+ A
A -
خميس عبداللطيف المسلماني مستشار قانوني
أصبح الاستثمار في القطاع العقاري مقصداً لكثير من الأفراد بعدما كان هذا الاهتمام مقتصراً على كبار المستثمرين العقاريين من شركات خاصة أو شركات مملوكة للدولة، وتختلف مسببات الفرد في التملك، فإما لدواعي السكن أو بغرض استثماره لتحقيق عائد مالي ثابت كتأجير العقار أو الانتظار لحين ارتفاع قيمته بمرور الوقت وإعادة بيعه مرة أخرى. ويأتي كذلك تزايد الأفراد في الشراء لما تقدمه بعض الاستثمارات العقارية من حوافز مغرية وجذابة أهمها امتيازات ضريبية وتسهيلات بنكية، وذهبت بعض الاستثمارات إلى أبعد من ذلك بمنح مشتري العقار إقامة دائمة للعيش في الدولة المراد الاستثمار بها، وقد وصلت تلك التحفيزات في بعض الدول إلى منح جنسيتها. وتتعدد تلك المميزات باختلاف الدول وتوجهها في جذب الاستثمار العقاري.
ومع تزايد عمليات الشراء العقاري إلا أنها قوبلت بزيادة في عدد ضحايا النصب والاحتيال من خلال بيع العقارات غير المرخصة والعروض الوهمية لها، كعرض أسعار مبالغ فيه لا يناسب قيمة العقارالحقيقية والمبالغة في العائد من العقار. فهناك عصابات منظمة تستهدف تلك الفئة وتتصيد لهم، فعمليات الاحتيال تنشط مع انتعاش الاستثمار العقاري.
للتصدي والحد من هذه الظاهرة يقتضي على كل شخص يرغب في امتلاك عقار في الخارج بذل عناية خاصة في البحث والتقصي الشامل قبل الدخول لأي اتفاق أو التزام قانوني، حيث إن إتمام ترتيبات الفحص والتأكد من سلامة المستندات يساهم بشكل كبير في تقليل المخاطر واتخاذ القرار المناسب بعد الاطلاع على كمية المعلومات والبيانات من مصادرها الرسمية.
سيتعامل المشتري خلال عملية الشراء إما مع البائع مباشرة أو عن طريق وسيط عقاري. وهدف المشتري خلال عملية الشراء أمران مهمان هما استلام العقار ونقل ملكيته بدون أية إشكاليات أو تبعيات قانونية.
فما هي الأمور الواجب اتباعها قبل إتمام عملية الشراء؟
أولاً: فحص مستندات ملكية العقار وبيانات المالك:
من الأمورالواجب اتخاذها عند التفكير بالشراء معاينة جميع المستندات المتعلقة بالعقار وفحصها لبيان مدى سلامتها، ومن أهم تلك المستندات الاطلاع على عقد ملكية العقار أو سند الملكية المصادق عليه من الجهة المعنية بالدولة، بالإضافة إلى عقد البيع الذي آلت إليه الملكية للمالك للتأكد من صحة تسجيل الملكية وسلامته، وأن البائع هو المالك الحقيقي للعقار ولديه حيازة قانونية.
بالنسبة للمالك، فيجب على المشتري معرفة بيانات مالك العقار، والتثبت من ملكية صاحبه سواء كان العقار ملك شخص واحد أو عدة أشخاص، وضمان التأكد أن للبائع أهلية قانونية للتصرف حتى لا يقع بإشكالية بيع ملك الغير. كما يتطلب التحقق كذلك من حيازة العقارعند البيع بأن تكون حيازة خالية من أي قيود مانعة للتصرف كرهن أو تنازل، وألا يكون العقار مقيدا بحكم محكمة يمنعه من التصرف، بمعنى شراء عقار من مالك وحائز للعقار حيازة حرة غير مقيدة، وأنه قادر على تسليم العقار للمشتري فور إتمام عقد البيع بدون أية إشكاليات، ويمكن معرفة القيود المانعة للتصرف في العقار في بعض الدول من خلال شهادة يتم إصدارها من الإدارة المختصة بشؤون التسجيل العقاري تتضمن القيود والتصرفات. ومن ضمن الأمور التي تساعد المشتري للتحقق من حيازة العقار بشكل فعلي هي إيصالات وتسجيلات المرافق الخاصة بالعقار كالكهرباء، الماء، الغاز، الهاتف وغيرها.
