+ A
A -
خريطة السلاح في إفريقيا خريطة معقدة يتداخل فيها العديد من المستويات الدولية والإقليمية والمحلية، وتحركها عوامل اقتصادية ومجتمعية وسياسية، فتناول شقٍّ واحد من المستويات أو العوامل يخل بالصورة الواقعية ولا يسبر أغوارها، لذلك عندما نتحدث عن خريطة السلاح يجب أن نستحضر ثلاث خرائط ونضعها بجانب بعض، حتى نصل لفهم عميق وندرك سلوك الأطراف المؤثرين في الخريطة. الخريطة الأولى هي خريطة الموارد والثروات الخام والطبيعية، والثانية هي الخريطة الديمغرافية التي تظهر عليها تركيبة المجتمعات وتوزيع القبائل والجماعات الإثنية، أما الخريطة الثالثة فتتمثل في الحدود السياسية التي عملت الدول الاستعمارية على رسمها وفق مصالحها الاقتصادية والسياسية.
من خلال هذه الخرائط يمكن أن نفهم طبيعة الصراعات القائمة داخل إفريقيا بوجه عام، وبين الدول والأقاليم المختلفة، فلا تزال الدول الاستعمارية تمارس نفوذًا عاليًا قادرًا على إسقاط الأنظمة وإثارة المشاكل داخل كل دولة، عبر توظيف التقاطعات بين تلك الخرائط وإدارة الخلافات بين الدول والمكونات المجتمعية المختلفة من أجل تحقيق أهدافها المتمثلة في سرقة الموارد والثروات الطبيعية، وهو أمر لا يتحقق إلا بوجود أنظمة ديكتاتورية فاسدة تفتقد للشرعية وتحتاج دائمًا للاعتراف الدولي ما يدفعها لتوثيق العلاقات مع الدول الاستعمارية عبر التنازل عن الثروات الطبيعية ورهن القرار السياسي لها، وتضع بعض الدول الاستعمارية قواعد عسكرية لها في نقاط استراتيجية في إفريقيا بهدف تحقيق مصالحها الجيوسياسية.
تعمل الدول الاستعمارية والدول الكبرى على تصدير السلاح إلى الدول الإفريقية في عملية تنافسية لبسط النفوذ؛ حيث تستفيد من العائد المالي من بيع السلاح وتشغيل مصانعها وتجربة الأسلحة الجديدة التي تنتجها، بالإضافة إلى مكاسب الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، والجماعات المسلحة المختلفة سواء المتمردون أوالمرتزقة.
وتحرص الدول الاستعمارية على استمرار حالة الفوضى والاقتتال حتى تستطيع ممارسة نفوذها عبر تبني سياسات أمنية بحتة، ورغم تنامي العديد من الأزمات التي انعكست نتائجها على الاتحاد الأوروبي والغرب مثل قضية الهجرة إلا أن عددًا من دول الاتحاد مثل فرنسا لا تزال تتبع تلك السياسة، وتتصدر فرنسا مع كل من روسيا وأميركا والصين صادرات السلاح لإفريقيا، وتختلف كل دولة في طبيعة سياساتها التي تتبعها؛ حيث تميل بعض الدول كفرنسا إلى اتباع سياسات أمنية بينما تميل الصين إلى اتباع سياسات اقتصادية.
نظرة حول حجم تجارة السلاح في إفريقيا
{ أولًا: تصاعد حجم الإنفاق العسكري
يُقدَّر حجم الإنفاق العسكري في إفريقيا بنحو 43.2 مليار دولار في عام 2020، بزيادة قدرها 5.1 في المائة عن عام 2019 وأعلى بنسبة 11 في المائة عن عام 2011. وشهدت دول شمال إفريقيا ارتفاعًا في الإنفاق العسكري بنسبة 6.4 في المائة في عام 2020 إلى 24.7 مليار دولار، ورغم الأزمات الاقتصادية الناجمة عن انتشار فيروس كورونا، احتلت إفريقيا المركز الأول من حيث ارتفاع نسبة الإنفاق العسكري عام 2020 حيث بلغ 5.1 في المائة، فيما جاءت أوروبا ثانية بنسبة 4 في المائة، والأميركتان بنسبة 3.9 في المائة، وآسيا وأوقيانوسيا بنسبة 2.5 في المائة.
