+ A
A -
مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل
عَبر إعصار عُمان على ضمائرنا في الخليج العربي بقلق بالغ، وهو نموذج لما يتعرض له أشقاء لنا في العالم الإسلامي أو في الأسرة الإنسانية الكبرى لكوارث الطبيعة، بعضها من تدخل الإنسان وإفساده الذي مس قانون النواميس الإلهية، فأثّر على أرضه واستقراره ومستقبل أجياله، وإن بقيت القوة الكونية التي فطر الله الأرض عليها ثابتة، فلو أرخى القدرُ لها الحبل لذهبت الأرض ومن عليها، من حجم إفساد العالم الحديث، ليس في تأثيره على الطقس فقط، ولكن في آثار تصنيعه المجنون، من العبث بطبيعة الأرض والزرع، إلى مستودعات السلاح النووي التي تكفي لتدمير الأرض مراراً.
وبعض هذه الأعاصير، ضمن حركة هذا الكوكب الطبيعية بين بحره ويابسته، يحترز الناس من تدافعها الدوري، ولكن تصل آلام هذه الاصطدامات إلى بيوت آمنة وأنفس مطمئنة، ولله الأمرُ من قبلُ ومن بعد فيما يدبر ويعوّض في هذه الحياة الدنيا، وهي كذلك حين نقف مع نتائج إعصار شاهين، فلا ننسى من ذهبت حياته في ظلال هذه الفاجعة رحمهم الله، أو من فقد بعض صحته أو ماله أو تشرد في الأرض ولو لبضعة أيام.
مشهد يُذكرنا بمصير العالم المطحون الذي لا يُلتفت له في سوق الغرب، لا لكونه يتحمل المسؤولية وحده، وليس لعدم وجود دعم يضخه الغرب للغوث الإنساني، لكن لكون أصل ميزانه مع عالم الجنوب مختلاً، وهو متورط في هذا الاحتلال شريك أساسي متمكن في طغيان كفة القوة، القوة التي رفضها فوكو في الأكاديمية الغربية، وصرخ في العالم لماذا نجعل الغرب ميزاناً للعدالة الكونية، قبل ان يسقط هو بذاته في كفة الميزان.
وعليه فنحن نستحضر ضحايا الكارثة، وندعم كل فكرة وجهد، يَصنع في عمان نظريات طوارئ للمستقبل، تقيهم بأس الشواهين في كل حين.
لكن المشهد الذي أخذ بألبابنا هي تلك النخب الرائعة من الشباب العماني التي تحولت في ساعات ثم أيام إلى فرق طوارئ متحفزة، تبحث في كل مناطق عمان ومدنها وأحيائها، عن المضطرين والمنكوبين، فتصل دارهم وتنقذ ما يمكن إنقاذه، ثم تسعى لتجهيز بيوت ضحايا الجائحة وترميم ما يمكن ترميميه، روح شبابية عظيمة، متوحدة متجانسة، متدفقة بالعطاء وددنا لو كنّا بينهم وحولهم، نمد لسواعدهم بعض العون، أما وقد اكتفت عمان بشبابها، فإن حقها علينا مسح جبينها وجبين طلائعها.
لقد كان لهذه الروح التضامنية بنية أساسية أحسب أنها اليوم قد أكملت عقوداً من التراكم الإيجابي لمعنى الاتحاد المدني الإنساني، القائم على أصل الفكرة الإسلامية وهدي رشادها، لا أقول ذلك كمقدمة نرددها عن دور الخُلق الإسلامي في ضمير الوجدان العماني، ولكنها حقيقة ممتدة نرصدها منذ زمن.
فبرغم ما يظهر وهو حقيقة حاضرة، من فرق جلي بين الحركة المدنية العمانية، بما فيهم شباب التنوير الإسلامي وتيارات المراجعة النهضوية، وبين التيار الشرعي الواسع والمنتشر، إلّا أن عمان تنضج فيها اليوم فكرة يقظة، تبحث عن الفارق التطويري لحياة الفرد دستوريا ومجتمعياً، دون مشارطة التطرف العلماني ورياح السموم الغربية التي تُصّر على اقتلاع أطفالنا وأُسرنا، وليست قضيتنا معهم في مدنية الدولة ولا دستورية الحياة السياسية، ولكن في سقوط الجوهر القيمي، الذي يُجرّفه الغرب منذ سنين، ثم يُصدّر لنا رجع صداه القبيح.
ولكن هذا الفكر المدني يحتاجه حاضر العالم المسلم، ليصنع تحت جوهره القيمي في مرجعية مركزه الأخلاقي، لتكون الانطلاقة الوطنية بين هذه الثنائية، وعمان يرتفع لديها اليوم هذا الفكر، وفي ظني أن هناك مساحة تعاضد واسعة بين التيار الشرعي والمدني، يخطها الراشدون من كلا الجانبين، هنا رسالة الدولة والتي شاركت أصلا في العهد السلطاني على دمج القبائل في الحراك المدني الاجتماعي الطبيعي، الذي يجمع الناس بكل أُصولهم، لأن التأسيس السلطاني أدرك أن الوسائط المدنية، هي في الحقيقة من صلب المقاصد الإسلامية، كونها تنظم حقوق الأفراد وحظوظ الأفكار، في منظومة وطنية جامعة.
ولذلك فإن الدولة التي انفتحت على روح شبابها في شاهين، وكان هناك تعاون بين المؤسسات وبين الطلائع الشبابية، تخلق لها هذه التجربة موسماً مهماً، للتقدم نحو المشاركة الشعبية وتنظيم جسور الإصلاح للمصالح الاقتصادية والمعيشية، فالشعب راشد وعظيم بذاته وسلطنته، ولشبابه المجيد كل تحية، ومسحة جبين لروحه الأبية.
copy short url   نسخ
17/10/2021
391