ولابد من الإشارة إلى انه إذا كان المالك قد أوكل أحد الأشخاص بالبيع فلابد من الحصول على أصل التوكيل والاطلاع على الصلاحيات الممنوحة للتأكد بأنه توكيل بالتصرف بالعقار وليس بإدارة العقار أو إيجاره أو غيرها وأن يكون ساري المفعول ومعتمدا ولم يتم إلغاؤه.
وإن كان المالك شركة تطوير عقارية فلابد من النظر في سمعة المطور وتاريخه وخبرته وعدم الاكتفاء بالعروض الترويجية المقدمة منه والتأكد من أن الشركة المتعامل معها ذات ملاءة مالية ولديها بيانات مالية سنوية منتظمة، والاطلاع على استصدار التراخيص والموافقات التي تفرضها الدولة بشأن العروض الترويجية للعقارات.
وفي بعض الدول يتطلب أن يكون المشتري للعقار شركة، ولذلك ينبغي على المشتري معرفة كافة شروط تأسيس الشركة، من نوع الشركة ونسبة التملك ومقدار رأس المال والضرائب والرسوم المفروضة وغيرها من الأمور الخاصة بالتأسيس واشتراطاتها.
ثانياً: الاطلاع على المخططات الهندسية والفنية:
يستلزم الاطلاع على تراخيص المبنى بالتفصيل وفحص المخططات الهندسية والمواصفات المعتمدة للعقار والموافقات الخاصة بها والتأكد بأن رخصة العقار صحيحة وغير مقيدة بأية مخالفات وتم الانتهاء منها بشكل قانوني. على سبيل المثال إن كنت ستشتري شقة بالدور الخامس عشر فلابد من التأكد من أن الشقة المراد شراؤها من ضمن الأدوار المصرح بها وموافق عليها. وإن كان البيع على المخططات (الخريطة) فيجب على راغب الشراء التأكد من جواز البيع بالمخطط في أنظمة الدولة من خلال الاطلاع على الموافقات الخاصة بها. كما يتطلب معرفة نوع سند ملكية الأرض (تملك حر أو حق انتفاع) وأن كانت أرض العقار حق انتفاع فلابد من الاطلاع على سنوات مدة الانتفاع وشروطها والقيود الخاصة بها. كما يجب التأكد كذلك من عدم وجود أية مخالفات أو تجاوزات متعلقة بالعقار.
كما تجدر الاشارة إلى أنه في حالة رغبة المشتري بشراء أرض، فينبغي الاطلاع على الوضع القانوني والفني للأرض من حيث النسبة المخصصة والفعلية للبناء المسموح بها وعدد الطوابق والارتفاعات سواء كان بناء منزل خاص، إداري، تجاري أو أرض زراعية والرخصة الخاصة بها، فإن لم تكن هناك رخصة بناء فيجب معرفة تكاليف رخص التصاميم والبناء بالاضافة إلى تكاليف التشييد حيث إنه في بعض الدول تكون تلك التكاليف باهظة الثمن تساوي أو تفوق قيمة الارض في بعض الاحيان.
وفي حال شراء الأرض وبها أساسات أو مبنى غير مكتمل فيستوجب الاستعانة بخبير معتمد للفحص للتأكد من سلامة البناء، وكذلك سلامة التربة وطبيعتها من حيث منسوب الماء أو تركيبة الارض سواء كانت رملية أو صخرية حيث إنها تؤثر في عملية البناء وتزيد من تكاليفه.
ثالثاً: معاينة العقار:
معاينة العقارعلى الواقع وعدم الاعتماد على الصور أو الفيديوهات من الأمور الهامة والضامنة والتي يتطلب القيام بها من الراغب في الشراء أو من ينوب عنه للتأكد من وضعية العقار وجودته والوقوف على حالة العقار بشكل فعلي للتأكد من أنه خال من أي عيوب أو تلفيات، كما يستوجب معرفة مرافق العقار والبنية التحتية الخادمة له والاطلالة الخاصة بها.
رابعاً: التعامل مع الوسيط العقاري:
لتجنب الاحتيال والنصب لابد من الابتعاد عن سماسرة السوق السوداء والتعامل في عملية الشراء مع مكاتب وساطة معتمدة ولديها ترخيص رسمي لأعمال الوساطة والتسويق العقاري، وأن تكون ذات سمعة طيبة في السوق ومعروفة بالأمانة والمصداقية، ويجب أن يكون ترخيص الوسيط العقاري ساري المفعول. ومن الأمور المهمة الواجب التعامل معها بحذر ما يلي:
- عدم الاعتماد على أي وعود شفوية تقدم من الوسيط العقاري.
- عدم تسديد الثمن كاملاً قبل انتهاء الاعمال وتسليم العقار.