هناك عدة مستويات من الصراعات داخل إفريقيا: مستوى أول يمكن أن نعرِّفه بأنه المستوى الذي يشهد توترات وصراعات بين الدول، ويتمحور حول خلافات حدودية كما هي الحال بين الجزائر والمغرب؛، حيث يعد ملف الصحراء الغربية وجبهة البوليساريو أحد الملفات الشائكة بين الدولتين، فيما تتصاعد أيضًا خلافات على استخدام الموارد كما هي الحال في أزمة سد النهضة بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى، وهو ما يدفع دول الإقليم إلى التنافس على شراء السلاح.
ورغم قلة الشفافية بشأن ميزانية الدفاع في مصر، إلا أن حجم الإنفاق النهائي على الدفاع قُدِّر بنحو 66 مليار جنيه مصري، أي ما يعادل 4.1 مليار دولار في 2020 أي ارتفاعًا بـ18 في المائة عن 2019 التي بلغت فيها نسبة الإنفاق 59 مليار جنيه مصري، أي 3.35 مليار دولار في عام 2019 و2.9 مليار دولار في عام 2018، وهي أرقام منفصلة عن مخصصات التمويل العسكري الخارجية التي تحصل عليها مصر من اتفاقية كامب ديفيد والبالغة 1.3 مليار دولار، أي إن إجمالي الإنفاق الدفاعي وصل إلى 5.4 مليار دولار، وفي المقابل، رفعت إثيوبيا إنفاقها العسكري من 287 مليون دولار قبل عام 2013 إلى 519 مليون دولار في عام 2019(3)، رغم التحديات الاقتصادية والمجتمعية والسياسية التي تمر بها الدولتان.
أما المستوى الثاني من الصراعات فيتمثل في الحروب غير النظامية أو الحروب غير المتكافئة التي تكون بين الجيوش النظامية ضد الجماعات المسلحة سواء متمردون داخل الدولة أو تنظيمات عابرة للحدود، وتتصدر منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من حيث الإنفاق العسكري هذا المستوى؛ حيث بلغ حجم الإنفاق العسكري 18.5 مليار دولار عام 2020 وهو أعلى بنسبة 3.4 في المائة مما كان عليه عام 2019، وأقل بنسبة 13 في المائة مما كان عليه عام 2011. فيما خصصت نيجيريا 2.6 مليار دولار لجيشها عام 2020، بزيادة قدرها 29 في المائة مقارنة بعام 2019 من أجل مواجهة تنظيم بوكو حرام وغيره من الجماعات المتمردة.
{ ثانيًا: الصادرات العسكرية
تحتل روسيا المرتبة الأولى عالميًّا في تصدير السلاح إلى إفريقيا؛ حيث بلغ حجم صادرات السلاح أكثر من 15 مليار دولار عام 2019، وهي زيادة أكثر من الضعف بالمقارنة مع عام 2000 حين بلغت الصادرات 7 مليارات دولار، فيما تحتل فرنسا المرتبة الثانية بنحو 8 مليارات دولار خلال عام 2019 وهي زيادة تصل لقرابة الضعف أيضًا بالمقارنة مع صادراتها في عام 2000 التي كانت تبلغ نحو 4 مليارات دولار، وتأتي أميركا ثالثة بوتيرة شبه ثابتة بمبيعات تصل إلى 4 و5 مليارات دولار سنويًّا، تعقبها الصين بمتوسط مليار دولار، كما لا تغيب «إسرائيل» عن المشهد حيث شكَّلت صادرات الأسلحة «الإسرائيلية» 3 في المائة من الإجمالي العالمي بين عامي 2016 و2020 ما يمثل زيادة قدرها 77 في المائة على ما كانت عليه بين عامي 2010 و2014(4)، وَوُجِّه جزء كبير من هذه الصادرات إلى الدول الإفريقية إذ زادت الصادرات الدفاعية إلى نسبة 70 في المائة بين عامي 2015 و2016 لتصل إلى 275 مليون دولار.
الشركات العسكرية والأمنية الخاصة
في البداية يجب أن نفرق بين نوعين من الشركات؛ النوع الأول: شركة أمنية خاصة (PSC)، والنوع الثاني: شركة عسكرية خاصة (PMC). يتمثل الفرق بين النوعين في طبيعة المهام والتخصصات، فالنوع الأول هو الشركات الأمنية الخاصة التي توفر خدمات مثل حماية مقرات السفارات والبنية التحتية والموانئ، وتمتد أيضًا لحماية المناجم ومقرات الشركات الأجنبية والعاملين فيها، كما توفر خدمات خاصة مثل حماية الأجانب، أما النوع الثاني من الشركات فهو الشركات العسكرية الخاصة والتي يبرز استخدامها في الشأن السياسي أكثر حيث توفر حماية للمسؤولين في الدول الإفريقية وتقدم الاستشارات العسكرية وتعمل على تدريب القوات المحلية سواء فرق تابعة للجيش أو الشرطة، كما توفر خدمات خاصة مثل جمع المعلومات الاستخبارية، وفي بعض الأحيان تشارك في مهام قتالية. وبصفة عامة، يمكن للشركات العسكرية الخاصة تقديم خدمات الشركات الأمنية الخاصة ولا يمكن حصول العكس.
