+ A
A -
صهيب جوهر
كاتب لبناني
تعرَّض الاستقرار الوطني والسلم الأهلي اللبناني لهزة خطيرة راح ضحيتها 7 قتلى وأكثر من 30 جريحاً، حالات بعضهم لا تزال حرجة، في أخطر حادث أعاد إلى الأذهان صور بعض المجازر التي شهدتها الحرب الأهلية عام 1975 ودامت 17 عاماً، ما فرض استنفاراً سياسياً وعسكرياً وأمنياً واسع النطاق وعلى كل المستويات؛ لتوقيف مطلقي النار على المتظاهرين من مستديرة الطيونة إلى وزارة العدل، استنكاراً لـ«تسييس التحقيق» في انفجار مرفأ بيروت ومنع تجدد الحادث وتطويق ذيوله؛ صوناً للسلم العام ومنعاً لانزلاق البلاد إلى الفتنة المذهبية.
وفيما تعدّدت الروايات حول ما حصل، كان الجيش اللبناني يعلن أنه خلال توجُّه محتجّين إلى منطقة العدلية تعرضوا لرشقات نارية في منطقة الطيونة-بدارو، وقد سارع الجيش إلى تطويق المنطقة والانتشار في أحيائها وعلى مداخلها وبدأ بتسيير دوريات، كذلك باشر البحث عن مطلقي النار لتوقيفهم.
لذا ووفقاً لمراقبين، لم تعد القصة قصة تحقيق عدلي في انفجار المرفأ، ولا تنحية قاضٍ يحشر الطبقة السياسية المتهمة بالقتل والإهمال في زاوية الاستجلاب للتحقيق، وهي تتجاوز في مخاطرها حدود الانقسام الطائفي والمذهبي، على خلفية انفجار المرفأ.
إنه الجنون اللبناني في فصوله وعصبياته، يحوّل تدمير مدينة بحجم بيروت كحاضرة عربية، إلى صراع سياسي يرتبط بتحسين الشروط السياسية والشعبوية للقوى المتضررة من الأزمات المتلاحقة، وغالباً ما يدفع اللبنانيون ثمنها، مثلما دفعوا ثمن انفجار المرفأ، وتلاشي الدولة ومؤسساتها ومقدراتها هو ما يتقدّم المشهد والصورة هذه الأيام.
وتنطوي المعادلة على تضارب في الحسابات التي غالباً ما تكون قاتلة. أطراف تنظر إلى طرف يتفوق عليها، ويمارس قوته لتعزيز وضعه، خالطاً السياسي بالمدني والأمني بالعسكري، وأطراف أخرى تسعى لأن تتصدى له، إما بالسياسة وإما بالأمن والعسكر كما وصفه الزميل منير الربيع.
وما جرى عند مستديرة الطيونة هو حرب أهلية مصغرة. تشي بذلك الجغرافيا والديموغرافيا والتاريخ والأيديولوجيا. نقطة مفصلية بين ثلاث حساسيات لبنانية سنية وشيعية ومسيحية، ولكل من هذه الحساسيات حيثياتها وحساباتها.
قد تستمرّ مفاعيل «غزوة الطيونة» لبضعة أيام، لكنها بالتأكيد لن تكون مدخلاً إلى حرب أهلية، ليس فقط لأنّ الجميع يتجنّبون سقوط لبنان في المجهول، بل لأنّ أحداً في الميدان لا يمتلك السلاح المتوازن ليقاتل قوة مدججة كحزب الله، والحزب إياه نفسه يدرك ذلك، كما الأجهزة العسكرية والأمنية الداخلية والخارجية، ومنذ أن تخلَّت الميليشيات عن سلاحها وتحوَّلت إلى العمل السياسي، بقيت لعبةُ العسكر والأمن ميداناً متاحاً لحزب الله.
copy short url   نسخ
17/10/2021
299