+ A
A -
أيمن دراوشة
ناقد أدبي أردني
يعد مكسيم رودنسون أنَّ أزمة الاستشراق الحالية نابعة من إهمال المستشرقين التقليدييـن
- المتمسكين بالمنهجية الفيلوجية - لتطور العلوم الإنسانية، ويعزو ذلك إنَّ الوقت قصير فوقت الباحث قصير وكذلك عمره.
كما يركز على مشكلة العرقية المركزية الأوروبية، ودخول الباحثين القوميين أبناء البلدان المبحوثة ميدان البحث العلمي، وهم على الأغلب يميلون إلى رمي إنجازات الاستشراق لاعتقادهم إنه ملوث بالعرقية الأوروبية، ودافعه الأساسي الولوج إلى العالم العربي والإسلامي واستغلاله، ويدعم رأيهم النظرة السلبية لتراثهم وثقافتهم.
وهو لا يعترض على دخولهم معترك التوغل في ثقافتهم، كما لا ينفي حقهم في «النضال من أجل الدفاع عن قيمهم ومصالحهم القومية».
ويعترض على أنَّ البعض من الباحثين القوميين «يتجاوزن الحد في الاستخدام الإيديولوجي لأصولهم لكي يفرضوا أنفسهم كناطقين رسميين باسمها، ولكي يفرضوا الصمت على مخالفيهم في الرأي موحين لهم بتهمة الوصم بالعنصرية كنوع من الابتزاز» كون ذلك يضر بالعلم نفسه وحتى بالبلدان ذاتها أكثر ما يضر الغرب الأوروبي.
ويبدي مكسيم رودنسون اهتمامه ببعض الباحثين العرب، فيقول عن كتاب إدوارد سعيد «الاستشراق» إنه حقق نجاحًا باهرًا في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وأنه شكل صدمة نفسية للمستشرقين، فهو ساعد في تحديد إيديولوجيا الاستشراق الأوروبي، وخاصة الإنجليزي والفرنسي، لقد حدد الإيديولوجيا «من خلال تبلورها في القرنين التاسع عشر والعشرين وعلاقتها الجذرية بالأهداف السياسية والاقتصادية والأوروبية لتلك الفترة، ويأخذ عليه تأوله لبعض مؤلفات المستشرقين ويعزو ذلك لحساسية سعيد المفرطة اتجاه ردود أفعال المفكرين الأميركيين والأوروبين، ويتفق مع سعيد في نقده اللاستشراق التقليدي، ويقول: عن الصدمة الذي أحدثها كتاب الاستشراق إنها» مفيدة جدًّا إذا ما دفعت بالمختصين إلى إدراك أنهم ليسوا بريئين إلى الحد الذي يدعون أو حتى إلى الحد الذي يعتقدون. كما أنها ستكون مفيدة إذا ما دفعت بهم إلى محاولة أخذ الوعي بالأفكار العامة (أو بالخلفيات المسبقة) التي ينطلقون منها بشكل لا واع وإلى فرزها وتوجيه نظرة نقدية إليها.
من المفكرين العرب الذي أبدى رودنسون إعجابه بهم المفكر التونسي هشام جعيط الذي دعا إلى هضم الحداثة وفهمها، وأكد أن تبني الحداثة واستيعابها لن تكون ذات جدوى ولها قيمة إلا بالتأكيد على الهوية العربية. انشغل جعيط الذي ساهم بفاعلية بالنقاشات الفكرية المحتدمة على الساحة العربية بقضايا الحداثة والهوية والعلاقة مع الغرب، وكان له إنجازات لا تخفى من خلال مؤلفاته، ككتاب (الفتنة) الذي تناول فيه جدلية العلاقة بين الدين والسياسة في مراحل الإسلام المبكرة، وكذلك كتابه المعروف (الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي) الذي ناقش فيه قضايا الهوية والنهضة.
وتتمحور أفكاره حول الهوية بوصفها إطارًا يحدد الذات ويؤطرها في التاريخ الإنساني، ويتجاوز الباحث جعيط الرؤيا المحافظة في فهمها للهوية، إنها ليست مجرد لكيان بمفهومه العرقي كما نلحظه لدي المفكرين الإسلاميين والقوميين، بل هي تجربة متعدد تتفاعل في التاريخ، وتتأثر بالواقع والإنسانية.
وعلى الرغم من أنه يؤكد على الهوية والالتزام الحضاري إلا أنه يقطع أي صلة مع الفكر القومي العنصري والديني المحافظ. فهو يتعمق ويبحر في دهاليز التاريخ الإسلامي والشخصية الإسلامية، مفتشًا عن رموز التنوير الين أغنوا الحضارة الإسلامية، إلى جانب عمله على تفكيك بنية الفكر الإسلامي مبينًا تنقضاته، ويقفز إلى قضايا الحداثة والعقلانية، ضمن مقاربة منسجمة، تستهدف فهم الذات والآخر بوعي تاريخي، بعيدًا عن الخطابات التبجيلية والإيديولوجية. منبها أنه ابن الدين الإسلامي التقليدي حيث ولد ونشأ في حضنه، إلا أنه سيحارب بكل ضراوة حداثة قشورية لا تسمن ولا تغني من جوع. فالفكر العربي الإسلامي تنازعه تياران أحدهما يريد الرجوع به إلى الأصول والنبع النقي والصافي، بما يلغي أي دور للعقل وحرية التفكير، وآخر يقاوم ويهاجم هذا التيار، ويطالب في الدخول إلى الحداثة الغربية دون قيود أو شروط، وانتهى به الحال إلى الاستلاب والإعجاب والاغتراب، وكلا التيارين لم يتمكنا من قيادة الفكر العربي، إذ بقي يراوح مكانه بين تيارين متضادين.
copy short url   نسخ
16/10/2021
212