تهتم الدول الكبرى بدعم هذه الشركات سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال علاقاتها بالأجهزة الأمنية والاستخبارية ووزارات الدفاع. ويرجع هذا الاهتمام إلى انخفاض حجم التكلفة المالية والسياسية؛ فهي من جهة تمتلك مرونة عالية بقدرات عسكرية وأمنية متقدمة، ومن جهة أخرى هي لا تمثل الدولة بشكل رسمي ما يتيح للدولة مرونة دبلوماسية وسياسية.. بالإضافة إلى هذا يسعى قادة الدول الإفريقية إلى توقيع عقود مع الشركات لتوفير الأمن الشخصي لهم أو لمواجهة المتمردين.
وتتميز كل منطقة جغرافية في إفريقيا بخصائص محددة من حيث طبيعة المجتمعات والأنظمة السياسية والاقتصادية وتضاريسها، وهو ما يجعل الشركات أمام خيارات متعددة من أجل تقديم خدماتها، فعلى سبيل المثال تتميز منطقة شمال إفريقيا باستقرار سياسي نوعًا ما، باستثناء ليبيا، فيمكن أن نجد شركات الأمن الخاصة هي الأكثر انتشارًا، أما غرب إفريقيا فتوجد مشاكل متعلقة بأمن الملاحة وحركة التجارة البحرية ما يمثل فرصة لبعض الشركات للعمل في دلتا النيجر وخليج غينيا.
أما في دول كجنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وتشاد والنيجر ومالي التي تعاني حكوماتها ضعفًا وعجزًا أمام حركات التمرد والجماعات المسلحة فتنتشر الشركات العسكرية الخاصة بكثافة عالية، وهو ما يجعل الأمن والحماية مطلبًا عالي التكلفة لا تستطيع شركات الأمن الخاصة وحدها أن تحققه. تتمتع تلك الشركات بعلاقات قوية بالقواعد العسكرية للدول الاستعمارية قد تتجاوز مساحة التنسيق إلى المشاركة في تنفيذ العمليات سويًّا، على سبيل المثال قوات فاغنر الروسية تنتشر في العديد من الدول التي تشهد اقتتالًا ومواجهات بين الحكومات والمتمردين والثوار أو جماعات مسلحة مثل ليبيا وموزمبيق وإفريقيا الوسطى، فعقب اجتماع العسكري الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، عام 2018، مع قيادات من الجيش الروسي، بدأ حضور قوات فاغنر على الأرض واضحًا بشكل لافت وموثق خلال عمليات حصار العاصمة الليبية، طرابلس، في أبريل 2019، فضلًا عن تأمينها للمنشآت النفطية وحقول النفط والغاز. ويعد هذا المثال عيِّنة على كيفية استخدام الشركات العسكرية الخاصة من قبل الدول في تنفيذ سياساتها الاستراتيجية بتكلفة أقل ماليًّا وسياسيًّا؛ حيث ترى روسيا أن ليبيا تمثل تموضعًا استراتيجيًّا لها من أجل الوصول إلى قلب إفريقيا بسهولة والتحكم في حقول النفط والغاز التي تعتبر ليبيا أحد كبار مصدِّرِيهما إلى أوروبا ما سيمكِّن روسيا من ممارسة ضغوط على السوق الأوروبية حيث تعتمد ألمانيا على الغاز الروسي بشكل كبير، وسيمكِّن روسيا من بطاقات ضغط قوية في توجيه السوق؛ وهذا ليس إلا مثالًا يمكن أن يوضح التقاطعات بين المصالح الجيوسياسية للدول والشركات العسكرية الخاصة.
