+ A
A -
‏هي «ماما» وسيدة ألمانيا وكذا زعيمة العالم الحر أو المرأة الحديدية، تلك أبرز الألقاب التي وصفت بها الشابة القادمة من ألمانيا الشرقية والتي درست الفيزياء، وعملت أثناء دراستها كنادلة، لتصبح بعد ذلك سياسية محنكة ومستشارة نجحت في حكم بلد جعلته أقوى اقتصاد في أوروبا رغم مروره في فترات ولاياتها الأربع والتي امتدت لـ 16 عاماً بثلاث أزمات توزعت بين المالية والإنسانية والطبية.
‏بدأت العالمة الفيزيائية مسيرتها السياسية بعد سقوط جدار برلين عام 1989، حيث انضمت ميركل إلى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وفي عام 1990 عينت نائباً للسكرتير الصحفي في الحكومة، وبعد فترة وجيزة عينت في حكومة المستشار هيلموت كول «الأب الروحي لها» وزيرة لشؤون المرأة والشباب.
‏ثم تزعمت مطلع عام 2000 حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وأصبحت أول إمرأة مستشارة لألمانيا وافتتحت ولايتها الأولى بعد خمس سنوات واستمرت زعيمة للحزب وألمانيا وقائدة لأوروبا على مدار 16 عاماً.
‏وخلال هذه السنوات الـطويلة، واجهت أنجيلا ميركل العديد من الأزمات والتحديات، فأضيف لها لقب «سيدة الأزمات» بحسب الصحافة العالمية، حيث استطاعت أن تتخطى كل هذه العقبات ببراعة.
‏ففي الأزمة المالية عام 2008م، قامت ميركل ووزير المالية آنذاك بير شتاينبروك بعمل ثنائي رائع أمام الكاميرات لتهدئة المستثمرين الألمان، فقالت ميركل أمام الصحفيين وهي تتمتع بثبات وثقة: «نقول للمودعين إن ودائعهم آمنة»، وربطت كلماتهما المختارة بعناية بخطة عمل فعّالة، فلم يتحقق الانهيار المصرفي المتوقع.
‏كما صمدت ألمانيا بقيادة المستشارة ميركل أمام أزمة اليورو، وبرهنت على مصداقية مقولتها الشهيرة: «إذا فشل اليورو، ستفشل أوروبا، ولا يمكن السماح بحدوث ذلك».
‏هذا وقد سجلت ميركل نجاحاً آخر في الاستجابة لأزمة الهجرة عام 2015م، حين قررت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في سنة 2015، أن تفتح الباب أمام طالبي اللجوء، رغم أنها قوبلت بانتقادات شديدة من اليمين المتطرف آنذاك وتراجعت شعبية حزبها وقتها، إلا أنها تألقت في إدارة الأزمة وثبت بالوجه الملموس وبلغة الأرقام أن نسبة مهمة ممن دخلوا البلاد استطاعوا أن يشقوا مساراً ناجحاً، فتعلموا اللغة الألمانية ليواصلوا دراساتهم وأضحوا يعملون ويدفعون الضرائب للدولة.
‏أمّا عن أزمة فيروس كورونا عام 2020م، فقد أظهرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كفاءة في إدارتها أثارت إعجاب المعارضين قبل المناصرين، وتوالت الإشادات من الداخل والخارج حول النموذج الألماني الذي جمع بين المرونة والدقة وإشراك الهيئات ذات الصلة في بلورة القرار.
‏وأظهر عدد من استطلاعات الرأي أن ثلثي الألمان راضون عن إجراءات إدارة الأزمة التي اتخذتها الحكومة الألمانية لمكافحة فيروس «كوفيد - 19»، وباتت شعبية المستشارة تحلق عاليا عند حوالي 74 في المائة.
‏مقابل كل هذه النجاحات غير المسبوقة والتي دخلت عبرها ميركل التاريخ من أوسع أبوابه، إلا أنها سجلت في رصيدها نقطة فشل في عملية توريث الحكم لخليفتها في قيادة الحزب، حيث فاز الحزب الاشتراكي الديموقراطي المنافس لحزبها في الانتخابات البرلمانية في ألمانيا، طابعًا نهاية عهد أنجيلا ميركل بهذا الفشل، وذلك بحصوله على 25,7 بالمائة من الأصوات، متقدّمًا بفارق ضئيل، بحسب نتائج رسمية أولية أعلنتها اللجنة الانتخابية الفدرالية أمس الاثنين.
‏وبذلك تغادر ميركل منصبها بعد 16 عاماً في الحكم، وقد قيل فيها: «حوّلت هذه المرأة ألمانيا من (رجل أوروبا المريض) إلى الاقتصاد الأول في القارة، ومن الدولة المترددة دولياً إلى الحاضرة بقوة في كل شأن، ومن دولة العرق الآري المتعالي إلى أرض اللاجئين الآمنين. هذه السيدة حكمت بعدل ونزاهة، وتغادر لتتعب من يأتي بعدها في قيادة ألمانيا».ماهر حسن شاويش
كاتب صحفي مقيم في هولندا
copy short url   نسخ
28/09/2021
147