- الحصول على تقييم العقار الذي تخطط لشرائه ومعرفة القيمة العادلة والحقيقية له من خلال أسعار السوق، حيث إن الاسعار تتأثر بقربها وبعدها عن القطاعات الخدمية كالمدارس والاسواق والمستشفيات وغيرها.
- معرفة رسوم وأتعاب الوساطة ونسبتها وتكاليف التسجيل بين المالك والوسيط والمشتري ومقدار نسبة الدفع لكل منهم وتدوينها في عقد الوساطة.
- معرفة الضرائب الواجب تسديدها بالتفصيل ومن الملزم بدفعها، وإن كان هناك ضريبة قد سددت فلابد من طلب شهادة التسديد.
- معرفة كافة تكاليف الصيانة والخدمات والدفعات الخاصة بالعقار سواء كانت شهرية أو سنوية.
- من المهم دراسة تأثر تقلبات العملة في الدولة المراد الشراء بها على سوق العقارات قبل اتخاذ قرار الشراء.
- التحقق من قانون الميراث في الدولة وكيفية انتقال العقار بعد الوفاة وتسجيله للورثة.
- توقيع عقد وساطة متضمن تفاصيل العقار، على أن يتم مراجعة اشتراطات العقد قبل الموافقة والتوقيع عليه.
رابعاً: محتويات العقد:
أحد الأمور الاساسية التي تحمي المشتري والتي يجب أن يتم التركيز عليها هي وثيقة عقد البيع، حيث انها ستحتوي على الشروط والاحكام التي سيتم الاتفاق عليها والتي على أساسها سيكون البائع مسؤولاً عن أية إخلالات بالعقد، فبتحرير عقد البيع وتوقيعه سيكون البائع والمشتري ملزمين بتنفيذ جميع البنود وفق الاتفاق النهائي. وهناك عدة بنود متعلقة باشتراطات بيع العقار وأحكامه، الا أنني سوف أطرح لكم بعض البنود المهمة التي يجب مراعاتها في عقد البيع على سبيل المثال لا الحصر:
- كتابة بيانات أطراف العقد وصفاتهم.
- وصف العقار الذي سيتم بيعه بشكل مفصل وان يكون محددا تحديداً منافيا للجهالة.
- قيمة الشراء، وطريقة آلية السداد، وأن كانت على أقساط شهرية أو سنوية فلابد من تحرير مستند لكل دفعة متضمنة قيمة الدفعة مع الاشارة إلى العقد المبرم، وعند الانتهاء من الدفعات يجب أن يتم إصدار مستند رسمي يفيد تسديد كامل الثمن، وفي جميع الأحوال يجب أن يتم التسديد للحساب البنكي الخاص بالبائع دون غيره.
- التأكد من وضع بند واضح بأن البائع قد باع وأسقط وتنازل عن حقه في العقار للمشتري.
- إلزام البائع بالتعهد بالتصديق على عقد البيع وتوثيقه أمام الجهات الرسمة.
- بيان نسبة المشتري من حصته في الارض إن كان المشتري قد اشترى وحدة (شقة) في أحد الأدوار في بناية متعددة الطوابق.
- كتابة موعد التسليم بشكل محدد.
- كتابة التزامات البائع في حال اخلاله وعدم تنفيذ بنود العقد.
خامساً: الاستعانة بمحامٍ:
الاستعانة بمحام واستشارته من الأمور الجوهرية التي يجب على المشتري التقيد بها من أجل ضمان قانونية الإجراءات وسلامتها، ومعرفة جميع الحقوق والواجبات بشكل واضح ومن مصدر مستقل وموثوق به وليس لديه أي تعارض بالمصالح مع البائع.
خاتمة:
لحفظ حقك حتى ولو كانت هناك حزمة من القوانين والتشريعات لحماية المستثمرين أصدرتها الدول لجذب الاستثمارات الا أنه يأتي دورك بأن تكون على دراية تامة بالاجراء التنظيمي والقانوني والفني عند شرائك للعقار خارج الدولة من خلال الاطلاع والفحص لتجنب النصب والاحتيال، وكل الأمور التي تم الاشارة اليها في هذا المقال من المفترض أن يتم التعامل بها من قبل المشتري ليتحصل على المعلومات والبيانات الكافية للعقار والتي تساعد وتؤثر في اتخاذ قراره، وإن تغافل وتجاهل المشتري عن تلك الترتيبات قبل عملية الشراء سيضع المشتري في إطار مغلق لن يخرج منه إلا بخسائر مادية.
copy short url   نسخ
17/10/2021
827