كذلك يمكن أن نجد شركات أمنية وعسكرية خاصة في جنوب إفريقيا تعمل على توفير الأمن داخل الدولة نفسها في معزل عن الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للدولة، بل وتمتد نشاطاتها إلى دول أخرى، على سبيل المثال شركة Executive Outcomes، وهي شركة عسكرية خاصة في جنوب إفريقيا، فرضت على حكومة سيراليون 35 مليون دولار لمدة 21 شهرًا، في حين أن وجود قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لمدة ثمانية أشهر كان سيكلف 47 مليون دولار. لذلك، لا نستغرب أن نرى بعض الدول والحكومات تذهب للتعامل مع الشركات العسكرية والأمنية الخاصة بعيدًا عن المظلات الدولية التي تعتمد على حسابات معقدة سياسيًّا واقتصاديًّا، لذلك بات اللجوء إلى الشركات العسكرية والأمنية الخاصة مفضلًا من الناحيتين، الميدانية والمالية؛ إذ لا تُفرض عليها أية رقابة وتتمتع بصلاحيات عالية في استخدام العنف وهو ما يجعلها مفضَّلة للأنظمة الديكتاتورية والعسكرية والانقلابية.
كشف تقرير لشبكة بي بي سي عن معلومات مهمة من جهاز لوحي فقده أحد عناصر فاغنر في ليبيا خلال المعارك التي كان يشارك فيها مع اللواء المنشق، خليفة حفتر، غرب ليبيا خلال عمليات حصار مدينة طرابلس ضد حكومة الوفاق المعترف بها دوليًّا؛ حيث كشفت المعلومات التي كانت بالجهاز عن تفاصيل دقيقة وموثقة عن الشركة، خاصة فيما يتعلق بطبيعة عملياتها التي لا تلتزم بأي معايير أخلاقية. ولعل ما قاله عضو مجلس النواب الليبي، ربيع بو راس: «إنهم لا يتنافسون على ليبيا فقط، بل أيضًا على صنع القرار الدولي في إفريقيا والعالم» وصف دقيق لطبيعة الدور الذي تقوم به الشركة في تحقيق أهداف روسيا. ليست فاغنر وحدها فقط، بل هناك قائمة طويلة من الشركات الأميركية والفرنسية والبريطانية والصينية والسويسرية التي تتمتع بسمعة سيئة.
تنامي الاستثمارات في المناطق غير الآمنة
إن ارتفاع استثمارات الدول في المناطق غير الآمنة يدفع الدول إلى الاعتماد على شركات عسكرية وأمنية خاصة، حتى تستطيع الدول أن تؤمِّن استثماراتها وتحميها، ونقصد هنا بالتحديد الصين وفرنسا؛ إذ تبلغ -على سبيل المثال- المخاطر المتوسطة والعالية على استثمارات الصين في الدول التي تتقاطع مع مبادرة الحزام والطريق (BRI) % 84. نفذت الصين نحو 16 عملية إجلاء لغير المقاتلين، في جمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد وليبيا واليمن. ولعل ما حدث عام 2011 خلال أحداث الثورة الليبية خير مثال حيث استأجرت الحكومة الصينية ثلاث سفن سياحية و100 حافلة من اليونان لإنقاذ مواطنيها، البالغ عددهم 13500 شخص، كما أن تنامي العلاقات الصينية مع الدول الإفريقية يدفع بكين إلى التعاقد مع الأمنيين لحماية استثماراتها ومواطنيها والدبلوماسيين، أغلب تلك المعاملات ستذهب لصالح الشركات الصينية المملوكة للدولة (SOEs)؛ حيث يوجد أكثر من 10 آلاف شركة صينية تعمل في إفريقيا وقرابة مليون مواطن صيني يعمل هناك، وقد حققت الشركات الصينية المملوكة للدولة قرابة 51 مليار دولار من العائدات من مشاريع الحزام والطريق وفقًا لمكتب الإحصاء الوطني الصيني. واعتبارًا من عام 2020، كانت الصين مسؤولة عن مشاريع بناء في إفريقيا أكثر من فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة مجتمعة. لدى الصين حوالي 4000 شركة أمنية مسجلة مع ما يقدر بنحو 4.3 ملايين موظف، معظمهم من أفراد الجيش والشرطة المسرَّحين، ما سيدفعها لاستغلال تلك القدرات في إفريقيا لاحقًا.
