+ A
A -
حرصت دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ اللحظة الأولى لاحتلالها لفلسطين،على اعتماد قواعد تشريعية تساعدها في تكريس احتلالها وتنفيذ برامجها التوسعية والاحتلالية، وفي نفس الوقت تكوين انطباعات تضليلية عنها باعتبارها «دولة قانون» في إطار مساعيها لتشريع احتلالها، والظهور بمظهر الدولة العصرية المتمدنة، فاعتمدت ثلاثة أسس للتشريع، أولها بعض ما ينفعها من القوانين الأنتدابية البريطانية، والتي كان من بينها قانون الاعتقال الإداري، وثانيها جملة القوانين والتشريعات الصادرة عن الكنيست إضافة للأوامر العسكرية الصادرة عن قادة جيش الاحتلال، ثم بعد عام 1967 اعتمدت جزئياً على بعض القوانيين الأردنية والمصرية المتعلقة بادارة الشؤون الحياتية لابناء الشعب الفلسطيني، ثم عملت على تطوير منظومتها التشريعية استناداً إلى التجربة وواقع الحال الناشئ وتطورات الصراع مع الشعب الفلسطيني وبما يضمن لها استمرار احتلالها وتسهيل مهمة أدواتها القمعية، «الجيش والشاباك وفيما بعد ميليشيا المستوطنين».
وقد نجحت إسرائيل في استدارجنا إلى مربع التعاطي والتعامل مع ما يسمى منظومتها القضائية العسكرية والمدنية في محاولة منها لإضفاء قدر من الشرعية على قراراتها وعلى وجودها من حيث المبدأ، فحين تلجأ الضحية إلى مؤسسات الجلاد يبدو الأمر وكأنه أي الضحية يتوخى عدلاً لدى القضاء الاسرائيلي، ويسجل في وثائق الاحتلال بانه قد حصل على محاكمة «عادلة» فما يهم الاحتلال هو انه يوثق كل قضية والتي تحمل اسم الشخص ومحاميه والمراحل التي مرت بها محاكمته وانه حظي بفرصة للاستئناف وحتى التوجه للمحكمة العليا، وهذه اكبر عملية تضليل تمارسها إسرائيل ونشارك نحن بتعزيزها ودعمها.
ولو استعرضنا عشرات الاف القضايا التي نظرت فيها محاكم الاحتلال وتحديداً العليا، والتي لم تقتصر على المعتقلين بل شملت قرارات مصادرة الأراضي وهدم البيوت وعمليات الإبعاد وتهجير الناس من بيوتهم كما يحدث في هذه الاثناء في قضيتي الشيخ جراح والخان ألاحمر، أذ تقول الأرقام والاحصائيات ان معظم هذه القضايا التي نظرتها محاكم إسرائيل اصدرت فيها قرارات شرعت من خلالها قرارات الحكومة والجيش والمخابرات والشرطة الاسرائيلية والتي كانت من أجل تكريس المشروع الصهيوني وخطط إسرائيل في إحكام سيطرتها على الارض والمواطنين.
ولعل بعض القرارات القليلة التي حكم فيها لصالح المواطن أو المؤسسة التي توجهت للمحكمة، انما تم ذلك في إطار عملية التضليل وبما يوحي ان المحكمة تتخذ قرارات في صالح المواطن وبالتالي تضفي قدر من المصداقية على القرارات التي حكمت فيها ضد المواطن ومصالحه، وفي ذلك تأكيد على أن منظمومة القضاء الإسرائيلي العسكري والمدني انها هي ذراع قمعية لشرعنة إجراءات غير شرعية وغير قانونية، فهذه المحاكم صادقت على مصادرة الارض والاعتداء على المقدسات.
فبالامس القريب سمحت بالصلاة لليهود في المسجد الاقصى المبارك، كما وصادقت على هدم البيوت وابعاد المواطنين واحتجاز جثامين الشهداء وبناء المستوطنات والاعتقال الاداري وتعليق الاعتقال الاداري والذي لا ينص عليه أي قانون على وجه الارض، بالاضافة إلى فرض الغرامات الباهظة التي تقدر بمئات الملايين وكلها تذهب إلى ميزانية وزارة الجيش الاسرائيلية، وبذلك حولتنا إلى مصدر تمويلي لجيش القمع الاحتلالي، بينما تقوم إسرائيل بتنفيذ قوانينها التي تتعارض مع مصالح مؤسساتها.
أن فكرة الثورة على الاحتلال تتمحور عملياً حول مقاطعته وعدم الالتزام باجراءاته وقوانينه واوامره ومن ثم قتاله والنضال في مواجهته، ولعل هناك اجماعاً فلسطينيا ولو بالمعنى النظري على مقاطعة الاحتلال وبضائعه ومؤسساته والعمل لديه، وكلنا يعلم أننا لو قاطعنا الاحتلال بالمعنى الشامل للكلمة فإن خسائره ستكون كبيرة جداً تجعل من مشروعه مشروعاً خاسراً، وهذا فقط الذي سيقوده إلى اعادة النظر في سياساته وإجراءاته، وبناء علية وبما أن المعتقلين هم الطلائع وهم من مارس الثورة ودفع ثمن ذلك غالياً، فهم الأجدر بتعليق الجرس وايقاد شعلة مواجهة هذه المحاكم عبر مقاطعتها من خلال نقاش موسع تشارك به كافة الفصائل لبلورة قرار استراتيجي بالمقاطعة الشاملة لمنظومة القضاء الاحتلالي. أما المعتقلين الاداريين الذين يعتقلون بدون تهم وبصورة متكررة، حتى أن بعضهم امضى ما يزيد على العقد ونصف العقد وهم قيد الاعتقال الاداري ولم تنصفهم المحاكم التي شاركوا فيها من خلال وجود تمثيل لهم على شكل توكيل محامي يمثلهم أمام تلك المحكمة، ومعظمهم استأنف على قرار محكمة التثبيت وعدد لابأس به وصل المحكمة العليا، فهل لمس أي واحد منهم أي عدل أو انصاف ؟؟؟ الجواب هو وبإجماع كل من خاضوا هذه التجربة المريرة بالنفي، لذلك فإن سؤالا تلقائيا يندفع للذهن: لماذا الإصرار على مواصلة التعاطي مع هذه المسرحية الهزلية التي تنتج للأسرى وعائلاتهم مآسي حقيقية؟، فالمستفيد الوحيد هو الاحتلال ولذلك اعتقد أنه آن الأوان لاتخاذ القرار الجريء والمسؤول بالمقاطعة الشاملة، وليكن المعتقلون الاداريون هم الطليعة ثم تتسع الدائرة شيئاً فشيئاً حتى تصبح المقاطعة شاملة، وحينها سنكتشف أنه كان بحوزتنا سلاحاً مهماً لم نستخدمه لعقود من الزمن.قدورة فارس
رئيس نادي الأسير الفلسطينيصحيفة القدس الفلسطينية
copy short url   نسخ
14/10/2021
107