هذه الشراكات إمكانية تبادل المعرفة والموارد البشرية والابتكارات التكنولوجية.
معاهدات دولية
وقد وقعت دولة قطر العديد من المعاهدات البيئية الدولية، أبرزها، توقيع وزارة البيئة اتفاقية حول مشروع إنشاء قاعدة بيانات التنوع الحيوي بدولة قطر، وذلك مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة - مكتب غرب آسيا، وتهدف الاتفاقية إلى حماية مصادر التنوع الحيوي من خلال تنظيم المعرفة والتوثيق الدوري ضمن إطار وطني يُعنى بتجميع بيانات مصادر التنوع الحيوي المتاحة والتي تشمل قوائم أنواع الكائنات الحية وخرائط التوزيع المكاني والزماني، ضمن منصة متكاملة يقوم فيها صناع القرار والخبراء في مجال البيولوجيا والسياحة البيئية وهواة الطبيعة بالتفاعل بسهولة، مع الاتفاق على الحفظ والاستخدام المستدام لعناصر التنوع الحيوي بالبيئة القطرية.
ويستهدف المشروع بناء قاعدة بيانات مستدامة تساهم في الحفاظ على بيانات ومعلومات التنوع الإحيائي واستخدامها المستدام على المستوى الوطني لإعداد التقارير المتعلقة بالتنوع الإحيائي والرصد وصنع القرار، وتدعم قاعدة البيانات أيضا في تيسير وتعزيز تنفيذ الاتفاقات البيئية المتعددة الأطراف، وأيضا قام المشروع بإنشاء منصة لإدارة المعرفة على شبكة الإنترنت لمنح صانعي القرار في دولة قطر إمكانية الوصول إلى معلومات واستخدامها والاستفادة منها في عمليات صنع القرار المتعلقة بالتنمية الوطنية والتنوع الإحيائي. وتعد قاعدة بيانات التنوع الحيوي منصة للباحثين والمهتمين والناشطين البيئيين.
كما يهدف مشروع الاتفاقية إلى توثيق وتحديث المعلومات والبيانات المتعلقة بالإدارة المستدامة للتنوع الحيوي بالدولة، وعمل خرائط بيئية يوضح بها النظام البيئي والأنواع المتواجدة به بالإضافة إلى تحديد المواقع الهامة للتنوع الحيوي بالدولة، وإنشاء منصة إلكترونية تحتوي على البيانات المتعلقة بالتنوع الحيوي والتي بدورها سوف تساهم في التوعية والحصول على المعلومات من قبل الشركاء وأصحاب القرار بالإضافة إلى نشر الضوابط واللوائح التنظيمية المتعلقة بالاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالإدارة المستدامة للتنوع الحيوي.
تعزيز التواجد الدولي
كما أن هناك العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الأخرى التي تعزز دور قطر ومساعيها الدؤوبة في العمل على الحفاظ على البيئة واستدامتها، ولعل من بين المعاهدات السابقة التي وقعت عليها دولة قطر، بروتوكول كيوتو الملحق باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ سنة 2005، اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر سنة 1994، اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المتعلقة بتغير المناخ سنة 1992، بروتوكول مونتريال المتعلق بالمواد المستنفدة لطبقة الأوزون سنة 1987، اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون سنة 1985، وغيرها.
وتفي قطر بمسؤولياتها البيئية الدولية، وتتوافر لها الفرصة لتصبح رائدة عالميًا في مجال حماية البيئة، ويجري تنفيذ الكثير من المبادرات في الدوحة مثل خطط لمعالجة مصادر المياه في المناطق الحضرية، وتوفير قاعدة بيانات التنوع الأحيائي وبرنامج إقليمي لرصد جودة الهواء، وبالتالي فمن المرجح أن تتحول المدينة إلى مركز للبحوث والمبتكرات في مجال حماية البيئة في العالم.
وكانت وزارة البلدية والبيئة سابقاً (وزارة البيئة حالياً) قد أطلقت العديد من المشاريع والمبادرات المتعلقة بمجال حماية البيئة البرية، حيث تعمل الوزارة على تنفيذ الكثير من المبادرة والمشاريع التي تغطي مختلف مجالات حماية البيئة وتنميتها واستدامتها، ومن بينها مبادرة زراعة مليون شجرة التي تم إطلاقها في العام 2019 خلال المعرض الزراعي الدولي الثامن والمعرض البيئي الدولي الأول. وذلك للمساهمة في الحد من آثار تغير المناخ، الذي توليه قطر أهمية كبرى، وقد نجحت المبادرة حتى الآن في زراعة العديد من شتلة الأشجار، كما تسعى الوزارة لتحقيق المستهدف وهو استكمال زراعة (مليون شجرة) قبل حلول كأس العالم 2022.
المحميات الطبيعية
تستحوذ المناطق المحمية بقطر وعددها 11 منطقة على مساحة تصل لـ2742 كيلو مترا مربعا، وهو ما يمثل حوالي 23 % من مساحة دولة قطر، في إشارة إلى المستوى الكبير من الوعي والدعم السياسي والاهتمام الوطني بهذا القطاع الهام ضمن منظومة التنمية المستدامة لدولة قطر، وقد أولت الدولة الحياة الفطرية أهمية بالغة، وذلك بالمحافظة عليها وإنمائها وحمايتها من الانقراض، حيث صدر مرسوم أميري بقانون (19) سنة 2004، بشأن حماية الحياة الفطرية ومواطنها الطبيعية، كما سعت الدولة إلى إنشاء العديد من مناطق الصون والمحميات الطبيعية.
copy short url   نسخ
24/10/2021
717