الاستثمار في الأمن وحده غير كافٍ
تسعى الدول الأوروبية إلى إيجاد حلول أمنية من أجل إيقاف الهجرة غير الشرعية، ويعد نموذج قوات G5 الساحل أحد تلك النماذج؛ حيث تسعى أوروبا إلى ضبط الأمن الحدودي بين الدول عبر تعزيز التنسيق بين جيوش الدول من أجل مراقبة الحدود ومواجهة المتمردين والجماعات المسلحة ووقف عمليات التهريب والهجرة غير الشرعية. لكن ورغم حجم الاستثمارات الضخمة في قطاع الأمن عند دول الساحل إلا أنها في طريقها للفشل. على سبيل المثال، شهدت مالي انقلابًا في شهر مايو الماضي، اعتقل الجيش على إثره الرئيس، باه نداو، ورئيس الوزراء ووزير الدفاع وأعلن عن تشكيل مجلس عسكري، ولا تزال حتى الآن الأوضاع في مالي متوترة بشكل كبير، وهو ما دفع فرنسا للانسحاب من شمال مالي، وإغلاق ثلاث قواعد عسكرية في مدن كيدال، وتمبكتو، وتيسالي شمال مالي، وتقليص عدد قواتها من 5 آلاف و100 عنصر إلى نحو 2500 عنصر، وذلك في إطار خطة تنفذ خلال الفترة بين النصف الثاني من 2021 إلى بداية 2022؛ وهو ما ينذر بانسحابها كما حدث مع القوات الأميركية مؤخرًا في أفغانستان؛ حيث إن تكلفة بقائها أعلى من قيمة الأهداف التي تحققها من وجودها المباشر، بجانب تنامي عمليات استهداف القوات الفرنسية من قبل الجماعات المتمردة خاصة مع تراجع قوة الحكومة في فرض سيطرة فعلية على الأرض.
العلاقات بين المرتزقة المحليين والشركات العسكرية والأمنية الخاصة
هناك بُعد آخر في خريطة السلاح في إفريقيا وهو تنامي العلاقات بين الشركات العسكرية والأمنية الخاصة والمرتزقة المحليين؛ حيث يمكن أن يجري توظيفهم من خلال الشركات الخاصة بأسعار أقل، وينحصر دور الشركات الخاصة هنا في الإشراف والتوجيه، فيما ينخرط المرتزقة المحليون في المواجهات وتنفيذ المهام التي غالبًا ما تعتمد على تجنيد الأطفال المختطفين أو من هم دون سن 18، الخطورة هنا في هذه العلاقة هو تطور أداء المرتزقة المحليين وانتقالهم إلى تنفيذ مهام خارج حدود دولهم وقبائلهم ما يجعل من الصعب تقدير مخاطر الشركات والمرتزقة على حدٍّ سواء، ويصعب حصر نطاق حضورها بل وحتى طبيعة أعمالها، وإلى جانب ذلك فإنها تكتسب خبرات فنية عالية، ما يجعل حكومات عدة عاجزة عن مواجهتها. على سبيل المثال، تقاتل مجموعات مسلحة سودانية وتشادية في ليبيا إلى جانب خليفة حفتر، كما يمكن أن تمارس تلك القوات أدوارًا خارج إفريقيا أيضًا كما هي الحال في اليمن حيث تشارك ميليشيات الجنجويد في القتال هناك فالعامل المحرك هنا هو المال في المقام الأول. يشكِّل تعريف بعض المفاهيم جدلًا حيث يتداخل العديد من المفاهيم والتعريفات فنجد جماعات يطلق عليها متطرفة أو إرهابية أو متمردة أو مرتزقة، دون وجود مرجعية ثابتة يمكن الإجماع عليها. ويمكن أن نقف هنا عند نقطة مهمة قد تسهم في توضيح الصورة ولو قليلًا وهي نقطة المشروع السياسي، فالجماعة المسلحة التي تفتقد إلى مشروع سياسي يمكن أن نعرِّفها بجماعة مرتزقة، بينما امتلاك مشروع سياسي سواء مستند على أساس عرقي أو ديني يجعلنا نعرِّفهم بمتمردين، وبين هذا وذاك يمكن أن نرصد تحولات عند العديد من هذه الجماعات سواء بدافع الحصول على المال أو بدافع السياسة أو بدافع تنفيذ أفكارهم. وفي المقابل، نجد الدول الاستعمارية تسعى لفرض مفاهيمها من أجل استخدمها كمظلة لبقائها، لكن الأمر الذي لا خلاف عليه هو أن الدول الاستعمارية هي من مارست الإرهاب أولًا منذ دخولها إفريقيا بشكل دموي واستعلاء عنصري.شادي إبراهيم
باحث بمركز سيجا
بجامعة صباح الدين زعيم
copy short url   نسخ
24/10/2021
342